صناعة أواني القش.. تراث تحييه نساء مبدعات في إدلب
استطاعت نوف البيوش (34 عامًا) أن تحوّل حلمها البسيط إلى حقيقة، حين تعلمت مهنة صناعة القش عبر أحد مراكز تمكين المرأة في سلقين، لتبدأ بمزاولة واحدة من المهن القديمة التي شارفت على الاندثار بكثير من الحرفية والإبداع.
نوف، نازحة من مدينة كفرنبل ومقيمة في بلدة سلقين، قالت لجريدة عنب بلدي، إنها لم تتردد بالالتحاق بأحد التدريبات التي أعلن عنها مركز “زمردة” بعد دعوتهم لها لتعلم مهنة صناعة القش مع مجموعة أخرى من المتدربات، وذلك بعد أن لمسوا لديها شغفًا ورغبة بالتعلم من خلال إبداعها في صناعة الأشغال اليدوية المتنوعة التي تنشرها على صفحاتها عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
من متدربة إلى مدربة
سرعان ما تعلمت المهنة بمدة قياسية، بحسب ما أضافته، وعُرض عليها العمل مدربة في المركز ذاته، لتكون نقطة تحول في حياتها بعد ما لاقته من قسوة التهجير وضنك العيش في المخيمات.
بدأت نوف بتعليم المهنة للكثيرات، واعتمدت على مهارتها وإبداعاتها بصناعة أشياء جديدة من القش، بعيدة نوعًا ما عن التراث، كـ”الجواني” و”الصواني” والأطباق المتعددة الألوان والزخارف.
وعن أنواع القش المستخدم في هذه الصناعة، أوضحت نوف أنها عبارة عن نوعين، “قصل” طبيعي يتم استحضاره من سنابل القمح والشعير، و”قصل” صناعي ينتشر في الأسواق ومعامل الحصر.
يتم نقع “القصل” الطبيعي بالماء قبل ساعتين من استخدامه لترطيبه، ثم لفه بمنشفة ليكون جاهزًا للبدء بالعمل، ويمكن صباغة القش بألوان متعددة وفق الرغبة والطلب، واستخدام زخارف ورسوم وكتابات متنوعة على الأطباق، ما يعطيها “منظرًا مميزًا”.
ويُستخدم في نسج أطباق القش مخرز أو مسلة، وهي عبارة عن خشبة وُضع في رأسها مسمار مبرود، وتستخدم حشوة من ذات “القصل”.
وتحتاج هذه الصناعة إلى كثير من الدقة والحس الفني، والتحلي بالصبر الذي تتطلبه مزاولة هذه الحرفة.
أواني القش مصدر للدخل
عبر التدريبات المجانية التي يقدمها المركز، والتي من شأنها تمكين النساء وقت الحرب وإكسابهن العديد من المهن، انخرطت الكثيرات ممن أشرفت نوف على تدريبهن في المهنة، وبتن يعملن بها، وهو ما يعود عليهن بربح مادي، ويعتمدن عليه مصدرًا للدخل بعد زيادة الطلب على إنتاجهن الفريد والمميز، وفق المدربة نوف البيوش.
وتعتبر صناعة القش من المصنوعات التراثية التي اشتهرت بها إدلب وجبل الزاوية، لكنها مهددة بالاندثار مع تطور الصناعات وأنماط الحياة، غير أن حنين البعض إليها، وإقباله على تعلمها وعلى شرائها، أعاد لتلك الحرفة أهمية مضاعفة، خصوصًا لاعتمادها على مواد أولية بسيطة يمكن تأمينها من البيئة المحلية.
حلا الشيخ (30 عامًا)، إحدى المتدربات على مهنة القش، قالت إنها لم تكن تتوقع أن تتقن المهنة بتلك السرعة، والأهم من ذلك أنها بدأت تعتمد عليها في الإنفاق على أطفالها الثلاثة الأيتام، بعد وفاة زوجها بالقصف الذي طال مدينتها خان شيخون، منذ أكثر من عامين.
” تعلمت المهنة في البداية كنوع من الخروج من جو الملل والضغوطات النفسية هنا في مخيمات النزوح، كنت أتخبط بكيفية تدبير أموري مع أطفالي، وأنا لا أملك الخبرات أو المهارات أو الشهادات التي تساعدني في إيجاد عمل ما، غير أن تعلمي لمهنة القش شكّل لي بداية جديدة”.
وما لفت انتباه حلا هو الإقبال اللافت على شراء منتجاتها من قبل أهالي المخيم ممن يفتقدون لهذه الأواني، ويدفعهم لاقتنائها في خيامهم المتواضعة الحنين لقراهم وبلداتهم التي هُجّروا منها مرغمين.
ومع تردي الأوضاع المعيشية في إدلب، وانتشار الفقر والغلاء وانعدام الفرص، تندفع الكثيرات لتعلم المهن التقليدية التراثية التي لا تحتاج إلى رأس مال كبير، وإنما أدوات بسيطة، وبعض الحرفية والمهارة، لينتجن أدوات فنية فريدة تشكّل مصدر رزق لهن يغنيهن عن الحاجة والسؤال.
المصدر : عنب بلدي