ماذا لو توقف إدخال المساعدات الإنسانية للسوريين ..؟
لاشكَ أن المساعدات الإنسانية الأممية المقدمة للشعب السوري في شمال غرب سوريا عبر الأمم المتحدة والمنظمات الدولية شحيحة وغير كافية مقارنةً بحجم الحاجة المطلوبة منهم، إلا أنها ورغم قلتها، تمثل حبل النجاة من الموت المحقق للأهالي، وخاصة أولئك الذين يسكنون الخيام في مخيمات اللجوء.
في العام 2014 اتخذ مجلس الأمن الدولي خطوة غير مسبوقة بالملف السوري وهي تفويض وكالات الأمم المتحدة لإجراء عمليات إنسانية عبر الحدود في سوريا وذلك لضمان وصول المساعدات إلى مستحقيها في المناطق التي لا تخضع لسيطرة نظام الأسد عبر أربع معابر حدودية، ولكن منذ اتخاذ القرار ورغم موافقة روسيا على القرار في مجلس الأمن الدولي إلا أنهم لم يكونوا راضين بالمطلق عن مضمونه وعمدوا خلال سنوات إلى تسييس القرار وتقييد وصول المساعدات وتقليصها بشدة إلى معبر واحد يتم تجديده كل 6 أشهر.
مؤخراً بدأت روسيا حالة من الابتزاز السياسي للدول الأوروبية على وجه التحديد بمواجهة الحرب على أوكرانيا وقد بدأت ابتزازها بعد الفيتو الأخير الذي اتخذته في مجلس الأمن الرافض تجديد القرار لمدة عام إضافي بعد نهاية القرار الحالي والذي ينتهي خلال عدة اسابيع قادمة، ومع كل تجديد للقرار يواجه السوريين حالة من الرعب والخوف من ايقاف المساعدات الانسانية للمستفيدين والذين يتجاوز عددهم 4.1 مليون مدني، بالإضافة إلى حالة من فقدان الثقة بقدرة الأمم المتحدة على القيام بدورها الانساني في تلبية احتياجات المدنيين الاساسية وعلى رأسها الاحتياجات الطبية والغذائية.
على الصعيد الداخلي في سوريا، لطالما كان الشعب السوري منذ تاريخه شعب منتج وعامل ويعتمد على نفسه في تأمين الاحتياجات ولقمة العيش، ولكن بسبب الظروف التي واجهت المنطقة أدى ذلك إلى ارتفاع معدل البطالة ، وانعدام فرص العمل، وغلاء المعيشة، مما أجبر السكان على الاعتماد بشكل أساسي على تلك المساعدات.
إن الغالبية العظمى من الأهالي يعمدون للاستدانة لتأمين لقمة العيش ومحاولة الحياة الكريمة، ومعظمهم يبيعون ممتلكاتِهم من أجل شراء الطعام والشرب ومواد التدفئة، وبالرغم مما تقدمه منظمات المجتمع المدني السورية، إلا أن حجم الحاجة أكبر بكثير من قدرة المنظمات جميعها على مواجهته لأن حجم الكارثة يتطلب تدخل دول المجتمع الدولي، كما أن معظم المدنيين يلجؤون لإرسال أبنائهم القاصرين للعمل بدل المدرسة لتلبية متطلبات الحياة وهذا سيشكل كارثة حقيقية على واقع التعليم وانتشار الجهل في معظم الاراضي السورية، وحسب بعض الاحصائيات فأن هناك طفلين من أصل ثلاثة أطفال لا يذهبون للمدرسة في شمال غرب سوريا.
أما على صعيد إيقاف إدخال المساعدات الانسانية كما تطرح روسيا، سيساهم الإيقاف في تدمير البيئة المحيطة باللاجئين، حيث لاخدمات ولا غذاء ولا مياه، ما سيساهم في ازدياد الضغط النفسي والذي ستترتب عليه نتائج كارثية على النساء والأطفال والرجال من جميع النواحي وخاصة النواحي الاجتماعية والنفسية ولن يتمكن الأهالي من تأمين متطلبات وحاجات أطفالهم بسبب ظروف المعيشة القاسية.
التحليل القانوني الذي أطلقه تحالف المنظمات السورية الأمريكية لإغاثة سوريا ARCS والذي يجمع الأسس القانونية المعتمدة في القانون الدولي لمواصلة إدخال المساعدات الانسانية عبر الأمم المتحدة دون الحاجة لتفويض من مجلس الأمن، هذا التحليل والذي يعتبر خطوة مهمة لتوفير الغطاء القانوني للأمم المتحدة ومؤسساتها للاستمرار في إدخال المساعدات الانسانية وتخفيف معاناة السوريين.
نحن اليوم نطالب جميع الدول الفاعلة والقادرة على اتخاذ القرار في مجلس الأمن الدولي، أن تتحمل مسؤولياتها و تتعامل مع الموقف بإنسانية وحياد بعيداً عند الأمور السياسة والابتزاز السياسي، فالمساعدات هي القيمة العالمية للتضامن بين البشر والواجب الأخلاقي والهدف الرئيسي من المساعدة الإنسانية هو إنقاذ الأرواح وتخفيف المعاناة والحفاظ على الكرامة الإنسانية وعليها أن تُدرك بأن ايقاف المساعدات عن الشمال السوري جريمة ضد الإنسان ، وستكون كارثة كبيرة، سيدفع ثمنها باهظاً ،ملايين السوريين المهجرين قسراً من مناطقهم، وآثارها ستتخطى كل الحدود.
المصدر : شام