ما حجم الاستثمار الزراعي في الشمال السوري؟
في الحقيقة لقد أثّرت الحرب السورية على جميع مناحي الحياة وكافة القطاعات الاقتصادية في البلاد. ولم يكن القطاع الزراعي بمنأى عن الأضرار الكبيرة التي لحقت بالاقتصاد. حيث تراجع مردود المحاصيل الزراعية في الشمال السوري خلال سنوات الحرب بشكل كبير. وعلى الرغم من الصعوبات التي تواجه القطاع الزراعي يبقى من القطاعات المهمة التي يجب التركيز عليها في الاستثمار في الشمال السوري. والسؤال هنا: ما حجم الاستثمار الزراعي في الشمال السوري؟
ما أهمية الاستثمار الزراعي؟
تشير دراسات منظمة الفاو ومنظمة العمل الدولية إلى أن الزراعة والإنتاج الغذائي توفر 40% من إجمالي فرص العمل على مستوى العالم. بالإضافة إلى 10% من إجمالي الإنفاق الاستهلاكي بما يقدر بـ5 تريليونات دولار سنوياً في عام 2019. وفي ضوء الزيادة المستمرة في تعداد سكان العالم -والذي يتوقع أن يصل إلى 9.7 مليار نسمة بحلول عام 2050- سيشكّل القطاع الزراعي اهتماماً عالمياً وفرصاً استثمارية واعدة.
بصفة عامة طالما احتل القطاع الزراعي في سوريا اهتماماً بالغاً عبر التاريخ القديم والحديث. حيث قُدر عدد العاملين بهذا القطاع بحدود 17-35%. وقُدرت خسائره بأكثر من 16 مليار دولار حسب تقرير الفاو عام 2019. ويشكل هذا القطاع فرصًا مهمة للاستثمارات المستقبلية في شِقّيْهِ النباتي والحيواني.
من جهة أخرى يعرّف الاستثمار الزراعي بأنه دمج عوامل الإنتاج المتوافرة في الزراعة (الأرض العمل رأس المال). ومن ثَم تشغيلها لأجل إنتاج مواد زراعية لسد حاجيات المستهلكين وللحصول على أفضل النتائج الممكنة.
لماذا تراجع الاستثمار الزراعي في الشمال السوري؟
في الواقع تراجع الاستثمار في القطاع الزراعي في الشمال السوري خلال الأزمة الراهنة. ويعود سبب هذا التراجع للعديد من الأسباب والتي من أهمها تقلّص المساحات المزروعة بعد عام 2019. وارتفاع تكاليف الإنتاج والمستلزمات التي يحتاجها المزارعون. بالإضافة إلى نزوح المزارعين من عدة مناطق وارتفاع تكاليف النقل وتلوث التربة والحرائق .. إلخ.
ومن جانب آخر يشكل التنوع الزراعي عاملاً مهماً وجاذباً للاستثمار في الشمال السوري. وتحتل الأشجار المثمرة مساحات كبيرة. ومن أهم محاصيلها (الزيتون والفستق الحلبي والتين). بالإضافة إلى الأهمية الكبيرة لزراعة الحبوب (القمح والشعير والبقوليات المتنوعة). علاوةً على زراعة الخضراوات بأنواعها المتنوعة.
في الواقع تُعد الزراعة مصدر الدخل الأساسي لأكثر من 70% مِن سكان الشمال السوري. ولها الدور الأكبر في الأمن الغذائي وتحقيق الاكتفاء الذاتي من المواد الغذائية الأساسية. إضافة إلى توفير فرص العمل والحصول على القطع الأجنبي من خلال عمليات التصدير.. إلخ. وهنا تكمن أهمية الاستثمار في القطاع الزراعي في الشمال السوري.
في الحقيقة لا بد من النظر بإيجابية لاستثمارات بعض النازحين في الشمال السوري. فمن جهة قاموا باستئجار الأراضي والعمل على زراعتها. ومن جهة أخرى أكثر أهمية تم استثمار واستصلاح الأراضي الزراعية المشاع (السهلية والجبلية). من أجل إنتاج محاصيل متنوّعة من أهمها القمح والشعير.
وفي الوقت نفسه توسّع الاستثمار الزراعي في البيوت البلاستيكية في مناطق الشمال السوري والأنفاق البلاستيكية خلال السنوات الماضية. كما دفع ارتفاع التكاليف المزارعين للتوجه لتقليل التكاليف واعتماد طرق قديمة مثل الحصاد اليدوي واستخدام الحيوانات في الحراثة. وهي تجربة جديدة أثبتت نجاحها في تعويض النقص الزراعي وتسريع وتيرة الإنتاج.
لقد ساهمت الحكومة التركية في دعم الاستثمارات الزراعية في الشمال السوري من عدة جهات. حيث قامت بتوزيع البذار وتشجيع المزارعين على الزراعة والاستثمار من جانب. ومن جانب آخر تم إعفاء المنتجات الزراعية من رسوم التصدير وفتح الأسواق التركية وتسهيل تصدير المنتجات الزراعية لدول أخرى. ومن أبرز المنتجات الزراعية التي يتم تصديرها: الفستق الحلبي وزيت الزيتون والبقوليات والكمون والحبة السوداء.. إلخ.
كيف يتم تشجيع الاستثمار في قطاع الزراعة؟
في الحقيقة تتّصف الاستثمارات الزراعية بالشمال السوري بكونها استثمارات فردية أو عائلية. في ظل غياب استثمارات الشركات الكبرى في مجال الزراعة. ومن جهة أخرى يمكن إدراجها تحت بند المشاريع الاستثمارية الصغيرة أو المتناهية الصغر. وهنا تأتي أهمية برامج التمكين الاقتصادي في دعم هذا القطاع وإعطائه أولوية لما له من آثار اقتصادية حالية ومستقبلية.
وعلى الرغم من الصعوبات العديدة التي تواجه الاستثمار في قطاع الزراعة. إلا أن هذا القطاع يشكل فرصة استثمارية مهمة للشمال السوري بشكل خاص. بسبب أهميته في توفير المواد الغذائية وتأمين فرص العمل والحد من البطالة والفقر. بالإضافة إلى ودعم الصناعات بالمواد الأولية.
كما يتطلب تشجيع الاستثمار به مجموعة من المعطيات. تبدأ بالعمل على تأمين مستلزمات الإنتاج بأسعار مقبولة. علاوةً على وضع الخطط لاستثمار كافة الأراضي الزراعية غير المزروعة. زيادةً على تشجيع تصدير الفائض عن حاجة السوق المحلية. بالإضافة إلى منح تسهيلات استثمارية وإعفاءات من الرسوم والضرائب، وتنظيم العمل الزراعي.
في النهاية يُعد القطاع الزراعي من القطاعات المهمة في الشمال السوري التي يجب التركيز عليه ودعم الاستثمار به. وذلك لما له من آثار ايجابية متعددة على المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية. من هنا لا بد من العمل على تذليل صعوبات الاستثمار وتوفير التمويل اللازم للمشاريع الصغيرة والمتوسطة الاستثمارية في مجال القطاع الزراعي. حتى ستنعكس إيجاباً على الواقع المعيشي للمواطنين في الشمال السوري.
المصدر : ترندز للدراسات الإقتصادية