مقالات

الإكتئاب يعصف بالشباب السوري داخل الوطن وخارجه

أعراض وأسباب وعلاج الاكتئاب عند الشباب السوري

كثيرآ ما تتردد على مسامعنا كلمة (إكتئاب) والذي يعتبر من أكثر الأمراض إنتشارا  في هذا العصر، فمثلآ نسمع أحد أصدقائنا يقول أشعر اني مكتئب أو نتكلم عن شخص بأنه يبدو عليه الإكتئاب أو نحن أنفسنا نشعر ببعض الأحيان أننا نعاني من الحزن والإكتئاب ولكن هل تؤخذ هذه الكلمة على محمل الجد من قبل سامعيها وماذا تعني كلمة الإكتئاب وهل هناك أعراض لهذا المرض ومتى نحتاج الى تدخل المساعدة الطبية.

بعد سبع سنوات من الثورة السورية، عانا خلالها الشعب السوري عامةً، وفئة الشباب منه بشكل خاص، من ويلات الحرب وعايشوا أهوالأ لا يقدر أي إنسان إلا أن يتأثر بها ومن هنا إرتأينا تخصيص هذا المقال عن الشباب السوري. فعلى ما يبدو،  إزداد الطلب على المهدئات وأدوية الإكتئاب بشكل ملحوظ كما إرتفعت محاولات الإنتحار بشكل لافت بين الشباب السوري، حيث سجلت 25 حالة إنتحار في محافظة السويداء وحدها لعام 2018 وفق إحصائيات نشرتها وكالة السويداء24 , وجميع هذه الحالات لأشخاص تتراوح أعمارهم بين 15 و 52 عاماً، ومعظمهم من الذكور، ومن أهم الأسباب التي أوصلت هؤلاء الشباب الى هذه الدرجة من الإكتئاب هو الضياع الناتج عن ظروف الحرب وفقدان الأمل.

بدايةً دعونا نتعرف على هذه الظاهرة وأسبابها.  ولتسليط الضوء عليها سألنا أختصاصيين من سوريا وفرنسا.

عند سؤال المعالجة النفسية فاليري جوبير (Valérie JOUBERT فرنسا – ستراسبورغعن الإكتئاب بينت أن الإكتئاب هو نتيجة حالة من التخدّر يصاب بها الشخص ويفقد القدرة على الفعل بشكل طبيعي بسبب تعرضه لتجارب معينة كفقدان الأمن أو ضياع جميع جهود البناء أو فقدان الحميمية والسلامة الشخصية وتحطم حدود الاحترام

تقول السيدة فاليري رداً على سؤال عن أسباب الإكتئاب وأعراضه : “عندما تواجهون خطرآ وتتعرضون له، وتكونون غير قادرين على المواجهة، تطورون هذه القدرة على التخدر (حسب القوة التي تمتلكون). وبقدر ما يطول هدا التخدر وعدم القدرة على المواجهة، بقدر ما يطول زمن القدرة على تجاوزهما. ويجد بعض الأشخاص أنفسهم عالقين في هذا الوضع، الذي يظهر غالباً على شكل اكتئاب، يرافقه عنف في بعض الأحيان. عندما يتسبب حدث ما أو وضع ما، يكون قليل الأهمية، بتذكير الشخص بهذه الأخطار التي تعرض لها سابقاً، عندها يرسل الدماغ الغريزي إشارات بأنه يجب أن يتم الدفاع عن النفس بشكل طارئ ، في حين أن الوضع ليس بهذه الخطورة بالضرورة، كحالة ضيق النفس على سبيل المثال. نجد أعراض متلازمة ما بعد الصدمة من بينها، اضطرابات النوم، الكوابيس، ازدياد حالات الغضب الشديد والخمول والعزلة…. بالإضافة لذلك، فإن هذه الصدمات يتم نقلها إلى الأجيال القادمة، كما نعرف اليوم، “الجزء التخلقي للجينات”. هذا يعني كل ما يتعلق بتجربة الشخص و بالاحتكاك مع محيطه“.

وترجع أسباب الإكتئاب كما ذكرها الدكتور فايز القنطار، المختص في علم النفس، في كتاب مشترك له مع الدكتور كاظم ابل (الأسس البيولوجية للسلوك الإنساني، دار العلم، الكويت 2005)إلى أنه: “على الرغم من أن بعض المرضى يرثون قابلية أكبر للإصابة بالاضطرابات العاطفية من غيرهم. إلا أن إثارة هذا المرض تسببها عوامل المحيط خصوصآ لضغوط الاجتماعية، والاقتصادية، والحوادث المؤلمة التي يتعرض لها الفرد في حياته اليومية.  وعلى الرغم من البرهان الواضح على وجود عوامل كيميائية حيوية غير طبيعية عند المصابين بالاكتئاب، إلا أن ذلك يمكن أن يكون نتيجة التفاعل بين الضغوط النفسية الاجتماعية وعدم الإنتظام الوراثي. إذ يعلن المصابون بالإكتئاب تعرضهم لحوادث مأساوية أكثر من سواهم، فبعضهم يمكن أن تكون بنيته النفسية أكثر قابلية للإكتئاب عند مواجهة شدائد الحياة اليومية“.

الإكتئاب هو إذا مرض له أعراض وله أسباب كأي مرض عضوي. وكما تقول الحكمة، فإن أول خطوة على طريق الحل هي إدراك المشكلة. فهل يدرك الشخص المكتئب مرضه؟ في هذا الصدد تقول أخصائية العلاج النفسي فاليري جوبير: ” غالباً الأشخاص المكتئبون، بالفعل لا يكونون مدركين لحالتهم، أو، في حالة أكثر تعقيداً، يكونون مشلولين بشكل ما ولا يكون لديهم رغبة بالتحرك أكثر.”

أجرينا لقاءات مع فئة من الشباب السوري الذين يعانون او عانوا من الإكتئاب لأسباب عدة أهمها الغربة وفقدان الأمان و الأمل في المستقبل, فقمنا بإختيار شاب في سوريا وأخر يعيش في تركيا وفتاة تعيش في أوروبا والثلاثة يجمعهم الإكتئاب المصنف ب (الإكتئاب المزمن). وكان رد الشاب في سوريا بأن الظروف السياسية للبلاد والاقتصادية تسبب في فقدان الأمل لدينا ولا نستطيع البقاء لأسباب كثيرة أهمها الخدمة الإلزامية وأيضا لا نستطيع السفر بسبب صعوبة الحصول على تأشيرات السفر لذلك أصبحنا نعيش كل يوم بيومه من دون أي أمل أو تفكير بالمستقبل. وبسبب الأرق الدائم الذي عانيت منه قررت الذهاب لطبيب نفسي ولكن الوضع المادي منعني من الاستمرار في متابعة العلاج.

وبالإنتقال الى الشاب والفتاة خارج سوريا كان ملخص إصابتهم بالإكتئاب أنهما وجدا نفسيهما ضمن بيئة جديدة فشعرا بالتمزق العائلي وعدم المعرفة باللغة والإندماج  في مجتمع جديد جميعها مشكلات تؤدي الى الإكتئاب فكان الطبيب النفسي والأدوية المضادة للاكتئاب هو الخيار للمساعدة على تجاوز الموضوع.

لطالما أعتبرنا الإكتئاب مرضاً “نفسياً” واعتدنا على سماع تعبير “العلاج النفسي” للأمراض النفسية، فهل ينطبق ذلك على الإكتئاب؟ تقول فاليري جوبير، أخصائية العلاج النفسي، في ردها على سؤال حول علاج الإكتئاب: ” في هذه الحالة أنا أشجع على إتباع العلاج النفسي الجسدي، نظراً لتعليمي النظري وكذلك نظراً لخبرتي.”

إذاً بإمكاننا القول بأن الإكتئاب هو إضطراب نفسي يصيب الإنسان بفقدان الإحساس بالمتعة إضافة الى نقص النشاط والاحساس بالخمول والتعب وإضطراب النوم والشهية زيادة أو نقصانا مع الشعور بضالة الذات ولوم النفسي ولا بد وأن فقدان الأمل في مستقبل أفض وحياة أكثر إستقراراً يتسبب بكثير من القلق للشباب السوري داخل الوطن وخارجه. هذا القلق قد يصل حد الإكتئاب. وحينها لا بد من إدراك المشكلة والوقوف عند أسبابها وتشجيع الشباب على استشارة أخصائيين في المجال النفسي بغية إيجاد حلول قبل تفاقم المشكلة. وفي النهاية نذكر أن هناك الكثير من الحالات لوحظ فيها بدء عملية التعافي بعد فترة من الوقت خصوصا الذين إكتشفوا إكتئابهم مبكرآ.

 

بقلم كاترين القنطار

المصدر: موقع صدى المجتمع المدني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى