اليوم العالمي للإعلام الإنمائي.. صحافة متخصصة بحاجة إلى تنمية
منصور العمري
حددت الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1972 يوم 24 من تشرين الأول/ أكتوبر من كل عام يومًا عالميًا للإعلام الإنمائي، للفت انتباه الرأي العام العالمي إلى مشاكل التنمية وأهمية نشر المعلومات وتعبئة الرأي العام، ولا سيما بين الشباب، لمزيد من الوعي بمشاكل التنمية، وتعزيز الجهود في مجال التعاون الدولي من أجل التنمية.
لا يتبع الإعلام الإنمائي عمومًا آلية الخبر المختصر أو السبق الصحفي، بل يستغرق وقتًا أطول، ويعالج المواضيع بشكل عميق مستخدمًا أدوات بحثية متطورة، ويتوخى الدقة العلمية. يمكن تعريف الإعلام التنموي أو الإنمائي أو صحافة التنمية بأنها الإعلام المتخصص في قضايا التنمية وتحدياتها كالفقر والعدالة الاقتصادية المحلية والعالمية، وتمكين القطاعات المهمشة أو المستضعفة في المجتمعات كالمرأة، والشباب، ومؤسسات المجتمع المدني المعنية، وتوفير المعلومات الاستقصائية والتحليل العلمي الدقيق لمشاكل التنمية بمختلف أشكالها الاقتصادية والاجتماعية وغيرها. كما تلعب الصحافة التنموية اليوم دورًا مهمًا مع تطور تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وتقديمها حلولًا جديدة لتحديات التنمية، وتعزيز النمو الاقتصادي والقدرة على المنافسة، والحصول على المعلومات والمعرفة ومواجهة المعلومات المضللة والبروباغندا المنحازة، والقضاء على الفقر، وضمان الإدماج الاجتماعي.
يقول جان فوردو، المدير التنفيذي لشبكة “بانوس كاريبيان” التي تعمل مع الصحفيين في العالم النامي تحت شعار “أناس حقيقيون، أصوات حقيقية”، تعني صحافة التنمية “صحافة مجتمعية تسعى لتحقيق أهداف أكبر كالعدالة الاجتماعية، وتحسين الصحة والتعليم”. أما ليز فورد محررة موقع “كاتين” التابع لمشروع صحيفة “الغارديان” لتطوير التنمية في أوغندا، فتعتبر الصحافة التنموية تجاوز الأفكار المتداولة عن الأطفال الجياع، ودفع الناس لرواية قصصهم الخاصة. تقول فورد، “نبحث في السياسات الكبيرة التي تؤثر على البلدان النامية، وننظر في كيفية تنفيذها على أرض الواقع وتأثيرها على من يفترض أن يستفيدوا منها. لذلك قد تكون لدى الحكومة الأوغندية استراتيجية للحد من الفقر، ولكن ماذا يعني هذا في الواقع بالنسبة للمواطنين”.
يسهم الإعلام التنموي في الحكم الرشيد والشفافية وعمل الأسواق والاقتصاد، كما يسهم بإحداث تغييرات مفيدة في سلوكيات الأفراد والجماعات والمنظمات، بشرط أن يمارَس هذا الإعلام في بيئة إعلامية تعددية تسودها حرية تداول المعلومات والآراء والاستقلالية، كي لا يتحول إلى أداة دعائية حكومية أو مصلحية.
قدمت منظمة “مراسلون بلا حدود” تعريفًا للتعددية الإعلامية في المشاورات العامة للاتحاد الأوروبي حول التعددية الإعلامية والديمقراطية: تعدد الأصوات والتحليلات والآراء والقضايا المعبر عنها (التعددية الداخلية)، وتعدد وسائل الإعلام وأنواع الوسائط (المطبوعة أو الإذاعية أو التلفزيونية أو الرقمية) والتعايش بين وسائل الإعلام الخاصة ووسائط الخدمة العامة (التعددية الخارجية). كما تشير “مراسلون بلا حدود” إلى أن التعددية الإعلامية ليست كافية بل يجب أن تتمتع وسائل الإعلام بالاستقلالية.
في لبنان مثلًا، تنتشر التعددية الإعلامية، ولكن وسائل الإعلام اللبنانية الرئيسة غير مستقلة بأغلبها، ومنحازة ومملوكة لأطراف سياسية.
في سوريا، ونتيجة لسيطرة الدولة على الإعلام وتداول المعلومات لعقود، وانعدام التعددية والاستقلالية الإعلامية، بقيت المواضيع التنموية المسموح بطرحها تراوح بين أشكال بدائية أو دعائية حكومية. بينما استطاع الإعلام السوري خارج سيطرة الدولة التطرق إلى عدة مواضيع تنموية وتشكيل بدايات جدية لهذا الاختصاص الصحفي.
الحرب هي أحد أشكال الأنشطة البشرية المدمرة التي لا توقف عملية التنمية وحسب، بل تدفعها بالاتجاه المعاكس. فرضت الحرب في سوريا والاستهداف المتعمد للبنى التحتية من قبل النظام السوري وحليفه الروسي تكاليف بشرية واقتصادية واجتماعية باهظة، وأصبحت سببًا رئيسًا إضافيًا لفقر السوريين، ودمرت عملية التنمية. شملت هذه التكاليف خسائر في الناتج المحلي الإجمالي والغذاء والتجارة، والمدخرات الشخصية والاستثمارات الخارجية، وفرار رؤوس الأموال، وإغفال الدولة الإنفاق على الخدمات والدعم الاجتماعي. كما فاقمت الحرب تحديات التنمية في سوريا، كالفقر، والتعليم، والمساواة، والعدالة، وتحسين صحة الطفل والأم، ومكافحة الأمراض، وتحقيق الاستدامة البيئية، وبناء شراكات عالمية، وغيرها من أهداف خطط التنمية المستدامة المتعارف عليها، التي يجب أن يتناولها الإعلام التنموي بعمق. لا يزال الإعلام التنموي السوري في بداياته الأولى، ولا بد من تطويره وتنميته ليلعب الدور المنوط به
المصدر : عنب بلدي