دراسات

لماذا يعيش المتطوعون فترة أطول؟

أتطوع مرة كل شهر في مركز وجبات للمساعدة في تقديم الطعام للأشخاص المُحتاجين. ويُعد تحضير وتقديم العشاء نشاطاً جماعياً مجهداً ولكن ممتع في نفس الوقت ويشارك فيه من خمسة إلى ستة أشخاص، ويُنظمه شخصان كريمان. وعلى الرغم من أن لديَّ العديد من الأشياء الأخرى التي يجب عليَّ فعلها، فإنَّني أتطلع حقاً للقاء وخدمة القائمين على الأمر، حتى لو كان لفترة وجيزة.

على الرغم من أن حافزي يأتي من الرغبة في مساعدة الآخرين والشعور بالامتنان لما منّ الله به عليّ، فإنَّ الشعور بالسعادة هو ما يجعلني أعود للتطوع عندما أكون مشغولاً للغاية. لقد لاحظت ذلك لأول مرة منذ فترة: في نهاية فترة عملنا، بعد أن نظفنا المطبخ وغرفة الطعام، كنت أشعر بأن روحي خفيفة، وكان يراودني شعور بالرضا وإعادة الاتصال بالغاية. كان شعوراً جيداً فحسب.

صاغ ألن لوكس هذا الشعور بأنَّه «نشوة المُساعد»، وهو الشعور بالنشوة التي يمكن أن تتعرض لها بعد وقت قصير من مساعدة شخصٍ آخر. حدد لوكس مرحلتين؛ الأولى تميزت بهذا المزاج البهيج والسعيد، والثانية تميزت بالشعور بالهدوء لفترة طويلة. وقد لوحظ حدوث أكبر تأثير (الانتشاء) عند مساعدة الغرباء.

قبل بضع سنوات، بينما كنت أبحث عن مدى تأثير اللطف على الصحة، علمت أن التطوع مُرتبط بانخفاض خطر الوفاة بشكلٍ ملحوظ. اعتماداً على الدراسة، تراوحت معدلات انخفاض الوفيات بين حوالي 20٪ و60٪. وتُعد هذه مُعدلات ضخمة. مثال جيد على ذلك هو بداية التعرف على مياه الشرب النظيفة. بعد إدخال ترشيح واستخدام الكلور في المياه في أوائل القرن العشرين، انخفضت معدلات الوفيات الناجمة عن المياه الملوثة بنسبة تتراوح بين 15٪ و20٪.

تأتي الملاحظات المُتعلقة بالتطوع من الدراسات الوبائية التي يُجرى فيها متابعة السكان لفترة زمنية طويلة. وهي معقدة من حيث إنَّ الناس يعيشون حياتهم وهناك الكثير مما يسمى «المتغيرات المُربكة» – أشياء مختلفة تحدث في نفس الوقت. على سبيل المثال، الناس يتزوجون أو يُطلقون، يحصلون على وظائف أو يفقدونها، أو ربما يقلعون عن التدخين، أو ربما يأكلون ويمارسون الرياضة بشكلٍ أفضل. في دراسات مثل هذه، قد يكون من الصعب فرز السبب والنتيجة. فربما يكون السبب وراء أن الأشخاص الذين يتطوعون يعيشون أطول؛ لأنَّهم أكثر صحة وقدرة على التطوع. وربما لديهم موارد مالية (لا يتعين عليهم العمل في وظيفتين) تتيح لهم أن يكون لديهم وقت فراغ يتطوعون فيه.

يمكن للعلماء أن يحاولوا ضبط أحداث الحياة المختلفة هذه – باتساق معقول، وتشير الدراسات عموماً إلى أن آثار التطوع تبقى بعد هذه التعديلات. إنَّ متابعتها بمرور الوقت تدعم فكرة أنَّ العمل التطوعي يُقلل حالات الوفاة. وجدت دراسة أوروبية حديثة وكبيرة أنَّ الدرجات التي يُقيَّم بها الناس صحتهم كانت أفضل بكثير لدى المتطوعين بالمقارنة مع غير المتطوعين، والفرق في الدرجات يُعادل حوالي خمس سنوات من الشيخوخة.

كيف يمكن أن يُسبب التطوع انخفاضاً في معدلات الموت؟ يوجد العديد من العوامل؛ الأول، والأكثر أهمية على الأرجح، هو المزاج المُشرق، وهذا يعني نسبة توتر أقل. قدمت العديد من الدراسات أدلة على أن التطوع مُفيد للاكتئاب، والسعادة، والعلاقات الاجتماعية، بالإضافة إلى تأثيرات أخرى. وهذا يتوافق تماماً مع ملاحظات لوكس وخبرتي المُصغرة. ثانياً، يبذل الأشخاص الذين يتطوعون بانتظام مزيداً من الجهد ليعتنوا بأنفسهم، كما هو واضح من الزيارات للطبيب للحصول على الرعاية الصحية الوقائية. وربما يتلقون اللوم من قِبَل الأشخاص القريبين منهم على القيام بذلك.

وأخيراً، قد يكون الأشخاص الذين يتطوعون نشطاء بدنياً أكثر، كما يتضح من تجربة بالتيمور للأجساد (Baltimore Experience Corps Trial)، وهي دراسة عن تأثير التطوع لدى كبار السن. في تلك الدراسة، كان لدى النساء (وليس الرجال) زيادة كبيرة في المشي كل يوم مقارنةً بأولئك الذين لم يتطوعوا.

لمحاولة ربط ذلك معاً، من المحتمل أن يُمارس التطوع آثاره الإيجابية على الصحة من خلال ربط الناس بالآخرين وكذلك بنشاط يجدونه ذا معنى ومغزى. يُعد تحقيق الاتصال، والغاية، والمغزى أمراً ضرورياً للتخفيف من ضغوطات الحياة – ولا سيما الشعور بالوحدة؛ نظراً لأنَّ التوتر سبب رئيسي للمرض، خاصةً أمراض القلب، فإن القدرة على التغلب على الحاجة إلى الاتصال، والغاية، والمغزى يمكن أن تُحدث تغييرات مفيدة وصحية للأشخاص . وعندما يكون هناك غاية، ونكون على اتصال مع الآخرين، فإنَّنا نعتني بأنفسنا.

ولقد سمع معظم الناس الحكمة القديمة التي تقول إنَّ المانح يحصل على فوائد أكثر من المتلقي. ومن الأمثال التي تُشير إلى النقطة مثل يقول: «رجل كريم سوف يزدهر، من ينعش الآخرين سوف ينتعش». إذا نظرنا إلى هذا من منظور مادي فقط، فمن الصعب فهم هذا المفهوم. ولكن إذا نظرنا إليها من منظور روحي وحالياً من منظور بيولوجي، فسيبدو أمراً منطقياً تماماً. منذ سنوات عديدة، فهم أسلافنا هذه النقطة دون التقنيات العلمية الحديثة.

يتطوع حوالي 25٪ من سكان الولايات المتحدة. ما تظن سيحدث إذا تمكنا من زيادة هذه النسبة؟

إذا كنتَ لا تستطيع التطوع في الوقت الحالي ولكنك ترغب في ذلك الشعور الجيد، جرّب النظر إلى صور اللطف، والرحمة، والمحبة، أو اخرج والتقط صوراً لها، نحن نعلم أنَّه حتى مجرد رؤية اللطف سيمنحك هذا الشعور.

ديفيد فرايبيرغ – طبيب وعالم

2019-06-19

المصدر: عربي بوست

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى