رغم ضيق الحال.. سكبة رمضان حاضرة في مخيمات إدلب
حينما وقف الطفل سراج شيخو وهو نازح من جنوبي حلب، أمام الكاميرا وبين يديه صحن “تبولة”، أراد أن يظهر جمال وزينة هذه السكبة الرمضانية الملونة بألوان الخضار والبرغل، لكن ما ظهر بشكل أوضح هو البُعد الإنساني الذي يعكس متانة الرابطة الاجتماعية بين سكان مخيمات النزوح رغم ضيق الحال ومرارة العيش.
الطفل سراج، كان في طريقه لإيصال سكبة رمضانية في أول يوم من شهر رمضان، إلى جيرانهم في مخيم العمرين قرب بلدة كللي شمالي إدلب.
وعلى عجالة يحاول “سراج” قبل دقائق من أذان المغرب أن يوصل ما حضّرته والدته إلى جيرانها، من سكبات رمضانية وأطعمة.
ولم يمنع تردي الواقع المعيشي وارتفاع الأسعار، وكذلك تشتت جمع العائلات والأقارب بين مناطق ومخيمات مختلفة، من استمرار إحدى عادات شهر رمضان لدى السوريين في تبادل طبق رمضان أو ما يعرف محلياً بـ”سكبة رمضان”.
عادات ودعم للأسر الفقيرة
إبراهيم شيخو، والد الطفل يقول لموقع تلفزيون سوريا، إنّ عادة تبادل الأطباق متوارثة جيلاً بعد جيل، وطقس أساسي يشعرك بلذة رمضان وقدومه، وبقيت مستمرة حتى بعد النزوح والتهجير.
يعتبر “شيخو” أن تغير الأحوال وظروف الإقامة، ليست سبباً للتخلي عن عادات وتقاليد شبّوا عليها، بيدَ أنّ في توزيع سكبة رمضان “كسباً للأجر يطمع به في هذا الشهر الفضيل”.
ويشير في حديثه إلى أنّ عدداً كبيراً من سكّان المخيمات، يعيشون تحت خط الفقر وتذكرهم بأطباق رمضان بعد صيام يومٍ طويل، واجب إنساني للتضامن معهم ومساندتهم، وخاصةً أنّ بعض العائلات تتمتع بوضع معيشي أفضل من غيرها وقادرة على مساندة غيرها ولو بطبق رمضاني
يقول الشاب “ياسين” من قاطني المخيم، لموقع تلفزيون سوريا: إنّ السكبة الرمضانية تحمل جانباً إنسانياً ووجدانياً، فهي تزيد المحبة والتعارف وخاصةً أنّ المخيم بات يضم عائلات من مناطق مختلفة ولم تكن على معرفة ببعضها البعض.
ويضيف: “أيضاً هي رمزية للتضامن بين عائلة ميسورة وأخرى فقيرة، أو حتى بين العوائل الفقيرة، لكن هي بطبيعة الحال لفتة إنسانية تدل على استمرارية العيش والحياة رغم معاناة التهجير والبعد عن الأرض والدار”.
سكبة خجولة
يمكن ملاحظة تواضع الطبق الرمضاني ـ كمّاً ونوعاً ـ المتنقّل بين الخيام خلال الدقائق الأخيرة من الصيام، وهي حالة طبيعية تنمّ عن ضيق الحال المعيشي وتردي الواقع الاقتصادي في ظل انتشار البطالة وارتفاع الأسعار وشبه انقطاع الدعم الإغاثي وحرمان كثيرين من سكان المخيم من فرص عملهم السابقة.
“أبو إبراهيم” من سكان مخيم معاذ بن جبل في بلدة حزانو شمالي إدلب، يوضح أنّ عادة سكبة رمضان تأثرت بشكل جلي في الواقع المعيشي الصعب الذي يضرب أغلب الأسر النازحة.
يقول أبو إبراهيم، المهجر من جنوب حلب أيضاً: “من الممكن أن نتبادل الطبق الرمضاني مرة في الأسبوع أو مرتين، وأحياناً لا نتبادل على الإطلاق، بحسب الظرف والحال وكمية الطبخة وبحال كانت الطبخة متواضعة وقليلة تكون السكبة قليلة على قدّ الحال”.
أمّا السيدة “خاتون المحمد” مهجرة من ريف سراقب شرق إدلب، تقول إنّ الخيمة غير قادرة على عزل رائحة الطعام خلال الطبخ، ما يجعل الرائحة تفوح في أرجاء المخيم، ويصبح طبق اليوم معروفاً لدى جميع جاراتها، فتفضل أن ترسل لهم ما تيسير لها.
وتوضح أنّ السكبة ليست يومية، لكن في أغلب الأحيان تكون تبادلية، حينما تبادر هي أو إحدى جارتها بإرسال سكبة، تردّ الأخرى بسكبة.
يختلف الحال قليلاً لدى “أم أحمد” المهجّرة من قرية أم هواش بريف حماة والمقيمة في مخيم الكرم قرب بلدة كفريحمول، تقول إنها توقفت عن عادة السكبة الرمضانية، فجميع عوائل المخيم تقريباً تطبخ إما رزاً أو برغلاً من المساعدات الإنسانية المقدمة، فالأطباق متشابهة ولا داعي لتبادلها.
وتشير إلى أن النزوح وفقدانهم لأرزاقهم المتروكة في قريتهم، حرمهم من الاستمرار في هذه العادة، التي كانت حاضرة بقوة سابقاً قبل أن يصلوا المخيم ويتركوا مصدر عيشهم هناك، وهي آسفة لذلك.
وتجتاح مع دخول شهر رمضان، موجة غلاء في الأسعار يشتكي على إثرها سكان محافظة إدلب، وخاصة الخضار واللحوم بأنواعها، وهو ما ينعكس سلباً على الطبق الرمضاني وسكبات رمضان التي يحاول الأهالي ما استطاعوا من خلالها الحفاظ على ما تبقى لهم من عادات وتقاليد وذكريات قبل تهجيرهم.
المصدر : تلفزيون سوريا