الدراجات النارية.. وسيلة النقل الأكثر شيوعاً وخطراً في ريف حلب
تزداد معاناة السكان في ريف حلب خلال فصل الشتاء، مع انعدام وسائل النقل العامة، وتكاليف السفر بها، وصعوبة الاعتماد على الدراجات النارية الأكثر استخداماً في المنطقة، لما تسببه من حوادث وأمراض تصيب السائق، ويجد الأهالي أنفسهم أمام مأزق يضعهم في حالة مزرية، لا سيما العائلات التي تعيش أوضاعاً معيشية متردية، ولا تملك ثمن أجرة السفر لمريض يحتاج مراجعة طبيبه في مدينة مجاورة.
تتعدد الوسائل المستخدمة للتنقل بين المناطق في ريف حلب، لكن إمكانية استخدامها ترجع إلى قدرة الأسرة ماديا، ومن أبرز وسائل النقل المستخدمة حالياً: الدراجات النارية الخاصة التي حصلت في الآونة الأخيرة على لوحة مرورية من وحدات المرور المنتشرة في ريف حلب، بينما تستخدم أيضاً كوسيلة نقل عام يعمل بها عشرات الأشخاص، وتؤمن لهم دخلا ماديا جيدا يعيلون بها أسرهم.
في حين يستخدم آخرون السيارات الخاصة، ووسائل النقل العامة كالسرفيس والتكسي، للتنقل بين المدن والبلدات إلا أنها تعرف بأجورها المرتفعة المكلفة مادياً، مما يجعلها غير مناسبة، لآلاف الأسر المقيمة بريف حلب.
الدراجات النارية اقتصادية.. لكنها خطرة
تسببت الدراجات النارية غير المؤهلة للسفر في العديد من الحوادث المرورية في ريف حلب، لا سيما أثناء السفر، والتي أدت إلى إصابة سائقها بجروح خطرة تؤدي إلى الوفاة أحياناً، في ظل وعورة الطرق وخطورة قيادة الدراجات النارية على طرق السفر البعيدة، إلا أن الظروف المعيشية المتردية التي ترهق السكان دفعتهم لاستخدام الوسائل الاقتصادية، في مصاريف المحروقات والتصليح، وهذا ما تتميز به الدراجات النارية باعتبارها الوسيلة الأولى في تلبية احتياجات الأهالي، نظراً لسعرها المادي المقبول.
أحمد عبد الرحيم، 40 عاماً، يقيم في مدينة مارع، ويملك محلاً لبيع أدوات البناء في مدينة اعزاز، يستخدم الدراجة النارية للتنقل يومياً من منزله إلى مدينة اعزاز، لأنها أكثر وفرة من التنقل في وسائل النقل العامة، التي لا تتوفر في أي وقت. يقول محمد لموقع تلفزيون سوريا: إن “الدراجة النارية غير مكلفة مادياً لأنه يصرف ليترين من الوقود ذهابا وإيابا، بالإضافة إلى تنقلاته داخل المدينة، وسعر الليترين لا يتعدى عشر ليرات تركية، بينما يعتبر التنقل في وسائل النقل العام مكلفا، إذ تبلغ كلفة الذهاب والإياب 20 ليرة تركية “.
وأضاف قائلاً: “إنني أعتمد على الدراجة النارية الخاصة بي في جميع رحلاتي، حيث إن عملي يتطلب مني السفر إلى مناطق بعيدة أحياناً أبعد من المسافة التي أسافرها يومياً، لكنني أحافظ على سرعتها بالإضافة إلى متابعة تصليحها الدائم، لأنها غير مؤهلة للسفر البعيد”.
الدراجات النارية غير صالحة للسفر
وبالرغم من الوفرة الاقتصادية التي يبحث عنها الأهالي في ريف حلب، إلا أن مخاطر قيادة الدراجات النارية على طرق السفر البعيدة والوعرة لا زالت ترافق سائقها، حيث تعرض الشاب جهاد فؤاد نجار من مدينة مارع، لحادث أليم منتصف كانون الأول الفائت، خلال قيادته الدراجة النارية التي اصطدمت بسيارة على الطريق الواصل بين مدينتي اعزاز ومارع بريف حلب أثناء عودته من الجامعة، وعلى إثر ذلك نقل إلى المشافي التركية حيث تسبب الحادث بنزيف دماغي أدخله في غيبوبة حتى وافته المنية منتصف كانون الثاني.
وتحدث لموقع تلفزيون سوريا مدير المكتب الإعلامي في الدفاع المدني بمحافظة حلب، إبراهيم أبو الليث، قائلا: “إن وعورة الطرق وعدم تأهيلها، إلى جانب غياب الوعي لدى السائقين، وعدم توفر إشارات مرورية أيضا تسبب بعدة حوادث خلال العام 2020، من بينها حوادث دراجات نارية وسيارات نقل خاصة وعامة”.
وأضاف “استجابت فرق الدفاع المدني لـ 1076 حادث سير خلال عام 2020، وبلغ عدد المصابين 1002، بينهم 684 رجلا، و140 امرأة، و178 طفلا، بينما بلغ عدد الضحايا 35 بينهم نساء وأطفال”.
ومن الناحية الصحية قال عثمان حجاوي، وهو طبيب في مشفى مدينة مارع لموقع تلفزيون سوريا: “يعتمد الأهالي على الدراجات النارية في التنقل، لكنها خطرة في فصل الشتاء حيث تسبب عدة أمراض للسائق منها نزلات البرد، وأمراض جسدية في الظهر أيضاً، ناهيك عن الحوادث المرورية التي لا تنتهي، بسبب وعورة الطرق وعدم قدرة السائق على الالتزام بمعايير السير على طرقات السفر”.
ويضيف حجاوي “إنها الوسيلة الأكثر استخداماً حيث لا يوجد منزل دون وجود دراجة نارية عند مالكه، ولذلك فإنها واقع مفروض في المنطقة ولا يمكن التخلي عنه طالما أن الأهالي يواجهون ظروفاً معيشية متردية تمنعهم من استخدام وسائل النقل الصحية”.
صعوبة في تأمين المواصلات العامة
يغدو خيار استخدام المواصلات العامة والاعتماد عليها في التنقل بين المدن والبلدات وحتى داخلها، أمر في غاية الصعوبة، بسبب عدم وجود وقت محدد للسفر، بالإضافة إلى ندرة المواقف والكراجات المخصصة لهؤلاء العاملين على خطوط السفر، بينما عدم اكتمال نصاب الركاب في السيارة قد يزيد الكلفة المالية أيضاً، لذلك يتجه الأهالي إلى المواصلات الخاصة وأوفرها الدراجات النارية.
محمد بكر، طالب في السنة الرابعة بجامعة حلب الحرة، ويقيم في مدينة مارع شمالي حلب، يواجه صعوبة في الذهاب شتاءً إلى الجامعة على دراجته النارية، بسبب الأمراض التي قد تصيبه، مع انخفاض درجات الحرارة، وبسبب عدم توفر كراج لنقل الركاب بشكل يومي إلى اعزاز، يضطر محمد للانتظار والتأخر عن موعد دوامه لساعات حتى اكتمال نصاب الركاب في السرفيس.
يقول محمد : “عندما يكون الجو غائما ويحتمل تساقط الأمطار، لا أستطيع الذهاب إلى الجامعة على الدراجة النارية لأنني سأتعرض لمشاق صعبة قد تؤدي إلى حادث سير، وكذلك الأمراض”. وأضاف: “مؤخراً اتفقت مع زملائي كي نذهب معاً في سيارة نقل عمومية توصلنا إلى الجامعة في مدينة اعزاز، لكنها مكلفة حيث يتطلب مني دفع 15 ليرة تركية ذهابا وإيابا، وهذا المبلغ بشكل يومي يستنزف عائلتي، لذلك أذهب عند خلو الجو من الأمطار على الدراجة النارية، أو أنتظر سيارات خاصة ربما توصلني”.
أجور النقل العام ترهق الأهالي
يواجه الأهالي في ريف حلب صعوبة في التنقل بسبب ندرة سيارات النقل العمومية العاملة على خطوط السفر البعيدة، التي تصل المدن والبلدات ببعضها البعض، لا سيما مسافة الطريق التي تصل بين مدينتي الباب ـ اعزاز، واعزاز ـ وإدلب أيضاً إذ يضطر الطلاب والموظفون من مقيمي الباب إلى الاتفاق مع زملائهم في العمل للسفر في سيارة واحدة، لخفض الكلفة المادية، ولكن نادراً ما يكون عددهم كاملا، ويقومون بالاتفاق مع سيارة واحدة.
يقول مصطفى بطحيش وهو مصور صحفي من مدينة الباب لموقع تلفزيون سوريا: “إنه لا يستطيع السفر إلى مدينة اعزاز بسبب عدم توفر سيارات نقل ذاهبة إلى المدينة في أي وقت، ولا بد من استخدام وسيلة نقل خاصة أو دفع أجرة كاملة لسائق السيارة، حيث يصل المبلغ نحو 250 ليرة تركية، وهذا المبلغ عالٍ ومكلف يرهق الأهالي”.
ويضيف بطحيش، “أنتظر أصدقائي في المدينة عندما يتوفر لديهم عمل في مدينة اعزاز وأذهب معهم لقضاء حوائجي هناك، لكن قد تضطر بشكل أو بآخر إلى استئجار السيارة العامة إذا كانت لديك حالة مرضية أو جلسات علاجية، لذلك رحلة السفر شاقة في ريف حلب”.
ويوضح بطحيش: “إن خطوط السير بالنسبة للمواصلات العامة نادرة جداً حيث يجبر الأهالي على دفع إيجار كامل عدد ركاب السيارة، وهذه المبالغ تختلف بحسب المسافة، فعندما تكون الرحلة من الباب إلى جرابلس يكون السعر هنا أكثر من الرحلة إلى اعزاز بسبب المسافة ووعورة الطرقات”.
وكذلك تبدو الرحلة أيضاً من مدينة إدلب إلى مدينة اعزاز، والعكس تماماً، صعبة جداً وترهق الأهالي مما دفع العديد من الطلبة الذين يدرسون في الجامعات أو يعملون في مدينة اعزاز إلى الإقامة أيام الدوام عند أقاربهم أو الإقامة الدائمة مع أصدقائهم عبر مشاركتهم في الإيجارات.
عبد الكريم حمدو 22 عاماً، وهو طالب في جامعة حلب الحرة، يقول لموقع “تلفزيون سوريا”: أداوم يومين في الأسبوع أذهب يوم الأربعاء من الساعة الخامسة صباحاً، أصل إلى مدينة اعزاز في الثامنة مع بدء المحاضرات، وبعد إنهائها أذهب إلى بيت قريب لي في المدينة أنام هذه الليلة عنده لحضور دروس اليوم التالي، وحتى مساء يوم الخميس، أنطلق نحو إدلب”.
وأوضح “مشقة الرحلة من مدينة إدلب إلى مدينة اعزاز، قاسية جداً لا سيما عدم توفر سيارات دائمة الذهاب والإياب حيث تحتاج إلى التعاقد مع سائق قريب أو صديق يقوم بنقلي معه، ولذلك أضطر للنوم ليلة في مدينة اعزاز، ولا أستطيع أكثر من ذلك لأن أسرتي تنتظرني”.
وتصل كلفة استئجار السرفيس في حال لم تتوفر الرحلة إلى اعزاز في النقل العمومي بحدود 350 ليرة تركية، لأن المسافة بعيدة جداً إلى جانب التعرض للحواجز والانتظار بالإضافة إلى الطرق الوعرة التي تغيب عنها الخدمات ومن هنا تكون التكاليف كاملة على حساب الراكب.
وتبدو تكاليف المواصلات العامة عالية جداً وترهق السكان في ريف حلب، لاسيما أنهم يعيشون أوضاعاً معيشية متردية تعصف بها أزمات اقتصادية متواصلة، وترافقها قلة فرص العمل المتوفرة في المنطقة، والتي تدفع السكان إلى البحث عن الوسائل الأكثر وفرة.
المصدر : تلفزيون سوريا