التحقيقات

لعبة “PUBG” هل تجسيد لواقع العنف المنتشر أم لعبة ستزول كما غيرها؟

مع انتشار لعبة قتالية جديدة بين العاب الكمبيوتر عرفت باسم “PUBG” اختصارا لـ”Player Unknown’s Battlegrounds” وهي تعني ساحات معارك اللاعبين المجهولين بالعربية, بدأ الحديث عن خطورتها في تحويل الشباب إلى مدمنين ومسلوبي الإرادة في بعض الأحيان كما أن مشاكل وخلافات أسرية في بعض الدول العربية ظهرت على خلفية هذه اللعبة بعد أن سيطرت على عقول الشباب والأطفال؛ فما هذه اللعبة؟ ومن هم الذين يلعبونها؟ وما الحوادث التي تسببت بها؟

“PUBG” آخر لعبة في سلسلة العاب أخرى غزت الشرق الأوسط بكثافة

انتشرت العديد من الألعاب التي أدت إلى حوادث مؤسفة منها العاب قتالية مثلBlack” “Ops أو المهمة السوداء، والتي حظرت في كوبا لظهور هدف للاعبين على شكل الزعيم الكوبي فيدل كاسترو. كذلك انتشرت لعبة مريم بشكل كبير بين الأطفال في الخليج  ولعبة الحوت الأزرق، وكذلك لعبة البوكيمون وكانت هناك حوادث مؤسفة لجميع هذه الألعاب .

الدول العربية كالسعودية والإمارات حظرت بعض العاب الفيديو التي تسيء، مثل لعبة «دانتي» والتي حوت على إساءة للإسلام باعتبار القتلى في اللعبة من المسلمين هم في النار كما أن العاب كانت تحتوي على العري تم حظرها، بالإضافة إلى حظرها معظم الألعاب البشعة والدعوة إلى تخريب وتدمير الأمكنة.

أما لعبة “PUBG” والتي هي لعبة من صناعة كوريا الجنوبية، طورتها شركة العاب صينية هي تدعى «تينسنت», لم يصدر أي حظر فعلي لها إلى الآن، ففي مصر دعا البرلمان المصري لجلسة لمناقشة حظرها كما أن الأردن فعلت الشيء نفسه في سوريا حظرت اللعبة على «سيرفرات» سوريا إلا أن النظام السوري لم يعلن أي قرار بشان اللعبة، فيما أكدت مصادر أن الشركة المنتجة قد تكون حظرت اللعبة في البلاد.

في إقليم كوردستان العراق، قررت لجنة الفتوى في السليمانية، أكتوبر الماضي، «تحريم» لعبة “”PUBG التي يلعبها الملايين عبر العالم. وعقدت اللجنة اجتماعا بشأن اتخاذ قرار من اللعبة بعد شكاوى رفعت بهذا الصدد، وأعلنت في ختام لقاءها «تحريم» اللعبة بشكل مشروط. أي أن اللعبة في حال مارسها موظف، وأثرت سلباً على خدمات المواطنين ستكون «حراما»، إذ ما مارسها طالب وأثرت على دراسته ستكون «حراما» أيضاً.

حوادث ومخاطر “PUBG”

تنتشر لعبة “PUBG” بين الفئات الشبابية أكثر من غيرها لما فيها من عنف ومحاكاة للمعارك الحقيقة، فاطمة سيدة عراقية في الثلاثينات من العمر، تقول أن زوجها لم يعد كما السابق، ويقضي مجمل وقته في هذه اللعبة، وهي تفكر جديا في طلب الطلاق منه.

وتضيف فاطمة «أصبح يهتم بجواله ولعبته أكثر من أي شيء آخر، فهو دائم الانفعال ويتحدث بكلمات عبر اللعبة حتى أنني اشك أنه يلعب لأن في اللعبة نساء أيضاً»

سيدة أخرى؛ وهي لاجئة سورية في إقليم كردستان العراق تقول: «هذه الألعاب دمرت حياتنا لا أجد أولادي الثلاث إلا وهم يتصارعون بالصياح بينهم، مرددين ليش قتلتني؟ وأنا أتخوف من هذه الكلمات هربنا من جحيم القتل في سوريا، ليأتي إلينا عبر الألعاب».

وقالت وسائل إعلام محلية في العراق، أن العشرات من القضايا أغلبها طلب الطلاق هي أمام محاكم العراق بسبب “PUBG” من جهتها تناقلت مواقع إعلامية الكثير من الحوادث بسبب هذه اللعبة ففي مصر مثلاً اللعبة تسببت في مقتل معلمة على يد طالب كان من أحد مدمني هذه اللعبة التي تثير جدلاً بين مؤيد ومعارض لها مما دفع البرلمان إلى الاتجاه لحظرها.

أما في العراق، فقد قتل شاب احد أصدقاءه في احد أحياء منطقة «ورتي» في بلدة بيرمام (صلاح الدين) بإقليم كردستان بسبب محاكاة اللعبة. وفي كركوك تشاجر شابين بالأسلحة النارية بسبب اللعبة مما أدى لمقتل أحد المدنيين في الجوار.

«اكو عرب بالطيارة» العبارة الأشهر للعبة عربياً

شاب عراقي في الثلاثين من عمره يلعب “PUBG” بشكل كبير فهو يؤكد أنه لم يتأثر باللعبة رغم بقاءه بعض المرات لأكثر من 14 ساعة، وهو يلعبها يقول الشاب «اللعبة فيها مغامرة كبيرة تبدأ بـ100 لاعب في طائرة يقومون بالإنزال في جزيرة ويلتقطون الأسلحة من الأبنية الموجودة والبقاء للأقوى».

يضيف أيضا «لدي صديق قضى أكثر من يومين في اللعبة، لقد كان تعباً كثيراً عندما استسلم للنوم بعدها لقد أتيت أنا للمكان الذي كان هو فيه ثلاث مرات، ولعبت عدة ساعات معه وغادرت».

يتابع حديثه عن اللعبة: «أحس بتوتر شديد مع دخولي للعبة، وكأنني فعلا عرضة للموت في أي لحظة، وأنا أدافع عن حياتي إلا إنني لا أتأثر وأعود لحياتي الطبيعية، فانا قادر على السيطرة على نفسي بعكس بعض الشباب الذين يصبحون عبداً للعبة، ويعجبني كثيراً عبارة (اكو عرب بالطيارة ) التي نرددها عند الدخول للعبة لمعرفة من معنا».

في سوريا “PUBG” منتشرة في مناطق التوتر أكثر

بالانتقال إلى مناطق النزاع في سوريا، نجد أن نسبة انتشار اللعبة هي أكثر من المناطق الهادئة نسبياً ففي محافظة الرقة، والتي تخلصت في وقت ليس ببعيد من تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام «داعش» نجد أن الشباب توجهوا بشكل أو بأخر إلى اللعبة.

تحدث لنا الإعلامي نايف السلمان عن اللعبة معبراً عن انزعاجه من انتشار اللعبة بشكل كبير بين أوساط الشباب: «أنا لا العب هذه اللعبة أبداً إنما ألاحظ على أصدقائي تعلقهم الشديد بها».

يضيف السلمان «لدي صديق يعمل في إحدى المنظمات هنا كان مثالا للنشاط والحيوية إلى أن تعلق بهذه اللعبة أصبح يتأخر عن عمله بشكل شبه دائم».

أما الشاب العشريني مجد الناصر فيقول: «أنا العب (PUBG ) منذ فترة لكنني لم أصل لحد الإدمان أحاول أن يكون في وقت الفراغ فقط، كوني من هواة الصيد، واجد فيها متنفسا وبديلا عن الخروج للبر».

أثناء التجوال في مدينة الطبقة التي دخلت العام الثاني على تحريرها من يد تنظيم «داعش» نلاحظ انتشار محلات الانترنت في المدينة، وفي كل محل يتواجد عدد من الشبان في أعمار بين 15- 30 سنة، وهم يتبادلون الأحاديث عن لعبة “PUBG” ويلعبونها، بعد خلاصهم من ظلم التنظيم والضغوط التي كان يمارسها وحرمان أهلها من كل شيء.

في محافظة الحسكة، تختلف الصورة كلياً لا يوجد انتشار كبير لهذه اللعبة، وتكاد تنعدم في مناطق بحسب الصحفية آريا حاجي من مدينة ديرك «المالكية» أقصى شمال البلاد.

تقول آريا: «لا أعلم شيئا عن هذه اللعبة قد تكون لعبة للشباب أكثر من الفتيات، سمعت بانتشارها في الكثير من المناطق وأدت إلى حوادث مؤسفة إلا أنني أتوقع انه لم تسجل أي حوادث في مناطقنا».

تتوافق وجهة نظر شاهين عنز مهندس الكمبيوتر في مدينة القامشلي مع الصحفية آريا حاجي إذ يرى شاهين أن الفئة التي تلعب هي المراهقين أكثر من غيرهم تهرباً من الدراسة، وغير ذلك إلا أن شاهين يؤكد أن أعداد اللاعبين قليل جداً في منطقته  يقول المهندس: «هي لعبة تشبه الكونتر، والتي كانت منتشرة في المنطقة قبل 2011، لكنها متطورة أكثر بإضافة خاصية إمكانية التحدث عبر اللعبة وكذلك إمكانية اللعب عبر الهواتف المحمولة».

بضيف شاهين قائلاً: «لعبة (PUBG ) غير منتشرة في المنطقة لأسباب أهما عدم توفر إنترنت سريع لهذا الغرض، وكذلك عدم وجود فراغ عند الشباب، فكل شاب لديه عمله الخاص به، ولا يملك وقت لإضاعته في هكذا لعبة».

أمراض نفسية وجسدية

من وجهة نظر علم النفس والمجتمع جميع الألعاب مضرة إذا زادت عن الطبيعي. في عام 2018 زادت مبيعات لعبة «بوبجي» في العالم لتصل إلى 13 مليون نسخة، وكذلك دعمت الشركة المنتجة خاصية اللعب عبر الموبايل لتشكل منتجاً يعد الأضخم في ألعاب الفيديو.

زوزان خليل خريجة جامعة دمشق كلية علم النفس ترى أن جميع العاب الفيديو والكمبيوتر هي مضرة إذا ما زادت عن حدها الطبيعي، لأنها بهذه الحالة تصل للإدمان.

تقول الأخصائية النفسية خليل: «هذه الألعاب في حقيقتها أو على الأقل في جزء منها هروب من الواقع، ومحاولة لتقمص شخصيات خيالية، والحوادث التي جرت كانت الدليل أن المدمن لم يعد يفرق بين حياته الواقعية وحياته كمجرد لاعب بوجي».

وتضيف زوزان «أيضاً نجد أن المنجذبين لهذه الألعاب القتالية منها على وجه الخصوص، هم المراهقون فهي توهمهم أن الوسيلة الأفضل للدفاع عن النفس والوصول للقوة هي العنف».

وتختتم الأخصائية النفسية  زوزان خليل حديثها  بالقول: «هذه الألعاب مؤثرة بشكل كبير على الشباب وخاصة الطلبة منهم، فهي تؤدي للتأخر الدراسي، وأيضاً لمشاكل اجتماعية نتيجة انفصال اللاعب عن الواقع والصلات الأسرية».

على الرّغم من وجود العَديد من الفوائد والإيجابيّات للألعاب الإلكترونية، التي تفيد في التفكير،  إلا أنّ لها جوانب سلبيّة متشعّبة تظهر آثارها على المجتمعات في مختلف الدول، وليس من المنطقي أن يترك الطفل يلعب من باب التسلية فيما هو يستمتع بقتل الآخرين، ويتعلم الشباب على فن الجريمة، أيّ تنمية العقل على العُنف والعدوانية، فيكون من الطبيعي أن يكون ناتج مستقبل كليهما إنساناً عنيفاً وعدوانياً. بالإضافة إلى العديد من الأمراض الجسدية من التهابات المفاصل، وقلة الحركة، والاضطرابات النفسية، وهذه الأمراض جميعاً تضع العائلات أمام امتحان صعب في كيفية إنقاذ أبناءهم قبل أن يداهمهم الوقت وحينها لن ينفع الندم.

إعداد وتحقيق: أختين أسعد

2019-02-16

المصدر: موقع الحل السوري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى