سوريون بلا وثائق وأجانب بوثائق سورية!
انتهت اجتماعات اللجنة الدستورية ضمن الجولة الرابعة في الرابع من شهر ديسمبر/كانون الأول الجاري دون تحقيق تقدم يذكر بشأن تعديل الدستور أو مواد بعينها، إلا أن ما يميز الجولة الأخيرة تركيز وفد النظام على ملف اللاجئين بعيدا عن الهدف الأساسي الذي تكونت من أجله اللجنة الدستورية، إضافة لتصريح المبعوث الخاص لسوريا غير بيدرسن في 29 من الشهر الفائت أن الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في سوريا ستكون عقب إنجاز اللجنة الدستورية لدستور جديد لسوريا دون ذكر سقف زمني لذلك.
حديث بيدرسن عن الانتخابات دون ذكر الآلية لتلك الانتخابات، أثار مخاوف شريحة كبيرة من السوريين لا سيما بآلية إشراك السوريين الفاقدين للوثائق الشخصية وأحقيتهم بالاشتراك بالعملية الانتخابية، في حين جنست حكومة الأسد أعدادا كبيرة من الأجانب في سوريا ليصبحوا بحكم المواطنين الموالين للأسد.
فقدان الوثائق
بحكم سنوات الحرب الطويلة وعمليات القصف الممنهج من قوات النظام وروسيا وموجات النزوح والتشريد، فقد آلاف السوريين وثائقهم الشخصية التي تعرض بعضها للتلف بسبب القصف أو بقيت حبيسة تحت رماد المباني التي أسقطتها القاذفات الجوية الروسية، في حين أن عشر سنوات من الحرب كانت كفيلة ببلوغ مئات آلاف الشباب السوريين السن القانونية للمشاركة بأي عملية انتخابية، إلا أنهم لازالوا بحكم مكتومي القيد بسبب عدم تمكنهم من الحصول على الوثائق الشخصية من دوائر السجل المدني الواقعة ضمن مناطق سيطرة الأسد والتي تعمل ميليشياته على اعتقال السوريين والتفنن بتعذيبهم على حواجزها، مما شكل عائقا صعبا من حصول السوريين في الشمال السوري على وثائقهم الشخصية، إضافة إلى إضاعة قسم كبير من اللاجئين السوريين لوثائقهم الشخصية على طريق اللجوء الأمر الذي سيؤدي بمجمله إلى فقدان حق تلك الشرائح جميعا لحقهم في العملية الانتخابية المرغوبة في الأمد البعيد وضمن بيئة محايدة وآمنة، بحسب وصف المبعوث الأممي إلى سوريا.
تجنيس الآلاف
يأتي هذا بالتزامن مع منح حكومة النظام الجنسية السورية لآلاف العناصر الأجانب العاملين ضمن الميليشيات الداعمة للأسد سيما الإيرانية منها والعراقية والأفغانية، والتي كشفت تقارير حقوقية أن نظام الأسد منح هؤلاء العناصر وعائلاتهم الجنسية السورية التي تمكنهم من ممارسة الحياة السياسية والانتخابية والحصول على كل ميزات المواطن السوري، في ظل عملية التغيير الديمغرافي والمجتمع المتجانس الذي تكلم عنه رأس النظام مرارا، ليكون هؤلاء العناصر الأجانب ضمانا كبيرا وأصواتا لا تحصى لبشار الاسد في حال فرضت الأمم المتحدة رقابتها الصارمة على أي عملية انتخابية مستقبلا.
ومنذ العام 2018 كشف الصحفي اللبناني أحمد عياش الكاتب في صحيفة “النهار” عن قضية بالغة الخطورة يجري تدبيرها في سوريا، على يد النظام وحليفه الإيراني والمليشيات التابعة له.
ونقل عياش حينها عن أوساط دبلوماسية -لم يكشفها- أن “بشار الأسد منح نحو مليوني بطاقة هوية لإيرانيين ولأفراد في المليشيات المنضوية في فيلق القدس المنبثق من الحرس الثوري وعائلاتهم، وفي طليعتهم حزب الله”، بحسب ما نقل موقع “الخليج أونلاين”.
وأضاف “لا يقتصر الأمر على منح بطاقات الهوية السورية لهؤلاء، بل تعداه إلى تسهيل إقامتهم في المناطق التي خلت من سكانها الأصليين في غوطة دمشق وريفها وحمص وحماة وحلب”.
وفي سياق متصل، كشفت وسائل اعلامية الستار عن مستندات مسربة من داخل شعبة المخابرات العامة تحمل رقم 59954، تاريخ 17 نوفمبر/ تشرين الثاني 2018، تضم جدولا لأسماء عناصر من ميليشيات إيرانية بوثيقة موجهة لوزير داخلية النظام، يطلب منه مدير شعبة المخابرات إدراج الأسماء الموضحة في الجدول ضمن قيود السجل المدني مع إخباره بالرقم الوطني والقيد والخانة.
وكشفت الوثيقة عن رغبة النظام السوري في منح الجنسية لمقاتلين إيرانيين، وتوطين إيرانيين في مناطق السنة بهدف إحداث تغيير ديمغرافي، وفق معلومات مستندة إلى وثائق رسمية.
تفعيل دوائر السجل المدني
وللبحث في ملف فقدان السوريين لوثائقهم الرسمية وأحقيتهم بالمشاركة في أي انتخابات مستقبلية ومسألة تجنيس الأجانب من قبل النظام، أجرى مراسل بلدي نيوز اتصالا مع الدكتور هادي البحرة الرئيس المشترك للجنة الدستورية، والذي قال إن معاناة السوريين بخصوص الوثائق الشخصية من أهم القضايا المرتبطة بحقوقهم الإنسانية والقانونية، التي يتوجب حلها بأسرع وقت ممكن لضمان تمتعهم بتلك الحقوق.
وأضاف البحرة، أن الحكومة السورية المؤقتة عملت على مشروع لتفعيل دوائر السجل المدني في عدة مناطق كما عملت عدة مجالس محلية في مناطق أخرى على تفعيل تلك الدوائر، وفي مناطق أخرى قامت قوى الأمر الواقع بالإجراءات ذاتها، إلا أن كل تلك الدوائر لا تعمل وفق نظم موحدة، ولا يوجد قواعد بيانات إلكترونية مشتركة مركزية تجمعها.
ونوه البحرة، أنه من شروط أي انتخابات حرة ونزيهة وتحت إشراف وإدارة الأمم المتحدة في سوريا المستقبل أن يشارك فيها كل السوريات والسوريين في داخل وخارج سوريا بما فيهم اللاجئين والنازحين، هذا ولدى برامج الأمم المتحدة خبرة واسعة في ذلك المجال في عدة بلدان مرت بحروب أو نزاعات، لذلك يقع على عاتق هذه المؤسسات الأممية تقديم هذه الخدمات بشكل موثوق، والبدء بها بالتعاون مع هيئة الحكم الانتقالي فور تحقق الاتفاق السياسي لبدء تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم ٢٢٥٤، كما يمكن البدء فيها بالنسبة للاجئين قبل ذلك. كما يتوجب أن يكفل دستور سوريا المنشود الذي سيتم الاستفتاء عليه بعد تحقيق البيئة الآمنة والمحايدة حقوق المواطنين والمواطنات المؤهلين في الانتخاب والترشح، كما يتوجب سن قوانين تقتضي إعادة دراسة كافة ملفات التجنيس اعتبارا من العام ٢٠١١ وما بعد، ولا بد من إتمام السجلات المدنية وتوثيق سجلات الناخبين قبل إجراء أي عمليات انتخابية وهذا الإجراء هو أحد مكونات البيئة الآمنة والمحايدة التي يتوجب أن تحققها هيئة الحكم الانتقالي.
نصف السوريين من النازحين واللاجئين
من جانبه، يقول الباحث والضابط المنشق عن شعبة الأمن السياسي عبدالله النجار، إنها إحدى أهم المشكلات التي يجب حلها قبل الحديث عن أية انتخابات يمكن إجراؤها في سوريا، وإلا فإن نصف الشعب السوري جله من النازحين والمهجرين، وأبنائهم الذين بلغوا سن الرشد خلال الأزمة لن يتمكنوا من المشاركة في أية انتخابات، وهي مشكلة لا يعاني منها النظام ولا من يؤيده حيث بإمكانهم الحصول على هذه الوثائق من أمانات السجل المدني ودوائر الهجرة الموجودة في مناطق سيطرة النظام.
وأضاف أنه ومن أجل حل هذه المعضلة لابد من تضافر جهود وزارتي العدل و الداخلية في الحكومة السورية المؤقتة من أجل تشكيل أمانات للسجل المدني وفق الأصول المعترف بها قانونا، يقوم عليها أشخاص محلفون، وتتبع الإجراءات القضائية الواردة في قانون الأحوال الشخصية من حيث إثبات النسب وقانون الأحوال المدنية من حيث إثبات واقعات الولادة والوفاة، ومن ثم إصدار وثائق مدنية للنازحين.
أما بالنسبة للاجئين؛ يقول “النجار”، إن القانون السوري يعترف بالواقعات المسجلة في الدول التي يتواجد فيها السوريون وهو ما يمكن الاستناد إليه من أجل منحهم الوثائق المدنية.
ويضيف “إن عملية إصدار الوثائق هي مهمة حكومية لا يمكن أن تقوم بها جهات مدنية مستقلة، ولذلك نقول إنها مهمة الحكومة السورية المؤقتة، وإن أي حديث عن إجراء انتخابات في سوريا يجب أن يسبقه حلّ ملف الوثائق الشخصية والانتخابية ليكون بحوزة كل السوريين وثائق صالحة لممارسة هذا الحق”.
مشاكل جمة
وعن الاجراءات القانونية الواجب العمل عليها ضمن ملف الوثائق الشخصية والتجنيس، يؤكد القانوني الاستاذ عبد الناصر حوشان، أن الأصل في العمليات الانتخابية فهو ضرب من المحال لأن الأصل في الدول التي شهدت نزاعات وحروب وثورات لا يمكن أن تقوم إلا بعد انتهاء الحروب والتخلص من الانظمة القائمة ليؤول الحكم إلى هيئة حكم انتقالي التي من الممكن أن تكون نواة الحياة السياسية والدستورية لإعداد دستور يتم الاستفتاء عليه شعبيا بعد إقرار قانون الانتخاب.
ويضيف حوشان، “يواجه السوريون اليوم مشاكل جمة في ظل الحرب، مشكلة المفقودين مجهولي المصير الذين لا يمكن معرفة مصيرهم إن كانوا ضمن معتقلات النظام أو مخطوفين لجهات أخرى، إضافة للشهداء الذين قضوا خلال سنوات الحرب والذين لازالوا أحياء ضمن دوائر السجل المدني، إضافة للمعتقلين الذين نفقد بياناتهم سواء من خرج منهم أو من قتله النظام في معتقلاته وهذه الشريحة تشكل أعدادا كبيرة وضخمة”.
ويشير القانون حوشان إلى أن القصف واللجوء والنزوح، دمر منازل السوريين وممتلكاتهم الشخصية بما في ذلك وثائقهم الشخصية، والكثير من النازحين لا يملكون وثائق حتى أثناء اللجوء إلى أوروبا… الكثير من السوريين فقدوا وثائقهم الشخصية كذلك مشكلة مكتومي القيد الذين ولدوا خارج البلد أو في الشمال السوري مما يحتم تسوية تلك المشاكل القانونية الصعبة نوعا ما والواجب من هيئة الحكم الانتقالي حلها قبل الكلام عن الانتخابات.
ويضيف أن “مؤسسات الثورة بمختلف مسمياتها وعلى مدى السنوات الماضية لا تتمتع بالاعتراف القانوني الذي يخولها إصدار شهادات قيد نفوس أو تسجيل حالات وفاة أو أي واقعة ووثيقة شخصية معترف فيها أمام الدول والمجتمع الدولي، سيما أن مؤسسات الثورة لا تحمل الاعتراف الدولي أو الدستوري الذي يمكنها من إصدار تلك الوثائق”.
ويستطرد حوشان بالقول، إن “إيران وروسيا والنظام عملوا خلال السنوات الماضية على التغيير الديمغرافي من خلال تجنيس الميليشيات الأجنبية الموالية للنظام بموجب قانون صريح، وقانون التجنيس الأخير عمل على تجنيس أشخاص مجهولين، في حين أن القانون صدر لمكتومي قيد الحسكة والرقة الذين لم يتم حل مشكلتهم لليوم في حين توجه القانون والاستفادة منه لتجنيس عناصر أجانب موالين لقواته”.
ويقول حوشان أن “المجتمع الدولي لليوم لا يعترف الا بحكومة الأسد ودوائرها هي المخول الوحيد بإصدار الوثائق الشخصية للسوريين وعلى الرغم من إصدار مؤسسات الثورة للوثائق المختلفة إلا أنها غير معترف فيها إلا في داخل سوريا سيما أن نظام الاسد لليوم موجود ضمن الامم المتحدة”.
ويضيف “من هنا يجب السعي لحل مشكلات الوثائق الشخصية والتجنيس قبل المضي بأي عملية انتخابية في سوريا، لأن نظام الأسد يتصف بالخبث واستغلال كافة الملفات للاستمرار بالحكم”.
منظمات تشتكي
وكانت منظمات مدنية سورية تقدمت في تشرين من العام الجاري بشكوى إلى ثلاثة من المقررين الخاصين في الأمم المتحدة، حول فقدان كثير من السوريين لأوراقهم الثبوتية جراء الحرب الدائرة في البلاد منذ نحو عشر سنوات، وما نجم عن ذلك من تبعات.
وطالبت الشكوى الجهات السياسية المعنية، وفي مقدمتهم الأمم المتحدة وحكومة النظام السوري، بمعالجة مشكلة فقدان الأوراق الثبوتية، واتخاذ خطوات فعلية كفيلة بإيجاد حل للصعوبات التي يواجهها النازحون السوريون جراء ذلك.
وبيّنت المنظمات أن عمليات القصف العشوائي التي طالت أهدافًا مدنية في العديد من المحافظات السورية، أجبرت نحو سبعة ملايين سوري على النزوح داخليًا من مناطقهم حتى الآن، مشيرة إلى أن كثيرًا منهم لا يمتلكون أوراقًا مدنية مثل بطاقة الهوية الشخصية، ودفتر العائلة، وشهادتي الولادة والوفاة، وقد شكلت مصادرة هذه الوثائق من قبل الحواجز الأمنية والعسكرية أحد أهم عوامل فقدانها.
وإلى جانب ذلك، يؤدي فقدان الوثائق إلى حرمان أصحابها من حقوق السكن والأراضي والملكية، والحق في حرية التنقل، والمشاركة في الحياة السياسية، فضلًا عن تلقي المساعدات الإنسانية
المصدر : بلدي نيوز