آلاف الأطفال السوريين في رحلة المجهول نحو أوروبا
يهاجر عشرات آلاف الأطفال غير المصحوبين بذويهم سنويًا من البلدان التي تعاني الحرب والظروف المعيشية الصعبة باتجاه أوروبا، ونسبة كبيرة من هؤلاء الأطفال سوريو الجنسية.
تضحي عائلات الأطفال بتركهم يهاجرون لوحدهم أملًا في الحصول على لمّ شمل من قبل الأطفال عندما يصلون إلى أوروبا.
ويتعرض هؤلاء الأطفال في أثناء رحلتهم لمخاطر جمة، تصل إلى حد فقدهم أو موتهم، إضافة إلى تعرضهم لمخاطر الاحتجاز القسري أو الخطف وسوء المعاملة.
نحو أوروبا
خالد طفل في الـ13 من عمره، يعمل في معمل خياطة باسطنبول ليساعد في إعالة أسرته الموجودة داخل سوريا.
توفيق، وهو والد خالد الذي تحفظ على ذكر اسمه الكامل لأسباب أمنية، تحدث لعنب بلدي عن الظروف المادية الصعبة لعائلته، إذ يعمل سائق سيارة، ولا يتوفر له عمل مستمر، وهو الآن عاطل عن العمل منذ سبعة أشهر.
قال توفيق، إن خالدًا وأخاه (22 عامًا) كانا يعملان في تركيا داخل معمل خياطة، وخلال حملة الترحيل الأخيرة، احتُجز أخوه من قبل جهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية، ورُحّل إلى سوريا وبقي خالد لوحده في تركيا.
قال الوالد إن رجلًا من نفس قريته في سوريا أخبره بأنه سيتوجه إلى اليونان عبر شاحنة دون علم سائقها، وعبر طرق التهريب، وعرض عليه أن يرسل خالدًا معه.
أضاف توفيق، “قمت بإرساله لعله يستطيع أن يقدم لنا لمّ شمل ينتشلنا لمكان أفضل”.
رحلة الطفل خالد لم تكن سهلة، وفُقد عندما وصلت الشاحنة إلى الحدود اليونانية، حيث اُعتقل الرجلان اللذان شاركاه الرحلة، بينما هرب هو ليختفي دون أي أثر.
روى الأب توفيق كيف كان يبحث عن ولده لمدة 20 يومًا، قائلًا، “لن أنسى تلك الأيام حتى مماتي، فقد نشرت في مجموعات المفقودين، وقوبلت بهجوم حاد وشتائم، وهناك أناس أرسلوا لي صورًا لأشخاص عُثر عليهم موتى، وكنت أضع يدي على قلبي خوفًا من أن يكون طفلي بينهم”.
كلّف الأب شخصين في تركيا واليونان بالبحث عن خالد، وكان يدفع لهما أجور “تاكسي” للبحث، إلى أن أكد له رجل أنه رأى صور خالد على مواقع التواصل، وهو داخل دار أيتام في مدينة أدرنة التركية، مع الكثير من الأطفال السوريين أمثاله، فوكّل له محاميًا وأخرجه.
وانتهت المغامرة بأن أرسل توفيق ولده خالدًا لمصنع الخياطة من جديد، ليكمل من حيث توقف.
آلاف الأطفال دون ذويهم
أشار المركز الإحصائي للاتحاد الأوروبي (يوروستات)،، في 21 من تشرين الثاني الحالي، إلى أن الاتحاد تلقى نحو أكثر من 91700 طلب لجوء في أيلول الماضي، بزيادة قدرها 19% مقارنة بالشهر نفسه من العام الماضي، وسجل المواطنون السوريون أكبر نسبة بين طالبي اللجوء خلال العامين الماضيين.
وفي أيلول فقط، تقدم 4465 قاصرًا غير مصحوبين بذويهم بطلبات لجوء، وكان عدد السوريين بينهم 1540 قاصرًا.
وأكثر الدول التي تلقت طلبات لجوء من القصر غير المصحوبين خلال أيلول هي ألمانيا بـ1250 طلبًا، والنمسا بـ795 طلبًا، ثم بلغاريا بـ735 طلبًا.
المتوسط مقبرة الأطفال
ذكرت منظمة “يونيسف” التابعة للأمم المتحدة، في 29 من أيلول الماضي، أن أكثر من 11600 طفل عبروا البحر الأبيض المتوسط إلى إيطاليا دون والديهم في الفترة ما بين كانون الثاني ومنتصف أيلول الماضيين، بنسبة زيادة وصلت إلى 60% مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.
وبيّنت المنظمة أن أكثر من 7 آلاف طفل غير مصحوبين بذويهم كان عبورهم محفوفًا بالمخاطر، وأن هؤلاء الأطفال يسافرون بطرق غير آمنة بمفردهم في قوارب مطاطية مكتظة بطالبي اللجوء الآخرين، أو قوارب صيد خشبية مهترئة وغير مناسبة للسفر، بحسب “يونيسف”.
ويؤدي الافتقار في قدرات البحث والإنقاذ إلى تفاقم المخاطر التي يواجهها هؤلاء الأطفال عند عبورهم.
ولفتت “يونيسف“ إلى أن الأطفال غير المصحوبين بذويهم معرضون لخطر الاستغلال وسوء المعاملة في كل خطوة من رحلتهم.
وبين شهري حزيران وآب الماضيين، توفي أو اختفى نحو 990 شخصًا وكان بينهم أطفال في أثناء محاولتهم عبور البحر المتوسط، وهذا العدد يعادل ثلاثة أضعاف العدد المسجل في الفترة نفسها من الصيف الماضي، إذ توفي ما يقارب 334 شخصًا، والعدد الحقيقي للضحايا أعلى من ذلك بكثير، بحسب “يونيسف”.
اختفى دون أثر
تتشابه الأسباب التي تدفع بعائلات الأطفال المفقودين لإرسال أطفالهم إلى طريق الموت والمصير غير المعلوم بغية وصولهم إلى أوروبا، بينما تختلف المصاير التي حلت بهم، إذ إن هناك من توفوا أو سجلوا في عداد المفقودين منذ سنوات، أو باتوا داخل دور أيتام أو بمراكز احتجاز.
علي طفل سوري (13 عامًا)، كان يرتدي كنزة صفراء كما قالت عائلته عندما فُقد في 30 من أيار عام 2022.
قال إسماعيل ابن عم علي، لعنب بلدي، إن عليًا وعائلته المنحدرين من مدينة دير الزور الريف الغربي كانوا يقيمون في السعودية، وأتى علي لمدينة اسطنبول عام 2021، بهدف البحث عن عمل، وحاول الهجرة في أثناء ذلك أكثر من مرة باتجاه بلغاريا واليونان خلال عام واحد، لعله يستطيع إكمال تعليمه في أوروبا.
وفي منتصف عام 2022، حاول علي عبور نهر “إيفروس” الحدودي بين تركيا واليونان مرتين، لم يستطع العبور في المرة الأولى ونجح في المرة الثانية مع المجموعة المرافقة له، وعند الضفة اليونانية هاجمهم حرس الحدود اليوناني ما أصابهم بالفزع وبدؤوا بالركض باتجاه النهر.
قال إسماعيل، الذي تحفظ على ذكر اسمه الكامل لأسباب أمنية، إن عليًا كان معه طفل قاصر آخر وشاب في الـ20 من عمره، وفي منتصف النهر فقد الشاب العشريني الطفلين اللذين لا يجيدان السباحة، واختفى أي أثر لهما، لينضما إلى قائمة المفقودين في نهر “إيفروس”.
ساعد إسماعيل الموجود في تركيا في البحث عن قريبه علي، وهو الطفل البكر لعائلته، فبحث في المخيمات ومراكز الاحتجاز والمشارح بين الجثث القادمة من نهر “إيفروس”.
وقال إنه بحث في صور لـ35 جثة قدمت حديثًا من نهر “إيفروس”، وكانت غالبيتها مشوهة المعالم، ولم يتمكن من التمييز ما إن كان علي بين هذه الجثث.
وبحث إسماعيل بجميع صور الجثث والمقتنيات الشخصية للمتوفين وملابسهم، واستطاع تصوير بعض منها وشاركها على مجموعات للمفقودين على منصة “فيس بوك”، إذ تعرفت عائلتان على ابنيهما من خلال الصور وأخذتا جثتيهما، على حد قوله.
شارك المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان تقريرًا، في 18 من أيار الماضي، كشف فيه عن انتهاكات يتعرض لها الأطفال غير المصحوبين بذويهم في أثناء رحلتهم إلى أوروبا، من التمييز وعدم توفر الحماية.
وقال التقرير، إن الأطفال غير المصحوبين يتعرضون للتمييز في المعاملة مقارنة بالأطفال المصحوبين، كما يحرمون من الضمانات القانونية، ويجري احتجازهم وسط نقص في الخدمات المقدمة لهم، وخاصة فيما يتعلق بالتعليم والإدماج في العديد من الدول بأوروبا.
المصدر: عنب بلدي