مها مامو “بدون” سابقة تكرس نفسها لقضية عديمي الجنسية
يوجد على مستوى العالم أكثر من عشرة ملايين شخص بدون جنسية: “البدون”. كانت مها مامو المولودة في لبنان لأبوين سوريين، واحدة منهم إلى أن منحتها البرازيل الجنسية. واليوم تكرّس مها نفسها لتجنيب غيرها ما عانته.
تتمتع مها مامو اليوم بجنسيتها البرازيلية: تعيش مع أختها في جنوب شرق البلاد وبإمكانها العمل وقيادة السيارة والسفر إلى خارج البلاد لإلقاء محاضرات. لكن ما يظهر اليوم كحياة عادية كان في السابق صعب المنال، لأنها وأختها كانتا بدون جنسية، لا لبنانية حيث وُلدت ولا سوريّة من حيث ينحدر والداها.
عشرة ملايين بلا جنسية
وكنتيجة لهذا الوضع ظلت مها مامو وأختها سعاد وشقيقهما إدي منذ الولادة بدون جنسية؛ إذ أن الجنسيتين السورية واللبنانية لا يحصل عليهما المرء إلا عن طريق الولادة من أب يحمل الجنسية وتعترف السلطات بزواجه. والأم ليس بإمكانها إعطاء الجنسية للأطفال. ومجرد الولادة في لبنان لا يعطي المولود الجنسية اللبنانية.
وتفيد معلومات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن عشرة ملايين شخص على الأقل في العالم بدون جنسية. وتتنوع الأسباب وراء ذلك، لكن وفي الغالب تكون القوانين المتشددة والتمييزية هي السبب الرئيسي كما هو حال مها. وحسب هيئة إغاثة اللاجئين بإمكان الرجال في 27 بلداً أن يمنحوا الجنسية لأطفالهم، وبعض البلدان تمنع أو تجرد بعض الأقليات والعرقيات من الجنسية، كما تفعل ميانمار مع الروهينغا. ويمكن للأشخاص أن يفقدوا الجنسية في حال تغير حدود الدول أو ضياع الوثائق بسبب الهجرة والحروب.
“أن تشعر أنك شبح“
لا يتمتع من لا يحمل جنسية أي بلد إلا بالقليل من الحقوق وتعترضه الكثير من القيود والعقبات. فقد بدأت مشاكل مها منذ دخولها المدرسة: “والدتي ذهبت من مدرسة إلى أخرى وتكلمت مع جميع المدراء. وبعد بحث طويل أعلنت مدرسة واحدة أنها مستعدة لاستقبالي وأختي”. ومها التي كانت بارعة في كرة السلة لم يكن بإمكانها المشاركة في مسابقات رسمية. وحتى دخول الجامعة كان لاحقاً أمراً صعباً، إلا أنها أفلحت في ذلك. وفي حال المرض كانت مها تستخدم البطاقة الشخصية لصديقة لها لتلقي العلاج.
“عدم التوفر على شهادة ولادة تعرّف بك يدفع المرء إلى الشعور بأنه يعيش حياة شبح. وفي سن الـ 16 أدركت حجم مشكلتي”، تقول مها. وعلى إثرها حاولت في البداية بمساعدة محامين الحصول على الجنسية اللبنانية أو السورية. كل هذا لم يأتِ بنتيجة، ومن هنا باشرت بالاتصال مع السفارات الأجنبية في لبنان: “في الواقع كان بالنسبة إلي سيان من أي بلد أطلب المساعدة، كنت أريد ببساطة الخروج من ذلك الوضع. ولم أتلقَ إلا الرفض طوال عشر سنوات“.
باب الفرج: البرازيل
بفضل صلابة مها وإصرارها منحت البرازيل في 2014 الأشقاء الثلاثة حق اللجوء. “البرازيل قبلتنا كلاجئين سوريين، لا ممن نطلق عليهم صفة البدون، إذ لم يكن في ذلك الوقت تعريف لتلك الفئة في القانون البرازيلي. لكن الموظفين في السفارة أرادوا بالرغم من ذلك مساعدتنا”. وفي البرازيل لم يعول الأشقاء إلا على أنفسهم. وبعد عامين تم منحهم رسمياً حق اللجوء وإذناً بالعمل.
وفي البرازيل برزت مها كمدافعة عن حقوق “البدون”: الأشخاص الذين لا يحملون أي جنسية. وألقت محاضرات في فعاليات من تنظيم المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين وأعطت مقابلات إعلامية وشاركت في أفلام. ثم وقعت جريمة مفجعة جعلت مها أكثر صلابة في الدفاع عن حقوق “البدون”: “أخي قُتل أثناء عملية سرقة. وأغضبني جداً أن يأتي إلى الحياة كشخص بدون جنسية ويموت كذلك بدون شهادة ولادة وبدون شهادة وفاة كأنه لم يكن موجوداً”.
حملة طموحة للأمم المتحدة
وفي عام 2017 دخل في البرازيل قانون هجرة جديد حيز التنفيذ يمنح حقوقاً أكثر للمهاجرين ويشمل أيضاً الذين لا يتوفرون على جنسية. وبهذا تكون البرازيل متقدمة على كثير من البلدان. وبالنسبة لمها وأختها فقد فتح القانون الجديد الطريق أمامهما لنيل الجنسية. وفي تشرين الأول/ أكتوبر 2018 نالت الشقيقتان الجنسية البرازيلية. تقول مها وهي غير مصدقة حتى اليوم أن الحلم تحقق: “خلال فعالية للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في جنيف ظهر فجأة برناردو لافيرتي، منسق لجنة اللاجئين البرازيلية، وأعلن عن ذلك. حتى الآن أشعر وكأنه حلم. لقد حقق كفاحنا غايته. لو كان أخي على قيد الحياة لكان فخوراً بنا“.
تفتخر مها بالبرازيل، ففي المناسبات الرسمية، تلف المرأة، التي تبلغ من العمر 30 عاماً وتتحدث البرتغالية بطلاقة، عنقها بالعلم البرازيلي. وهي تتطلع إلى أن تغير قوانين بلدان أخرى لمنع والقضاء على ظاهرة “البدون”. “أعتبر أنها مهمة حياتي خلق وعي أكبر بالموضوع. مجرد تعريف أي شخص بقضية البدون هو نجاح“.
وأطلقت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في 2014 حملة IBelong# لحث الحكومات على إدخال إصلاحات ومساعدة ملايين البدون على الحصول على وثائق هوية. وتعتزم المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين الحد أو حتى إنهاء ظاهرة البدون حتى عام 2024، وهذا هدف طموح يصطدم بالتوجهات القومية في الكثير من البلدان.
2019-03-05
المصدر: DW عربية