سوريون يتعلمون اللغة التركية عن بعد.. اختصار للمسافات واستغلال للوقت
“من خلف شاشة وبشكل منفرد يجلس أحد الطلاب مستمعاً إلى صوت الأستاذ القادم من جهاز الكمبيوتر محاولاً قدر الإمكان التركيز في ظل غياب أي معادل بصري يساعد في إيصال المعلومة”.
يتكرر هذا المشهد في آلاف البيوت حول العالم، رغم تخفيف إجراءات الإغلاق في الدوائر الحكومية والأعمال التجارية والجامعات والمدارس، حيث أصبح العمل والتدريس من المنزل مألوفا ومعتمدا في عدد من الدول.
ومع انخفاض أعداد المصابين وتلقي الملايين لجرعات اللقاحات الخاصة بفيروس كورونا في تركيا وعودة الحياة إلى طبيعتها، استمرت معاهد تعليمية تعنى بتدريس اللغة التركية بتقديم عروض بأسعار مخفضة.
إلا أن التدريس عن بعد وبقدر ما يحمل من إيجابيات، إلا أنه يملك العديد من العقبات التي يواجهها الطلاب الذين يسعون لتحسين لغتهم التركية ولا يملكون الوقت الكافي للحضور في صفوف منتظمة في المعاهد المنتشرة في المدن التركية المختلفة.
دوافع مختلفة للدراسة عن بعد
وقال عبد المناف، وهو مهندس مقيم في مدينة إسطنبول لموقع تلفزيون سوريا، إن السبب الرئيسي الذي دفعه للدراسة عن بعد هو بعد المسافات في مدينة ضخمة كإسطنبول وضيق الوقت وسهولة الحضور من المنزل، بالإضافة إلى قلة التكاليف مقارنة بالحضور الشخصي، والذي يتطلب بدوره رسوم الدورة التعليمية والمواصلات.
واعتبر عبد المناف في إجابته على أسئلة موقع تلفزيون سوريا أن التعليم عن بعد جيد ويغني أحياناً عن التعليم وجهاً لوجه في حال وُجدَ الاهتمام الشخصي لدى الطالب وامتلك الهمّة والتركيز أثناء الدرس ومتابعة الدراسة خارج الأوقات المحددة للدرس.
لكن عبد المناف يرى في المقابل أن التعليم وجهاً لوجه “أكثر كفاءة” بحسب رأيه في تحقيق الفائدة، مضيفاً أن كلا الأسلوبين لا يغنيان عن الاهتمام الشخصي والمحاولة المستمرة في تطبيق ما يتعلمه في الحياة العملية.
من جهتها ترى رشا، وهي أم لطفلة عمرها ثلاث سنوات وتسكن في مدينة إسطنبول أيضاً، أن اهتمامها بطفلتها ومنحها وقتها الكامل، دفعها لدراسة اللغة التركية عن بُعد، كما أن الدراسة عن بُعد أسهل بالالتزام بمواعيد الدروس.
وأضافت رشا أن التعليم عن بعد “مفيد إلى حد ما” لكنه لا يغني عن الدراسة وجهاً لوجه بحسب رأيها، وخاصةً فيما يتعلق بتعلّم المحادثة، إذ ترى رشا أن التعليم وجهاً لوجه “يكسب المرء الجرأة ويجعله أقرب للحياة العملية”.
في حين يرى أستاذ اللغة التركية، محمد شريف برغلة أن التعليم عن بعد هو جزء من أجزاء الحياة بعد مرحلة فيروس “كورونا”، إذ بعد إغلاق التعليم وجهاً لوجه والقوانين الصادرة في جميع دول العالم بإغلاق المدارس والجامعات أصبح التوجه بشكل كامل للتعليم عن بعد.
وتعتبر اللغة التركية هي اللغة الرسمية والوحيدة للدولة التركية، وذلك وفق الدستور التركي، رغم وجود عدة قوميات وإثنيات في البلاد وحضور للغة العربية، سواء للمواطنين الأتراك من ذوي الأصول العربية، أو من خلال الجاليات العربية المنتشرة في عدة مدن تركية، أبرزها إسطنبول وإزمير ومرسين ومدن الجنوب التركي مثل هاتاي وغازي عنتاب.
في حين يصل عدد السوريين في تركيا، وفق أرقام مديرية الهجرة التركية، إلى ثلاثة ملايين و645 ألفاً و140 سورياً، حصل منهم على الجنسية التركية، وفق أرقام الحكومة التركية، 193 ألفاً و293 شخصاً، وذلك بحسب تصريحات وزير الداخلية التركي في مؤتمر صحفي عقده في 19 من شباط الحالي.
ويحتاج السوريون والعرب للإلمام باللغة التركية لتسهيل أمور حياتهم ومعيشتهم في تركيا، خاصةً فيما يتعلق بمعاملات الهجرة والإقامات واستئجار المنازل وغيرها من تفاصيل الحياة اليومية، أو للحصول على عمل مع أطراف وشركات ومعامل تركية، وكذلك للاندماج في المجتمع التركي.
كذلك يسعى الطلاب العرب لتعلم اللغة التركية لاستكمال دراستهم الجامعية في الجامعات التركية.
أحد هؤلاء الطلاب هو ياسين، فلسطيني الجنسية ويدرس اللغة التركية في أحد المعاهد الخاصة، وذلك رغبةً منه بالحصول على درجة الدكتوراه.
التعليم عن بعد ليس بديلاً
وقال ياسين لموقع تلفزيون سوريا إنه لا يجد تعليم اللغة التركية عن بعد مجدياً، ولا يغني بأي حال من الأحوال عن التعليم وجهاً لوجه.
وأضاف ياسين “الحضور عنصر مهم من حيث إمكانية وصول المعلومة واستخدام الوسائل التعليمية التي تساعد الطرفين، كذلك استخدام الحركة والإيماءات والوسائل التعليمية المختلفة.
من جهته قال عبد المناف إن الطالب أثناء التعليم العادي ينخرط بالدرس بشكل أكبر، إذ إن غالبية الدروس عن بعد لا يرى فيها الطالب وجه الأستاذ وبالتالي يفقد التواصل عبر لغة الجسد وعليه تقل كفاءة إيصال المعلومة، كما أن الحضور وجهاً لوجه يعني بيئة أفضل من ناحية الهدوء وملائمة التركيز في الدرس والابتعاد عن أي مؤثرات خارجية.
وأضاف عبد المناف “كل ما سبق ذكره كان بغض النظر عن كفاءة المدرس / المدرسة في الأسلوبين السابق ذكرهم، حيث قد يوجد مدرس عن بعد في معهد أو مركز ما كفاءته في التدريس وإيصال المعلومة أعلى من مدرس آخر وجها لوجه في معهد أو مركز آخر”.
ويرى الأستاذ محمد شريف برغلة، مدرس بأحد معاهد التعليم في مدينة غازي عنتاب أن التعليم عن بعد لا يغني عن التعليم وجهاً لوجه وذلك أنه ومن خلال الطريقة الثانية يمكن إيصال المعلومة بشكل أسرع وزمن أقل وبمجهود أقل، بينما التعليم عن بعد قد يستغرق الأمر دقائق أكثر وطريقة الشرح مختلفة، هناك بعض الطلاب لا يحبون التعليم من خلف شاشة.
وأضاف الأستاذ محمد شريف برغلة أنه يفضّل التعليم وجهاً لوجه، لكن التعليم عن بعد له جدوى للطلاب أيضاً، إذ ربما يكتشف الطالب أن هناك شيئاً ما لم يفهمه أثناء الدرس، فيمكن له التواصل مع أستاذه بعد الدرس والسؤال والحصول على الإجابة بحيث تتثبت معلوماته أكثر، كما أن أوقات فراغه يمكن ملؤها بشكل أفضل، خاصة مع التوجه العالمي للعملعن بعد والتعليم عن بعد، وهناك شركات حالياً تعمل بشكل كامل من المنازل.
وتعد اللغة التركية إحدى أدوات القوة الناعمة لتركيا، إذ تتزايد أعداد الراغبين بتعلم اللغة التركية مع انتشارالأعمال الدرامية التركية في العالم العربي، وبدأت معاهد التدريس بالانتشار في عدد من الدول العربية، دون وجود أعداد دقيقة لأعداد طلاب اللغة التركية سواء في العالم العربي أو في تركيا.
المصدر: تلفزيون سوريا