حبوب قاتلة تخطف أرواح الأطفال والمراهقين في إدلب
لم يعد خبر الانتحار غريباً في الشمال السوري، لكن الخطير أن ما يقارب نصف حالات الانتحار تمت من خلال تناول حبة الغاز، ولا سيما أنّ الفئة الأكبر من الحالات تعود لأطفال أو مراهقين، كما حصل مع الطفلة “ك. ج” ذات الاثني عشر عاماً، والتي ماتت بعد تناولها حبة غاز قبل عدة أيام في ريف إدلب.
وحبة الغاز اسم متداول لأقراص فوسفيد الألمنيوم تستخدم كمبيد للحشرات والقوارض، ويستخدمه التجار في حفظ مخزون الحبوب من الحشرات والقوارض، وكذلك الأهالي لحفظ حبوب المؤونة ومنع التسوس وانتشار الحشرات داخلها.
وبمجرد إخراج قرص الغاز من كبسولته وتفاعله مع الهواء أو البيئة الرطبة، يطلق غاز الفوسفين السام (PH3)، ولذلك يرتدي عمال التخزين في أثناء وضع حبوب الغاز أقنعة لتفادي ضرره الكبير والمباشر على العيون والرئتين.
القصة كما رواها الوالد
حصل موقع تلفزيون سوريا على عدّة صوتيات متداولة لوالد الطفلة يتحدّث من خلالها عمّا حصل مع ابنته وكيف حصلت على حبة الغاز، وكشف أن مجموعة من صديقات ابنته حضرن العزاء، أقر بعضهنّ بأنهن كن يفكرن أيضاً بتناولها، حتى إن إحداهن اشترت أيضاً حبة غاز لكنها لم تتناولها.
ويقول والد الطفلة “ك. ج” (12 عاماً) إن ابنته وبعد خروجها من أحد الامتحانات في المدرسة، سألت صديقتها عن مكان بيع هذه الحبوب بحجة أن والدتها أوصتها بذلك من أجل وضعها لحفظ المؤونة، وبالفعل توجّهت للصيدلية الزراعية في المنطقة واشترت حبّتي غاز، وتناولت واحدة منهما، من ثمّ أخبرتهم بذلك، لكنها فارقت الحياة قبل الوصول إلى المستشفى.
ولاحظ الأب أن ابنته كانت قد بحثت في “غوغل” قبل وفاتها عن “حبة الغاز” ونتائج استخدامها، مع العلم أن استخدامها للجوال كان من أجل التعلّم فقط ومتابعة دروسها.
صفح والد الطفلة “ك. ج” عن صاحب الصيدلية الزراعية، لكنه يتمنى أن تضبط الجهات الأمنية والمسؤولة آلية بيع حبوب الغاز ضمن ضوابط محددة، ولا سيما لفئة الأطفال والطلاب، وأن يكون هناك توعية وحذر من هذا الموضوع، وأن ينتبه الجميع على أولادهم.
قاتل صامت
وقال محمد حلاج مدير فريق منسقو استجابة سوريا، لموقع تلفزيون سوريا، إن عدد حالات ومحاولات الانتحار خلال العام الفائت 2023 بلغ 81 حالة في شمال غربي سوريا، من بينها 44 حالة أدت إلى الوفاة.
وكشف الحلاج أن النسبة الأكبر من المنتحرين كانت من فئتي الأطفال والمراهقين، كما سجل الفريق 36 حالة معلقة خلال عام 2023 دون أي اعتراف بموضوع الانتحار، و88 حالة انتحار موثقة في عام 2022.
وأوضح حلاج أن ما يقارب نصف حالات الانتحار كانت من خلال تناول حبة الغاز (37 حالة)، أي ما يقارب نصف عدد الحالات التي تم إحصاؤها، حيث يلجأ إليها المنتحرون على اعتبارها الطريقة الأسهل لهم، وتداولها بشكل طبيعي دون ضبط للأمر وخاصة أنها مادة مستخدمة بكثرة للاستعمال الزراعي أو المنزلي.
ولفت إلى أن حالات ومحاولات الانتحار بدأت بالتزايد بشكل واضح وأكبر بعد عام 2019، والنزوح الذي شهدته المنطقة، وتعود معظم الأسباب والدوافع للوضع الاجتماعي أو الناحية المادية أو الخلافات العائلية.
وقال حلاج: “النقطة الأهم هو وجود أطفال بين حالات الانتحار وهذا مؤشر سلبي جدا كونهم الفئة الأضعف اجتماعياً، وبالتالي حالات الانتحار غير مرتبطة بجنس معين أو فئة عمرية”.
تُباع بضوابط
قال المدير العام للزراعة في “حكومة الإنقاذ” المهندس تمام الحمود لموقع تلفزيون سوريا، إن آلية ضبط بيع حبوب الغاز تتم بموجب التعميم رقم (15) الصادر بتاريخ 8/6/2023، حيث حصر بيعها في الصيدليات الزراعية المرخصة، مع ضرورة التدقيق الشديد للتأكد من استخدامها في عمليات التعقيم الزراعي فقط.
وشمل التعميم منع بيع حبوب الغاز لمن هم دون الـ 18 عاماً، تحت طائلة المساءلة القانونية والشرعية بحق المخالفين.
حصل موقع تلفزيون سوريا على نسخة من التعميم، ولكن من خلال إجراء جولة على المحال التجارية في إدلب، تبيّن أن بعضها لا تلتزم بالتعميم وما تزال تبيع هذه الحبوب، وقال بعضهم لموقع تلفزيون سوريا إنهم ليسوا على علم بالتعميم الصادر عن وزارة الزراعة.
وقال محمد دياب صاحب متجر في إدلب إن متجره يحوي على حبوب الغاز لأن الزبائن يطلبونها لحفظ المؤونة في فصل الصيف، وإنه قبل التعميم لا يبيعها للأطفال على الرغم من أنّ بعض الأهالي يرسلون أبناءهم لشراء هذه الحبوب من عنده.
وأضاف: “آلية البيع يحددها الجانب الأخلاقي لدى البائع ومقدار وعيه، فالبائع الواعي لا يبيعها للأطفال والمراهقين حتى لا يسبب أي ضرر لهم”.
مشكلات نفسية
أوضح الطبيب النفسي موفق عموري، أن العوامل التي تدفع فئتي الأطفال والمراهقين للانتحار هي الحرب وما يتعلق بها من بطالة وظروف معيشية سيئة ونزوح وخوف من القصف، بالإضافة بما يتعلق بالتعليم، وكذلك الاضطرابات النفسية المتعلقة بالمشكلات والخلافات العائلية.
وقال إن ظاهرة الانتحار أصبحت مقلقة للمجتمع ويتوجب الإقرار بها والبحث عن أسبابها وإيجاد الحلول لمواجهتها، ومن أبرز طرق الانتحار وأكثرها انتشارًا تكون من خلال تناول حبة الغاز على اعتبار أنها الأسهل والأسرع والأرخص ومتوافرة بمعظم المنازل لاستخدامها بتخزين المؤن.
وأضاف: على الرغم من خطورة حبة الغاز إلا أن كثيراً من الأطفال والمراهقين لا يعلمون مدى خطورتها، حيث إن كثيراً منهم يتناولونها بهدف لفت الأنظار أو التهديد دون التفكير بالانتحار بجدية، لكنها تكون مميتة حتمًا.
ويوصي الطبيب عموري بضرورة سن قوانين للحد من بيع حبة الغاز، كما يتوجب على الأهالي بأن يكونوا سنداً لأبنائهم وإلى جانبهم وعدم الضغط عليهم، وإنما رعايتهم بشكل متوازن، دون أن تؤثر العوامل الحياتية على ذلك.
المصدر: تلفزيون سوريا