المخيمات العشوائية.. خطر يهدد الزراعة في ريف إدلب
اتفق ياسر العلي، البالغ من العمر 42 عامًا، مع مجموعة من النازحين في قرية كفر عروق بريف إدلب الشمالي، على تأجيرهم أرضه التي كان يزرعها بالقمح والشعير منذ خمس سنوات.
وشُيّد على الأرض، التي تبلغ مساحتها عشرة دونمات، مخيم أسمنتي من دون دراسة تنظيمية في أثناء بنائه، واختيرت هذه الأرض الزراعية لتكون مكانًا للمخيم بسبب قربها من المناطق السكنية والطريق العام، وفق ما قاله ياسر العلي لعنب بلدي.
مع كل موجة نزوح للأهالي إلى الشمال السوري، تتحول مساحات زراعية جديدة في ريف إدلب الشمالي إلى تجمعات من الأسمنت العشوائي، حيث تُبنى بعيدًا عن الهندسة التنظيمية في أغلب الأوقات، آخذين بعين الاعتبار فقط احتياجات النازحين.
الحاجة إلى مساكن مناسبة
في قرية كفر دريان بريف إدلب الشمالي، استأجر نازحون أرضًا زراعية قريبة من مدينة سرمدا، وتبلغ مساحتها ثمانية دونمات، “كان إيجارها 700 دولار في العام”، بحسب ما قاله إبراهيم المحمود (45 عامًا) لعنب بلدي، وهو أحد النازحين في المخيم من قرية الشيخ إدريس بمدينة سراقب.
ويعتبر تأمين مسكن مناسب للعيش فيه أولوية مهمة لكل عائلة نزحت من قريتها، وبالتالي فإن بناء المخيمات على الأراضي الزراعية قد يكون مؤقتًا لحل هذه المشكلة وعودة الأهالي إلى مناطقهم الأصلية، وفق ما يراه إبراهيم المحمود، لأن الجميع لهم الحق بمسكن مناسب لعوائلهم.
وفي أيلول عام 2020، أعلنت منظمة الإغاثة وحريات الإنسان التركية (İHH) إكمالها المرحلة الأولى من بناء “قرية السلام”، بمنطقة الزوف في ريف إدلب الغربي، بإتمام بناء 50 بيتًا أسمنتيًا، وتسليم البيوت المكتملة لأسر الأيتام في المنطقة.
وكانت المنظمة، بحسب موقعها الرسمي، بدأت بإنشاء القرية على مرحلتين لبناء 100 بيت أسمنتي بمنطقة الزوف، أنهت المرحلة الأولى منها، وتعمل على إتمام بناء منازل المرحلة الثانية من القرية، التي تضم 50 منزلًا آخر.
ونقل الموقع عن المسؤول الإعلامي لأنشطة المنظمة في سوريا، سليم طوسون، قوله إن القرية مبنية في موقع قريب من الحدود التركية- السورية، وتبلغ مساحة المنزل الواحد فيها 40 مترًا مربعًا، يتضمن غرفتين، ومطبخًا، وحمامًا، ودورة مياه، وحديقة صغيرة تحيط به، مشيرًا إلى أن المنظمة تخطط لبناء مدرسة ومسجد في القرية.
“قرية السلام” واحدة من حوالي 30 مشروعًا سكنيًا تُشرف على بنائه “هيئة الإغاثة التركية” في مناطق الشمال السوري، كبديل للنازحين عن خيامهم، ولتوفير الحد الأدنى من الاحتياجات الإنسانية لهم.
قلة مساحات الزراعة تعني قلة الغذاء
يرتبط المخيم بحق النازحين في السكن المناسب لهم، في نفس الوقت ترتبط المحافظة على الأراضي الزراعية في توفير الموارد الغذائية للسكان في محافظة إدلب بشمال غربي سوريا.
وللقيام بالأعمال الزراعية لا بد من توفر عوامل عديدة، أولها وأهمها تأمين أراضٍ قابلة للزراعة فيها، وهذه المساحات التي تُبنى عليها المخيمات الأسمنتية مخصصة لتربية الماشية وإنتاج المحاصيل التي تتطلب إعادة زراعتها بشكل سنوي، وفق ما أوضحه المهندس الزراعي حسن العبس في حديث إلى عنب بلدي.
وتعاني محافظة إدلب في الأساس من قلة المساحات الزراعية بعد أن سيطر النظام السوري على قرى في الريف الجنوبي من المنطقة منذ آذار 2020، ويضاف إلى تلك المشكلة، كثرة المخيمات العشوائية التي بدأت بالتضييق على الإنتاج الزراعي وقلة المحصول، وفق ما قاله المهندس الزراعي.
قلة المساحات القابلة للزراعة تعني بالضرورة انخفاضًا في كمية الغذاء المقدمة للسكان في إدلب، وفق ما يراه المهندس الزراعي، كما أن عمليات البناء العشوائي قد تؤثر على الوظائف الحيوية في الإنتاج، وبالتالي تتسبب بتدهور جودة التربة الزراعية، وهو نوع من أنواع انجراف التربة الفيزيائي.
ونوّه المهندس الزراعي إلى أن مشكلة انجراف التربة سيزيد من تكاليف إعادة استصلاح الأراضي، وعودتها صالحة للزراعة، ولذلك لا بد من توعية الناس إلى مخاطر هذه المشكلة، والعمل على إيجاد حلول لبناء هذه المخيمات بشكل مدروس بعيدًا عن الأراضي الزراعية، مثل تخصيص أراضي أملاك الدولة أو أراضي حرجية غير قابلة للزراعة كي تُبنى عليها المخيمات والقرى السكنية للنازحين بإشراف الجهات المعنية في المنطقة.
محاولات حكومية لحل المشكلة
تحدثت عنب بلدي إلى معاون مدير شؤون المخيمات في إدارة التنمية بحكومة “الإنقاذ” العاملة في إدلب، محمد عبود، لمناقشة المشكلة معه، وقال إن إدارة التنمية “شكّلت لجنة من وزارة الزراعة ووزارة التنمية والشؤون الإنسانية لإحصاء هذه المخيمات ونقلها إلى أماكن أخرى”.
وبحسب ما قاله عبود، فإن اللجنة المشكّلة من قبل إدارة التنمية بدأت بنقل بعض المخيمات العشوائية المقامة على أراضٍ زراعية إلى أراضٍ تابعة لأملاك عامة، ونقل بعضها الآخر إلى مخيمات سكنية بُنيت خلال الفترة الماضية تحت إشراف مهندسين مختصين، ويجري استكمال نقل بقية المخيمات إلى أماكن أخرى حتى الانتهاء منها بشكل كامل.
وحتى يأتي موعد عودة النازحين إلى مدنهم وبلداتهم الأصلية، وعودتهم إلى منازلهم وأراضيهم وممتلكاتهم، وتأكيدهم مجددًا سيطرتهم عليها، تتراكم الأعباء على المهجرين في تأمين مكان السكن، بالتزامن مع ضرورة تمكينهم أن يعيشوا في ظروف تحترم، في جملة أمور، حقهم بمسكن يليق بكرامتهم.
المصدر : عنب بلدي