وثائق تُظهر دور المخابرات السورية في توجيه المساعدات الإنسانية
تشدّد الوثيقة نفسها أيضاً على ضرورة قيام الفروع بالتنسيق مع الهلال الأحمر السوري “لتنظيم توزيع المساعدات الطبية على هذه المناطق واختيار أنواع المساعدات التي يُسمح بدخولها”. وتؤكد هذه التعليمات على ممارسة شائعة في النزاع.
في الأسابيع الأخيرة، سلّط تقريران نشرتهما هيومن رايتس ووتش وتشاتام هاوس الضوء على كيف “تلاعبت” الحكومة السورية بفعالية بجهود الإغاثة الإنسانية المقدّرة بمليارات الدولارات في سوريا. ومن خلال الضغط السياسي والأنظمة، تتلاعب الحكومة بتدفق المساعدات الإنسانية لمعاقبة فئة السكان الذين تعتبرهم معادين لها، ومكافأة الموالين للحكومة. ولقد اعتمدت الآراء المستخلصة من هذين التقريرين الصادرين مؤخراً إلى حد كبير على وجهة نظر عمال الإغاثة الذين اضطروا للعمل في ظل انعدام الوضوح ونقص المعلومات.
وللحصول على فهم أفضل لسياسة الحكومة السورية وعمليات صنع القرار فيما يتعلق بالمساعدات الإنسانية، بحث المركز السوري للعدالة والمساءلة في قاعدة بياناته الخاصة بوثائق الحكومة السورية بحثاً عن رسائل ومذكرات ذات صلة. وتوضح الوثائق التي تم تحديدها كيف أن أجهزة المخابرات السورية، التي ارتكب أفرادها بعض أسوأ انتهاكات حقوق الإنسان خلال النزاع، تلعب دوراً رئيسياً في توجيه ومراقبة جهود المساعدات الإنسانية في سوريا.
“المناطق الساخنة” مقابل المناطق الآمنة
منذ بداية النزاع، اشترطت الحكومة السورية على منظمات الإغاثة الدولية السعي للحصول على موافقة الحكومة على جميع المشاريع وتوصيل المساعدات داخل سوريا. حيث أفاد عمال الإغاثة الذين قابلتهم هيومن رايتس ووتش بأن غالبية الطلبات المقدمة من المنظمات الدولية إما يتم رفضها أو تجاهلها دون أي تفسير يذكر.
في تموز/يوليو 2014، تُظهر مذكرة صادرة عن فرع الأمن السياسي في محافظة إدلب كيف تحدّد الحكومة داخلياً مناطق “آمنة” لتوصيل المساعدات إليها و”مناطق ساخنة” يجب تقييد وصول المساعدات إليها. وتتضمن الوثيقة، الموجهة إلى فرع الشؤون العربية والخارجية، عدداً من المناطق التي طلبت وكالات الإغاثة الوصول إليها. وتم تصنيف مدينة جسر الشغور وبلدتي الفوعة وكفريا على أنها “آمنة” لأن “هناك قواعد عسكرية هناك والوضع الأمني جيد”. وفي الوقت نفسه، تم تصنيف بلدتي عتمة وقاح على أنها “مناطق ساخنة” ‘لأنها تؤوي “عائلات الجماعات المسلحة ومخيمات للنازحين” (وكلاهما تعتبر موقعاً لمخيمات كبيرة للنازحين).
وتبرهن التفسيرات هنا بوضوح أن إمكانية الوصول يتم تحديدها بناءً على اعتبارات سياسية بدلاً من الاحتياجات الإنسانية. ومن خلال هذه القيود، تعاقب الحكومة السكان المدنيين الذين يُعتقد أنهم متحالفون مع المعارضة من خلال تحويل المساعدات من المناطق التي تسيطر عليها المعارضة ومخيمات النازحين القريبة، إلى المناطق التي يُنظَر إليها على أنها موالية للحكومة السورية.
“قرار سياسي”
تُوفِّر المراسلات الداخلية أيضاً دليلاً واضحاً على أن التلاعب بتدفقات المساعدات كان سياسة رسمية على أعلى مستويات الحكومة. ففي تموز/يوليو 2014، أصدرت شعبة الأمن السياسي في المخابرات السورية برقية موجهة إلى رؤساء فروعها في جميع المحافظات. وفي هذه الرسالة، تطلب هذه الشعبة من الفروع “التأكد من جهة مقصد البضائع قبل إرسالها، لأن وصول المساعدات إلى” المناطق الساخنة” يحتاج إلى قرار سياسي مسبق وتتم متابعته من قبل مكتب الأمن الوطني بالتنسيق مع ضابط ارتباط محدد من شعبة الأمن السياسي”. [تم اضافة التأكيد.
وتمضي الوثيقة في تسمية ضباط محددين سمحوا، “دون إذن مسبق”، بوصول المساعدات الإنسانية إلى مناطق “تسيطر عليها الجماعات المسلحة”. ولمنع حدوث مزيد من الأخطاء، تنص الرسالة على أنه تم تكليف عدد من ضباط شعبة الأمن السياسي بمتابعة والإشراف على وصول المساعدات الإنسانية إلى “المناطق الساخنة” بالتنسيق مع المحافظين المحليين. وكان مصير الضباط الذين تم توبيخهم في هذه الرسالة غير واضح، لكن في حالات أخرى، حاكمت الحكومة أفراداً بتهم تتعلق بالإرهاب لتوزيع مساعدات إنسانية في مناطق المعارضة، بموجب قانون مكافحة الإرهاب الفضفاض لعام 2013.
القيود على المساعدات الطبية
على وجه الخصوص، سعت الحكومة السورية إلى الحد من إيصال المساعدات الطبية إلى المناطق التي تسيطر عليها المعارضة كوسيلة لحرمان المقاتلين الثوار من الحصول على المساعدات الطبية. وتشير مذكرة أخرى صادرة عن شعبة الأمن السياسي في شباط/فبراير 2014 إلى وجود حظر رسمي على المساعدات الطبية للمناطق التي تسيطر عليها المعارضة. وبينما تشير إلى أن قوات الأمن قد “تخفف القيود التي حظرت دخول المساعدات الطبية إلى المناطق الساخنة”، فإنها تحث الضباط على “أن يُبقوا في اعتبارهم وجود مستشفيات تحصل على دعم أجنبي وتعالج جماعات مسلحة”. ومن شأن هذا التوصيف الأخير أن يمنح الضباط ضمنياً سلطة تقديرية واسعة لمنع وصول المساعدات الطبية إلى أي مناطق قد يتواجد فيها مقاتلو المعارضة.
وتشدّد الوثيقة نفسها أيضاً على ضرورة قيام الفروع بالتنسيق مع الهلال الأحمر السوري “لتنظيم توزيع المساعدات الطبية على هذه المناطق واختيار أنواع المساعدات التي يُسمح بدخولها”. وتؤكد هذه التعليمات على ممارسة شائعة في النزاع، حيث قامت الحكومة بالقوة باستبعاد الإمدادات الطبية من قوافل المساعدات المتجهة في الغالب إلى مناطق هي في أمسّ الحاجة إلى الأدوية. وفي عام 2018، على سبيل المثال، أمرت الحكومة الوكالات الدولية بإزالة 70% من الإمدادات الطبية من قافلة مساعدات كبيرة قبل أن تتمكن من السفر إلى الغوطة الشرقية، حيث كان الحصار قد رُفع للتو بعد خمس سنوات.
اتهامات أخرى
بالإضافة إلى ذلك، تتضمن الوثائق التي حلّلها المركز السوري للعدالة والمساءلة إشارات إلى مزاعم خطيرة صدرت عن وكالات المعونة الدولية والتي لم يسبق نشرها للعلن. وتشير إحدى البرقيات إلى رسالة من مكتب الأمن الوطني تحدد قائمة الشكاوى الصادرة من منظمات الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الإنسانية الدولية، بما في ذلك ادعاءات بأن قوات الأمن السورية استولت على إمدادات واعتقلت متلقّي المساعدات في مراكز التوزيع. وفي حالات أخرى، زُعم أن قوات الأمن كانت تمنع تسليم الحصص الغذائية للنساء المتزوجات وتطلب منهن إرسال أزواجهن بدلاً عنهن — على الأرجح للعثور على الرجال الذين هم في موضع اشتباه واعتقالهم.
خطوات نحو المساءلة
كما توضح الوثائق المشار إليها هنا، فإن المنظمات الدولية قد أذعنت لإطار عمل مسيّس وموجّه بشكل أساسي من قبل قطاعات من الحكومة السورية انتهكت حقوق الإنسان بشكل فظيع. ومن خلال القيام بذلك، تضحّي وكالات المعونة الدولية لا محالة بمبادئ الحياد والنزاهة الخاصة بها.
ورداً على الانتقادات الأخيرة، ردّ أمين عوض، مدير مكتب الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لدى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين بالقول: “بالنسبة لنا، إنه أمر ثانوي من يكون كل شخص. ليس لدي آلية نقوم من خلالها بتمحيص كل عقد [لفحص] صلته بالنظام”. صحيح أن المنظمات الإنسانية يجب أن تعمل بطريقة عملية لتوفير المساعدات المنقذة للأرواح في ظل ظروف مقيّدة للغاية، ولكن هناك خطوات مجدية يمكن للوكالات أن تتخذها لتحسين الوضع الحالي. وفي تقريريهما، تقدّم هيومن رايتس ووتش وتشاتام هاوس عدداً من التوصيات، بما في ذلك إنشاء نظام مراقبة شامل يوثّق مدى وصول المساعدات ويضمن الامتثال لحقوق الإنسان والمبادئ الإنسانية.
وينبغي على المنظمات وجهاتها المانحة، بشكل أساسي، أن تبدأ في التصدّي للفساد الحكومي المتعلق بالمساعدات الدولية. ولقد وفّرت مليارات الدولارات التي ضختها إلى سوريا شريان الحياة للحكومة السورية. وينبغي على الجهات المانحة ومنظمات الإغاثة الدولية الاستفادة من ورقة الضغط هذه لتعزيز استقلالها في المستقبل.
2019-08-06
المصدر: المركز السوري للعدالة والمساءلة + مع العدالة