مشاريع دعم الزراعة شمالي سوريا وانعكاساتها على الفرد والمجتمع
تلقى مشاريع دعم القطاع الزراعي رواجاً في شمال غربي سوريا، واهتماماً مقبولاً من الجهات الحكومية، ومنظمات المجتمع المدني، لما لها من تأثير إيجابي على الفرد والمجتمع، وفوائد تشمل تأمين الاكتفاء الذاتي من الخضراوات، وتصدير الفائض إلى الخارج، وتشغيل اليد العاملة، لا سيما في المخيمات.
وبالرغم من الأضرار التي لحقت بقطاع الزراعة، من جراء شح المياه، وسيطرة قوات النظام على مساحات واسعة من الأراضي في إدلب وما حولها، وعزوف مئات المدنيين عن زراعة أراضيهم بسبب ارتفاع أسعار البذور والأسمدة، إلا أن عدة جهات بادرت إلى تقديم منح للمزارعين لمزاولة عملهم بما يضمن استمرارية الإنتاج، وتحسين الدخل.
رصد موقع تلفزيون سوريا ثلاثة مشاريع تعنى بدعم المزارعين، في إدلب وريف حلب الشمالي، وبلغ عدد المستفيدين منها نحو 32 ألف مزارع، ويأمل القائمون على هذه المبادرات أن تساهم في إنعاش الاقتصاد في الشمال السوري، وتحسين الأمن الغذائي والحد من الفقر.
مشروع لـ الحكومة السورية المؤقتة
أعلنت المديرية العامة للزراعة والثروة الحيوانية في الحكومة السورية المؤقتة مطلع العام الحالي عن البدء بمشروع لدعم إنتاج الخضراوات في اعزاز ومارع وصوران وأخترين والراعي والباب وقباسين وبزاعة والغندورة وجرابلس في ريف حلب.
يبيّن مدير المديرية العامة للزراعة والثروة الحيوانية والري الدكتور باسم محمد صالح، أن عدد المستفيدين من المشروع يفوق 2000 مزارع، وتبلغ المساحة الكاملة للمشروع 500 هكتار، بمساحة 2.5 دونم لكل مزارع.
ويحظى المشروع بدعم من صندوق الائتمان لإعادة إعمار سوريا، ويتم بموجبه تسليم المزارعين المستهدفين في مناطق عمل المشروع بذور خضراوات، وسماد كيميائي عضوي، وبكرات ري بالتنقيط، ونايلون ملش، ومبيدات حشرية وفطرية، وأقفاص بلاستيكية لجني المحصول.
وأفاد “صالح” لموقع تلفزيون سوريا بأن المشروع بدأ مطلع العام الجاري، ومدته 18 شهراً، ومن البذور التي يتم توزيعها للمزارعين (البندورة – الفليفلة – الباذنجان – الخيار – الفاصولياء)، فيما يُجري عدة مهندسين جولات على الأراضي، لتقديم الخدمات الإرشادية وتبادل الخبرات بين الفنيين والمزارعين، وتقديم النصائح.
30 ألف مستفيد بمشروع وحدة تنسيق الدعم
يشارف مشروع لـ وحدة تنسيق الدعم على الانتهاء منتصف العام الحالي، بعد انطلاقه بـ 28 شهراً، وقد استهدف 30 ألف مزارع في مدن الباب وجرابلس واعزاز وعفرين بريف حلب الشمالي.
وقال المهندس محمد حميدي، مدير مشروع التمكين الزراعي في وحدة تنسيق الدعم، إن المشروع يهدف إلى إعادة وصل المزارعين بالعمل الزراعي، وذلك من خلال محورين رئيسيين، الأول توزيع المدخلات الزراعية، والثاني تفعيل عمل وحدات الإرشاد الزراعي والتركيز على أهمية الدعم التقني للمزارعين من قبل مهندسين زراعيين متخصصين وذوي خبرة عالية.
ويشير “حميدي” في حديث لموقع تلفزيون سوريا، إلى افتتاح 33 وحدة إرشادية في شمالي سوريا، وتوزيع 2660 طناً من مادة السماد الزراعي لـ 13300 مزارع، بمعدل 200 كغ لكل مستفيد، إضافة لتنفيذ 1162 زيارة حقلية للكشف المبكر عن الآفات التي تصيب المحاصيل وتقديم الإرشادات اللازمة، و121 زيارة ميدانية للكشف عن أمراض الثروة الحيوانية وتقديم التشخيص المناسب من قبل أطباء بيطريين من كوادر الوحدات الإرشادية.
وشمل المشروع تنفيذ 28 تدريباً على طريقة رش المبيدات ومكافحة الآفات بشكل عملي، وحملة توعوية تضمنت أكثر من 34 ندوة إرشادية للمزارعين، و5 نشرات زراعية و5 فيديوهات إرشادية مصورة و17 منشورا توعويا تم إطلاقها عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
مشروع يستهدف 150 عائلة في إدلب
من جانبها أطلقت جمعية “عطاء” للإغاثة الإنسانية مشروعاً لدعم قطاع الزراعة والصناعات الغذائية، واستهدف 150 عائلة في محافظة إدلب.
وبحسب صافي الحايك منسق المشاريع الزراعية في جمعية عطاء، فإن المشروع بدأ مطلع العام الحالي وسينتهي بنهاية شهر آب المقبل، ويتركز في قريتي عدوان وعرب سعيد في محيط مدينتي إدلب وأريحا.
ويستفيد من المشروع 100 شخص من مزارعي الخضراوات الصيفية، من خلال تلقيهم المدخلات الزراعية التي شملت الأسمدة والمخصبات العضوية والمبيدات وأنابيب الري، إضافة للتدريبات الزراعية التقنية.
وكذلك تستفيد 25 عائلة من النازحين والمقيمين، من المشروع نفسه، ويتم ذلك عبر تلقيهم تدريبات متخصصة في الصناعات الغذائية كالأجبان والألبان، مع منح مالية لهم للبدء بمشروعاتهم الخاصة ودعمهم في تسويق منتجاتهم.
وذكر “الحايك” لموقع تلفزيون سوريا أنهم سيبنون في المرحلة الأخيرة من المشروع سوقاً شعبياً يتسع لـ 50 نقطة بيع في مدينة سرمدا، وفق تصميم هندسي حديث، بحيث يستوعب 50 بائعاً، مشيراً إلى أنهم سيقدمون منح مالية لـ25 منهم للبدء بمشاريعهم الخاصة.
أحد المزارعين يروي التجربة والمصاعب
ذكر المزارع محمد خالد قرمزي، من سكان منطقة السلامة شمالي حلب أنه تسلّم البذور من الحكومة السورية المؤقتة في شهر شباط الماضي، ووزعها على 4 دونمات.
وتسلّم “قرمزي” سمادا عضويا ومبيدات حشرية، وبكرات تنقيط مياه، ومبيدا فطريا، وقال إنه لم يكن قادراً على بدء هكذا مشروع – رغم صغره- لولا تلقيه المواد اللازمة والدعم.
ومن المشكلات التي تواجه المزارع، هي ارتفاع سعر المازوت، وأعرب “قرمزي” عن أمله في أن يشمل مشروع الحكومة المؤقتة في المستقبل تقديم المازوت، أو ألواح الطاقة الشمسية، نظراً لأهميتها في تشغيل الآبار واستخراج المياه لري المزروعات.
وأوضح في حديث لموقع تلفزيون سوريا أن أسعار البذور والمبيدات في الأسواق مرتفعة ولا تتناسب مع دخل المواطن، لذا فإن توفير هذه المواد كل عام من قبل الحكومة، يسهم في تنشيط الزراعة وزيادة الإنتاج.
ومن النقاط الإيجابية لمثل هذه المشاريع – حسب “قرمزي” – اكتفاء الأسواق المحلية من الخضراوات، وتقليل الاعتماد على الخضراوات المستوردة من تركيا، ما يعني تحسين الدخل للعائلات المستفيدة.
وأضاف: “بدلاً من استيراد الخضراوات من تركيا، سيكون بمقدورنا تصديرها نحن إلى هناك، وكذلك سيكون باستطاعتنا عبر هذه المشاريع تشغيل اليد العاملة، وخاصة الرجال والنساء في المخيمات، من خلال العمل في جني المحاصيل ورعايتها والسقاية”.
عينة من أسعار البذور والأسمدة
كانت حصة كل مزارع مستفيد من المشروع المنفذ من الحكومة السورية المؤقتة، تحتوي على شبكة تنقيط مياه تغطي 2.5 دونم، و3 أكياس من السماد المركب وزن 50 كيلو غرام، و3 أكياس من السماد الذواب وزن 10 كيلو غرام، و4 عبوات مبيد حشري، و4 عبوات مبيد فطري.
وذكر المهندس الزراعي غسان عبود، أحد المشرفين الميدانيين على تنفيذ مشروع الحكومة المؤقتة أن سعر عبوة المبيدات الحشرية يتراوح بين 12 و15 دولارا، والمبيدات الفطرية بين 11 و13 دولارا، والأسمدة الذوابة بين 15 و20 دولارا (10 كيلو غرام).
أما أسعار البذور، يبلغ سعر ظرف بذور البندورة 28 دولارا، والخيار 28 دولارا، ووفقاً لـ “عبود” فإن الأسعار مرتفعة كون معظم هذه المواد مستوردة من الخارج بالعملة الصعبة.
انعكاسات المشاريع على الفرد والمجتمع
أوضح “عبود” في حديث لموقع تلفزيون سوريا أن الغاية من هكذا مشاريع دعم الأسر الزراعية وتأمين المستلزمات لضمان الإنتاج الوفير، وكذلك توفير فرص عمل – خاصة للنازحين – والحد من الهجرة.
وتساعد المشاريع على توفير الخضراوات في الأسواق المحلية، والحد من استيراد الخضراوات من الخارج بأسعار مرتفعة، وربما يمكن لاحقاً التصدير وإنعاش الاقتصاد والحركة الشرائية في المنطقة.
ولفت إلى وجود مشروع قيد الدراسة، يتمثل بتزويد 230 بئراً من المياه، بألواح الطاقة الشمسية من أجل توفير ثمن الوقود على المزارع، ومساعدته على زرع مساحة أكبر من أرضه.
التحديات
قال “صافي الحايك” إن المعوقات الحالية تتمثل بضعف تمويل المشاريع الزراعية الاستراتيجية في شمال غربي سوريا، إلى جانب المخاوف من إغلاق معبر باب الهوى أمام المساعدات الإنسانية، مما يعيق العمل الإنساني ويؤثر سلباً على الأمن الغذائي في المنطقة.
فيما ذكر المهندس “حميدي” أن عدد المزارعين في الشمال السوري يبلغ أضعاف عدد المستفيدين من المشروع الذي أطلقته وحدة تنسيق الدعم، وهو ما يمكن اعتباره تحدياً في المستقبل، كون آلاف المزارعين لا يتلقون الدعم للارتقاء بمشاريعهم.
ويضاف إلى قائمة التحديات، عدم التزام الداعمين بالجداول الزمنية للدفعات المالية، مما أدى الى توقف عملية توزيع المدخلات الزراعية عن بعض المستفيدين، حسب “حميدي”.
ويوضح المهندس أن فئة كبيرة من المزارعين في المنطقة المستهدفة ما زالت تمتلك عقلية تقليدية، ويصعب إقناعها بالانتقال إلى طرق الزراعة الحديثة وتجنب الممارسات الخاطئة.
ومن المفترض أن تطلق وحدة تنسيق الدعم في الفترة المقبلة مشروعاً جديداً في منطقة إدلب، سيتم بموجبه إحداث مخبر تحليل تربة مجهز بتقنيات عالية وكوادر مدربة بشكل احترافي، وذلك في إطار المشاريع الهادفة إلى الارتقاء بقطاع الزراعة مستقبلاً.
المصدر : تلفزيون سوريا