ما حجم عمالة الأطفال في الداخل السوري؟
بصفة عامة تزداد نسبة عمالة الأطفال في الداخل السوري. بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية والحاجة الضرورية للمال للعيش واستمرار الحياة. وباتت هذه الظاهرة خطيرة تهدد مستقبل وحياة آلاف الأطفال. ولا بد من العمل على ضبطها والحد منها. لما لهذه الظاهرة من آثار سلبية مستقبلية على الطفل والمجتمع. والسؤال هنا: ما حجم عمالة الأطفال في الداخل السوري؟
ما تقدير المنظمات الدولية ظاهرة عمالة الأطفال؟
تشير منظمة اليونيسف التابعة للأمم المتحدة إلى ظاهرة عمالة الأطفال على أنها استغلال الأطفال في أي شكل من أشكال العمل بما يحرم الأطفال من طفولتهم. مما يعيق قدرتهم على الذهاب إلى المدرسة ويؤثر تأثيراً ضاراً عقلياً أو جسدياً أو اجتماعياً أو معنوياً عليهم.
في الحقيقية تقدّر منظمة العمل الدولية أن هناك نحو 215مليون طفل دون سن 18عاماً يعملون في جميع أنحاء العالم. في الوقت نفسه لا تتوفر أرقام دقيقة لعمالة الأطفال في الداخل السوري. إلا أن عدة تقديرات تشير إلى نسبة تتراوح بين 20-30% كحد أدنى. وقد اكد تقرير اليونيسف عام 2021 أن 90 % من أطفال سوريا بحاجة للمساعدة الإنسانية.
عادةً ما تنشط هذه الظاهرة السلبية بشكل كبير في مناطق مخيمات اللاجئين على الحدود مع دول الجوار. حيث تكثر المناطق الصناعية التي تستقطب القسم الأكبر من الأطفال بأجور زهيدة لا تتناسب مع الجهد العضلي والتعب البدني الذي يبذله الطفل.
ما أهم أسباب عمالة الأطفال في الداخل السوري؟
في الواقع تعد الحرب الممتدة منذ عشر سنوات السبب الرئيسي لزيادة ظاهرة عمالة الأطفال في الداخل السوري. حيث تم تهجير ملايين الأشخاص للداخل السوري مع فقدانهم لمصادر دخلهم. بالإضافة إلى فقدان أحد الأبوين أو كليهما. وقد قدّر فريق منسقي “استجابة” في عام 2020 أن عدد النازحين في الداخل السوري بـ2.1 مليون نازح من أصل 4 ملايين.
من جهة أخرى يشكل الفقر والوضع الاقتصادي المتردي العامل الأهم في انتشار ظاهرة عمالة الأطفال. خاصةً المترافق مع عدم وجود معيل في بعض الأحيان. ووفقاً لبيانات منظمة الصحة العالمية فإن 90% من السوريين يعيشون تحت خط الفقر. وهذا ما يدفع الأطفال للعمل لمساعدة عائلاتهم على الرغم من أن أجور الأطفال لا تصل لـ50% من أجور البالغين في أحسن الحالات.
في الحقيقية يعد التضخم وارتفاع مستوى الأسعار من الأسباب المؤثرة في زيادة نسبة عمالة الأطفال في الداخل السوري. مما يضطر العائلات لتشغيل أطفالهم نتيجة ارتفاع تكاليف المعيشة. فعلى سبيل المثال ارتفعت أسعار بعض المواد بنسبة تتجاوز 50 مرة خلال العشر سنوات. بالإضافة إلى انخفاض قيمة العملة بمقدار 80 مرة.
كما أدى انهيار نظام التعليم في سوريا ونقص تمويله وعدم القدرة على تقديم خدمات آمنة وعادلة ومستدامة لملايين الأطفال بشكل كبير إلى تسرب الأطفال من التعليم. ولذلك توجه قسم كبير منهم للعمل. حيث أكد تقرير اليونيسف عام 2021 أن أكثر من 50% من الأطفال محرومون من التعليم في سوريا.
ما أبرز الآثار السلبية لعمالة الأطفال في الداخل السوري؟
في البداية يعد انتشار الأمية أعظم الآثار السلبية لعمالة الأطفال والتسرب الدراسي. ومع هذا الانتشار سوف تنخفض نسب المتعلمين وأصحاب الخبرات المستقبلية وحاجات السوق لذوي الاختصاص مما سيولد فجوات معرفية كبيرة وخطراً على التنمية المستقبلية المستدامة.
من ناحية أخرى تؤدي ظاهرة عمالة الأطفال إلى ارتفاع نسبة الجريمة في سن الأحداث. زيادة على تعرض هؤلاء الأطفال للاستغلال. إضافة إلى ارتفاع حالات تجنيد الأطفال في النزاعات المسلحة.
بالإضافة إلى اكتساب سلوكيات سلبية تظهر على الأطفال كالتدخين والسرقة. لا سيما التأثير السلبي على النمو النفسي لدى الأطفال. بالإضافة إلى تأثير الأعمال المجهدة على نموهم العضوي. وهذا ما يعد كارثة مستقبلية ذات طابع اقتصادي واجتماعي صعبة الحل.
كيف يمكن التصدّي لظاهرة عمالة الأطفال في الداخل السوري؟
من غير الممكن حلّ مشكلة عمالة الأطفال في الداخل السوري دون حل أسبابها الرئيسية المتمثلة بنهاية الحرب. بالإضافة إلى الوصول لحل سياسي عادل يضمن عودة النازحين لأماكن سكنهم وأملاكهم من خلال برامج دعم مالية تمكنهم من ذلك.
يضاف إلى ذلك معالجة المشكلات الاقتصادية المتمثلة ببطالة الكبار وتدني مستوى دخل الفرد وارتفاع مستوى الأسعار. وهذا كله مرتبط بالعامل الأول وهو إنهاء الحرب التي يشنها النظام على الشعب السوري.
على الرغم من صعوبة إيجاد حلول سريعة لعمالة الأطفال في الداخل السوري. إلا أنه من الممكن الحد منها عبر برامج التوعية وإعادة فتح المدارس وتوفير التعليم للأطفال بشكل مجاني. مع توفير شبكة دعم اجتماعي للأسر تساعدها على تأمين حاجاتها الأساسية. ومن الممكن إدخال بعض الصيغ القانونية الملزمة وصياغة نظم رقابة عمالة الأطفال.
في النهاية يعتبر الأطفال المستقبل المشرق لسوريا. لذلك يجب حمايتهم من أي أخطار. وينبغي أن يعطوا الرعاية المناسبة والحصول على التعليم. وبدون التعليم ستنتشر الأمية ويسود الجهل. وبطريقة أخرى إن حماية الأطفال تعني حماية المستقبل.
المصدر : ترندز للدراسات الإقتصادية