ما الأولويات الاستثمارية في سوريا؟
أدت الثورة السورية إلى تراجع كبير في كافة مؤشرات الاقتصاد السوري. وتدمير لمعظم القطاعات والبنى التحتية الاقتصادية. إضافة إلى فقدان أكثر من 30 عاماً من التنمية الاقتصادية للبلاد. وفي ظل الوضع الاقتصادي الراهن والعقوبات الاقتصادية أصبح تمويل الاستثمار العامل الأكثر صعوبة. وهنا تكمن أهمية التخطيط الاستثماري الحقيقي في وضع أولويات للمشاريع الاستثمارية التي تحقق التنمية الاقتصادية والاجتماعية للبلاد. والسؤال هنا: ما الأولويات الاستثمارية في سوريا؟
في البداية الاقتصاد السوري من الاقتصادات النامية التي تمتلك مقومات متنوعة (صناعية وزراعية وثروات طبيعية.. إلخ). فحسب دراسة الأمم المتحدة عام 2020 بلغت الخسائر المالية للاقتصاد السوري 530 مليار دولار أمريكي. كما يواجه الاقتصاد السوري تحدياً حقيقياً في تأمين التمويل اللازم للاستثمارات من جهة. وإمكانية جذب المستثمرين من جهة أخرى في ظل عدم وجود رؤية واضحة لحل نهائي للأزمة السورية.
ما مفهوم الأولويات الاستثمارية؟
بصفة عامة الأولويات الاستثمارية هي الطريقة التي يتم بها التخطيط الفعال للاستثمارات وتوجيهها من خلال توزيع التمويل بين القطاعات حسب الأهمية. بالإضافة إلى تحفيز الاستثمار في القطاعات المهمة بمجموعة من المحفزات المالية والضريبية.. إلخ والتي تميزها عن غيرها من القطاعات الأخرى. من خلال وضع أولويات تحقّق فوائد اقتصادية واجتماعية على المجتمع ككل في المستقبل القريب.
في العادة تسعى الدول لوضع أولوياتها الاستثمارية في الخطط المتوسطة والطويلة الأمد. وتعمل على توفير التمويل اللازم لهذه الاستثمارات. فعلى سبيل المثال كانت الأولوية الاستثمارية للهند في العقدين الأخيرين هما قطاع الزراعة والصناعة والتكنلوجية. وقد حققت الهند معدل نمو اقتصادي تجاوز 6%. واحتل الاقتصاد الهندي المركز الخامس في عام 2019 حسب موقع فاننشيال إكسبريس. وفي نفس الوقت تمكّنت الهند من تحقيق الاكتفاء الزراعي الذاتي لمليار ومئتي مليون من مواطنيها.
ما أهم الأولويات الاستثمارية في سوريا؟
بصورة شاملة لا بد من تغيير العقلية والنهج الاقتصادي السوري. من خلال إيجاد قانون استثمار حقيقي يساهم في عملية جذب رؤوس الأموال وتحقيق العدالة في الاستثمارات. والابتعاد عن المحسوبية والاحتكار المطلق لبعض رجال الأعمال على أهم القطاعات الاقتصادية. ويتم ذلك من خلال وضع خطط استثمارية متوسطة وطويلة الأمد. يبين فيها الأولويات الاستثمارية للقطاعات المهمة ذات العائد الاقتصادي والاجتماعي في ظل انتشار البطالة والفقر المدقع في البلاد.
يشكّل القطاع الزراعي بشقيه النباتي والحيواني أهم أولويات الاستثمار في سوريا في الوقت الراهن. حيث ساهمت الاستثمارات الزراعية قبل الثورة بـ20-30% من الناتج المحلي الإجمالي. إضافة إلى مساهمته بتأمين فرص عمل مباشرة وغير مباشرة تراوحت بين 17-35%. كما يحتل القطاع الزراعي مرتبة مهمة من حيث الإيرادات التصديرية. وعلى الرغم من أثر الثورة على هذا القطاع إلا أنه ما يزال يشكل أهم قطاع في البلاد. ويخلق عدداً كبيراً من فرص العمل.
كما يشكل الاستثمار في الصناعات التحويلية النسيجية والغذائية في المرحلة المقبلة أهم الصناعات التي يجب التركيز عليها. نظراً لتوفر موادها الأولية محلياً من جهة. فقد ساهمت الصناعات النسيجية قبل الثورة بـ45% من صادرات سوريا غير النفطية. إضافة إلى توفير فرص عمل تجاوزت 20%. وساعدت في دعم الاقتصاد الزراعي وتحقيق نوع من التكامل الاقتصادي بين الصناعية والزراعة.
في حين يأتي الاستثمار برأس المال البشري كأحد أولويات الاستثمار في سوريا. فبدون عناصر مُؤهَّلة ومُدرَّبة لن يتمكن الاقتصاد من الانطلاق. فعلى سبيل المثال يعمل 650 ألف مواطن سوري في قطاع النسيج في تركيا وحدها. وتأتي أهمية إعادة النازحين واللاجئين كشرط رئيسي لنجاح الاستثمارات المستقبلية في البلاد.
يعد قطاع الطاقة من القطاعات الواعدة للاستثمار في سوريا. بحسب تقديرات مركز فيريل للدراسات الألمانيَّة فمن المتوقَّع أن تحتلّ سوريا المركز الثالث عالمياً في إنتاج الغاز. حيث قُدِّر الاحتياطي بـ 28تريليون متر مكعب. إضافة لاحتياطي النفط الذي يُقدّر بملياري برميل. وهنا تكمن أهمية توقيع عقود الاستثمار التي تحقق المنفعة للشعب السوري البعيدة عن احتكار أو سيطرة الروس على هذا القطاع.
ومن جانب آخر تشكّل البنية التحتية المدمرة وقطاع السياحة والتعليم والصحة عامل جذب استثماري. فقد قضت الأعمال العسكرية على أكثر من 40% من البنية التحتية بشكل كامل. إضافة إلى حاجة ما تبقَّى لعمليات صيانة مكلِّفة. وهذا ما يجعلها سوق استثمار ضخماً.
في النهاية يجب التركيز على الأولويات الاستثمارية ذات البعد الاقتصادي والاجتماعي في المستقبل القريب. خاصةً التي تخفّف من معاناة الشعب السوري من خلال تحفيزها بشكل كبير. فتحقيق أي عائد اقتصادي دون وجود عائد اجتماعي لن يؤدي لتحقيق معدلات تنمية بشرية مستدامة. وهنا تأتي أهمية وضع قانون استثمار حقيقي. وتوفير بيئة استثمارية عادلة. ووضع خطط متوسطة وطويلة الأمد تحقق التنمية الاقتصادية والنمو الاقتصادي بآن واحد.
المصدر : ترندز للدراسات الإقتصادية