“ثنائي القطب” النفسي يزداد في إدلب.. ما هو وما أسبابه؟
عمر حاج احمد
فجأة تحوّل الشاب الثلاثيني (علي) من شاب قليل الانخراط بمجتمعه متوسط الثقافة إلى آخر فارطٍ بكثرة العلاقات الاجتماعية، متحدثٍ بلغة المثقفين الكبار وبمفاهيم لغوية أشبه بلغة جهابذة الفلاسفة، حتى بات يظنّ نفسه مُنقذ البشرية من أُتون الحروب، طارحاً أفكاره التي لا تخطر ببال أحد.
ومثله ذاك الرجل الخمسيني (أبو جميل) الذي انقلب حاله من نازحٍ مهجّر في خيمته إلى رئيس دولة يأمر وينهى فيها، وبات يظنّ أن خيمته هي قصره الرئاسي الفخم ومصدر أحكامه وقوانينه، دون أن يُدرك حيثيات ما يقول أو ما يفعل.
بينما الشاب (خالد العلي) انقلب حاله عكساً، حيث تغيّر حاله خلال أيام من شاب طموحٍ متميّز بدراسته الجامعية في كلية التربية، إلى شاب منطوٍ على نفسه، شديد الكآبة، وقد حاول الانتحار أكثر من مرة.
هذه الحالات النفسية ومثلها الكثير، يصفها الدكتور “أحمد العثمان” العامل في وحدة الأمراض النفسية بمدينة سرمدا، بأنها حالات سببها مرض “ثنائي القطب” النفسي، ويتميّز هذا الاضطراب – مرض ثنائي القطب – بنوبات يكون فيها مزاج الشخص ومستويات نشاطه مضطربة بشكل كبير جدا ، فإما يكون على شكل انتشاء في المزاج وزيادة في الطاقة والنشاط وتسارع في الأفكار، وهنا يُسمى (الهوس)، أو يكون على شكل مزاج محبط وانخفاض في الطاقة والنشاط، وهنا يُسمى (الاكتئاب).
تزايد الحالات النفسيّة
يؤكد الدكتور “محمد العلي” المختصّ بالأمراض النفسية زيادة نسبة الاضطرابات النفسية بين المدنيين في إدلب، وأن عدد المراجعين للعيادة بات بازدياد، إذ إن أغلبهم يشكون من اضطراب القلق والضغط النفسي الحاد والاكتئاب مع نيّة الانتحار، إضافة لاضطرابات ثنائي القطب ونوبات الهَوَس الحادة.
ويُضيف الدكتور “العلي” لأورينت نت قائلاً: “لدينا عدة حالات أسبوعيا ، يُعاني أصحابها من اضطراب ثنائي القطب، حيث يُعاني بعضهم من نوبات اكتئاب حادة وطاقة منخفضة مع أفكار انتحارية، والبعض الآخر يُعاني من نوبات هوَس وقلّة في النوم وفرط بالطاقة المصحوبة بثرثرة شديدة، وجميعها تحتاج لمشفى وعلاج يمتد من عدة أسابيع إلى سنتين”.
وهذا ما أكّده الدكتور أحمد العثمان لأورينت نت، بأن “نسبة المصابين باضطرابات ثنائي القطب في إدلب تجاوزت 1% من إجمالي المُقيمين في المحافظة، وهو رقم ليس بالقليل، وأغلب المصابين به تتراوح أعمارهم بين 20-40 عاماً، وجميع نوبات هذا الاضطراب تبدأ بانقلابات في السلوك غير مقبولة اجتماعياً مع فظاظة غير معهودة”.
ويُوضّح العثمان بعض النقاط بقوله: “اضطرابات ثنائي القطب تُصيب الجنسين بالتساوي، ولكن نوبات الهوَس تُصيب المرأة أكثر من الرجل، فيما نوبات الاكتئاب تُصيب الرجل أكثر، ويستمر علاج نوبات هذه الاضطرابات بين 4 و 8 أسابيع كأقل تقدير”.
فيما يرى الدكتور “عزيز الفريج” المختصّ بالطبّ النفسي، أن الأمراض النفسية باتت أكثر الأمراض شيوعاً في المناطق المحررة، ويذكر بعضها قائلاً: “أكثر الأمراض النفسية شيوعاً هو الاكتئاب يليه الذّهان، بالإضافة لاضطرابات القلق والكرب، وكذلك الصرع واضطرابات ثنائي القطب النفسية”.
ما السبب ؟
وعن سبب تزايد حالات مرض واضطرابات ثنائي القطب، يقول الدكتور أحمد العثمان لأورينت: “أغلب المراجعين لوحدة الأمراض النفسية بسرمدا، أثّرت بهم الحرب والظروف المعيشية والنزوح والتهجير وفقدان الأعزّاء فاضطربت حالتهم النفسية، وأصيب بعضهم بمرض ثنائي القطب أو بأمراض نفسيّة أخرى، ومن الملاحظ لدينا ازدياد نسبة هذه الاضطرابات بشكل كبير بين الناس، مما يزيد الضغط علينا وعلى الداعمين النفسيين”.
وأرجع كذلك الدكتور عزيز الفريج سبب انتشار هذه الاضطرابات إلى الظروف التي تمرّ بها البلاد، وقال: “باتت الأمراض النفسية أكثر الأمراض شيوعاً، بسبب الحرب وظروف البلاد من قتلٍ وتدمير وخوفٍ بالإضافة للظروف المعيشية والنزوح وفقدان الأهل والديار، عدا عن كثرة الحوادث وحالات الرعب المحيطة بنا، فكل هذا سيزيد حتماً من الاضطرابات النفسية لدى الناس”.
أما الدكتور “سامر السيّد” اعتبر أن هناك أسباباً أخرى لتزايد اضطرابات ثنائي القطب، فعدا عن ظروف الحرب والنزوح والوضع المعيشي الذي يمثّل السبب الرئيسي لتزايد حالات مرض ثنائي القطب والكثير من الأمراض النفسية الأخرى، إلا أن هناك عوامل أخرى لتزايدها، فوسائل التكنولوجيا أحد أسبابها كالاستخدام المفرط للجوال من قبل الأطفال والمراهقين، وهذا سبّب اكتئاب للكثير بالإضافة للتفكير بالانتحار أو اختراع أفكار لا تمتّ للواقع بصلة.
وأضاف الدكتور السيد في حديثه لأورينت نت “كما أن حالات التعذيب ضمن المعتقلات وما يرونه من جرائم لا يحتملها العقل، هي أحد أسباب اضطرابات ثنائي القطب، ويمكننا القول أن العامل الوراثي هو أقلّ الأسباب المؤدّية لاضطرابات ثنائي القطب في إدلب بعكس أغلب الدراسات”.
المصدر : اورينت نت