زراعة المساكب بين الخيام تؤمن اكتفاء ذاتياً وخضرة وظلاً للنازحين
تتوزع عروق البقدونس والنعناع وشتلات البندورة والباذنجان في الفسحة التي زرعتها أم سليمان مستفيدة من الفراغات الترابية الموجودة بين الكتل الصخرية حول خيمتها. تعطي زراعة المساكب شعوراً باتساع المكان، إلا أن مساحتها لا تتجاوز أمتاراً قليلة متناثرة هنا وهناك.
الأسعار الكاوية سبباً في زراعة المساكب
تقول أم سليمان (النازحة في مخيم الأمل الطيب بقاح شمال إدلب) إن ما دفعها لزراعة الفسحات الترابية حول خيمتها أسعار الخضروات المرتفعة.
إذ يبلغ سعر باقة النعناع اليوم ليرتين تركيتين، ومثلهما للباذنجان وكيلو البندورة بليرة ونصف الليرة، وإن أقل طبخة خضار تكلف نحو عشرة ليرات تركية.
وتخبرنا بأنها وزعت في كل فسحة شتلات متنوعة من الخضار الصيفية (بندورة -باذنجان -فليفلة..)، ما شكل مورداً غذائياً وفر عليها الشراء من الأسواق
أم سليمان نموذج لكثير من سكان المخيمات الذين يتبعون نفس الأسلوب في تأمين خضرواتهم، خاصة في المناطق التي تتوفر فيها مساحات كبيرة بين الخيام.
وشكل نجاح التجربة دافعاً للبعض لصناعة أحواض صغيرة ونقل التراب إليها بهدف زراعتها.
يقول أنس المحمد إنه لم يجد فسحات ترابية مناسبة للزراعة حول خيمته، فقامت والدته بصناعة أحواض للزراعة من الحجارة والطين، وقام بملئها بتراب مناسب لببدأ الزراعة فيه منذ عام تقريباً.
تنوع في الخضار وكلفة قليلة
يسعى الأهالي للتركيز على الخضار التي يحتاجونها بشكل يومي في حياتهم، فيزرعون البقدونس البصل، الثوم، الفول، السبانخ والسلق في الشتاء والباذنجان، الطماطم، الفليفلة، اليقطين والملوخية في فصل الصيف.
ويتم التركيز على زراعة ما يلزم للطبخ بشكل أساسي، وتستثنى الخضار التي تدخل بالكماليات على حد تعبير من التقيناهم.
تختلف زراعة المساكب عن زراعة البساتين بشكل كبير من ناحية العناية والتكلفة، وهو ما شجع السكان على التجربة.
يقول ميلاد الطاري “نازح في المخيمات” إن تكاليف هذه الزراعة بسيطة جداً تتلخص بشراء بذور بقيمة بسيطة لا تتجاوز ثلاثة آلاف ليرة سورية، لأصناف من الخضار مثل الكوسا أو الخيار أو البقدونس.
في حين يعمد آخرون لتبادل الشتلات الزائدة عنهم مع شتلات من نوع مختلف عند أحد الجيران، فمن بذر نوعاً لا يحتاج لكل الشتل الذي ينبت، لاسيما أن مساحات الزراعة صغيرة، وتحتاج لتنوع الخضار، إذ لا تتجاوز المساحة المزروعة للعائلة الواحدة نحو عشرين متراً مربعاً.
لا يستخدم الأهالي أي مبيدات حشرية أو أسمدة لتحسين إنتاجية النبات ما يوفر عليهم مصاريفها، فضيق المساحات المزروعة، تجعل من الاهتمام البشري كفيلاً بنجاحها.
وتتفاوت نسب الاستفادة من هذا النوع من الخضار بين سكان الخيام، على حسب حجم المساحات المزروعة، وعدد أفراد العائلة.
وقدر من التقيناهم أنها توفر على العوائل الكبيرة 50% من احتياجاتهم اليومية في حين قد تكتفي العائلة الصغيرة منها بشكل كامل.
مذاق طيب وزينة وظل
تمنح زراعة المساكب المساحات الفارغة بين الخيام مشهداً أكثر جمالاً، أضافة لمذاق مفضل يرجعه المزارعين للتعب والابتعاد عن المواد الكيميائية.
يقول محمود الزهراوي “نازح في المخيم” هذه الزراعة مكنتنا من الحصول على الخضار الطازجة، إذ تقطفها من الشتلة للسفرة مباشرةً، فلحبة الفليفلة أو قرص الطماطم مذاق خاص ومختلف عما تشتريه من الأسواق، إضافة لضمان نظافتها خصوصاً مع انتشار ري الخضار من مياه الصرف الصحي”.
وترى والدة محمود في زراعة المساكب ما يمنح التلال الجرداء لون الحياة، ويعيدها بالذاكرة لحقولها المروية بريف حماة على ضفاف العاصي، فلقد اعتادت طيلة حياتها أن تأكل من زرع يديها، ولابد من الاستمرار بذلك ولو ببضع شتلات من كل نوع.
ويعمد بعض سكان الخيام لزراعة النباتات المتسلقة مثل اليقطين، والذي يمتاز بضخامة أوراقه بهدف تعليقه على أطراف الخيام ما يمنح الخيمة عازلاً طبيعياً ويساهم بتخفيف حرارة الشمس في فصل الصيف.
لزراعة المساكب فوائد عديدة بما تحققه من اكتفاء ذاتي، وخضار طازجة، وهي حل جزئي للتخفيف من وحشة المخيمات التي عادة ما تقام على أراض صخرية، وكذلك الغبار، بكلفة وجهد بسيطين، كما أن الاهتمام بها يشكل وسيلة للتسلية وتمضية الوقت بما هو مفيد للعائلة معنوياً ومادياً.
المصدر : فوكس حلب