إدلب.. هل يسقط النظام السوري عند أسوارها
اسامة اغي
لا يزال صدى تصريح الجنرال التركي سنان يايلا، قائد الجيش الثاني سابقًا، يحيل إلى إجابة محددة، بشأن الوجود العسكري التركي في إدلب والشمال عمومًا، إذ قال في شباط الماضي: “إن القوات الخاصة التركية الموجودة في سوريا حاليًا هي قوات عسكرية، وليست قوات مراقبة، وهدفها تنفيذ سوتشي بالقوة، ويتم التحرك حسب احتياجات الميدان”.
هذا التصريح يفسّر دخول سبع قوافل عسكرية من معبر “كفر لوسين”، في 17 من آب الحالي، ويبدو أنها لن تكون القوافل الأخيرة التي ستدخل الأراضي السورية نحو عمق محافظة إدلب. كما أنه يوضح أن حجم القوات التركية الموجودة على الأرض السورية ليس للاستعراض العسكري، بل لردع أي محاولة يقامر بها النظام السوري، من أجل تعديل موازين القوى لمصلحته؟
بالمقابل، لا يزال النظام السوري وحليفه الإيراني يعملان على حشد القوات لاقتحام إدلب، مستندين إلى تأييد روسي غير معلن، ولكن ملامح هذا التأييد تظهر من خلال الغارات الروسية على هذه المنطقة.
الأتراك الذين حشدوا كل هذه القوات، التي يقول عنها مراقبون إنها بلغت قرابة 20 ألف جندي، مع حشدٍ هائلٍ من السلاح الثقيل المتطور، وسندٍ خلفي عند الحدود هي قوات الجيش التركي الثاني، هم لم يحشدوها لتثبيت نقاط المراقبة المتفق عليها فحسب، بل لمنع قوات النظام من محاولة مهاجمة هذه المنطقة، والتأثير على الأمن القومي للدولة التركية، وكذلك لدرء أي محاولة للتغيير الديموغرافي يريد النظام السوري القيام بها.
ولعلنا لا نُغفل تصريحات جيمس جيفري الأخيرة، التي قال فيها: “موسكو هي السبب الرئيس في بقاء نظام الأسد حتى الآن”، وألمح كذلك إلى عدم جديتها في إيجاد حل سياسي شامل في سوريا.
تصريحات جيفري تحدثت أيضًا عن تنسيق عالٍ في الملف السوري ككل، وملف إدلب بشكل خاص.
أمام هذه التصريحات والحشود، هل نستطيع القول إن النظام السوري ذاهب إلى حرب في إدلب؟ وما القدرات التي تؤهله لربحها؟ وهل الروس سيدخلون هذه الحرب؟ وما دوافعهم فيها إن فعلوا ذلك؟
النظام السوري، إن حاول دخول حرب إدلب ضد “الجيش الوطني” والقوات التركية هناك، فهو سيدخل مغامرة عسكرية، تدفعه إليها شروطه السياسية والاقتصادية والوضع العام في مناطقه.
هذه الشروط تكشف عن العجز الذي يخوض في وحله حتى أذنيه، فهو (أي النظام السوري) يعيش فاقة اقتصادية قد تقود حاضنته في أي ظرف مقبل إلى الثورة ضده، كذلك تزداد أنشطة العقوبات الاقتصادية الأمريكية ضغطًا على عنقه، لإجباره على مغادرة موقعه السياسي السابق، هذا الموقع المتمثل بحلفه مع إيران واستراتيجيتها في المنطقة.
مغامرة النظام السوري، وبتشجيع من حلفائه الإيرانيين، إن قام بها في إدلب ضد “الجيش الوطني” وفصائل المعارضة عمومًا، وضد الوجود العسكري التركي، فهو عمليًا يكون قد خرق علنًا اتفاق “سوتشي” بين الرئيسين أردوغان وبوتين، الذي تمّ التوصل إليه في آذار الماضي، ويكون قد صار أسيرًا لحالة حرب، لا يستطيع ضمان انتصاره فيها، لا سيما أنه جرّب ذلك في حرب إدلب الأخيرة.
ولكن النظام الذي يعيش في ظل كل الضغوطات، لا يبدو أنه مستعد للذهاب إلى العملية السلمية في جنيف بصورة إيجابية، فهو لا يزال يعتمد على الدور الروسي الحامي له، والمعطّل للجهود الدولية، لتنفيذ محتوى القرار الصادر عن مجلس الأمن رقم 2254 لعام 2015.
إن النظام الذي بنى كل حربه على الشعب السوري، رافضًا تقديم تنازلات جوهرية تتعلق ببنية نظام حكمه الاستبدادي، لا يزال يحلم أن يحقق انتصارات تسمح له بإعادة تجديد نفسه بعد حرب مدمرة، فحاجته إلى الحرب تتعلق بوضعه المأزوم اقتصاديًا وسياسيًا، وحتى عسكريًا.
حلم النظام هذا، لا يزال يجد تبريرًا له في الدور الروسي المخادع، هذا الدور يدّعي القبول بعملية الانتقال السياسي وفق القرار 2254، ويقوم بتعطيل إجراءات تنفيذه، عبر التسويف، واختلاق حجج ومطالب ثانوية من أجل طمس المطلب الرئيس في الصراع وحلّه، بكسب الوقت والمراهنة عليه، لعلّ تغيرات تحدث في عواصم القرار الدولية تسمح للروس بتنفيذ أجندتهم وفق مسار “أستانة” “وسوتشي”، حسب تفسيرهم لهذين المسارين.
ولهذا، يبدو حديث جيمس جيفري، المبعوث الأمريكي لملف الصراع السوري، واضحًا في اتهامه للروس بأنهم هم من أبقى نظام الأسد قائمًا حتى الآن، وهو حديث يكشف عن عدم توافق أمريكي- روسي ناجز ونهائي على فرض مسار الحل السياسي للصراع السوري.
لكنّ الروس يدركون أنهم لن يستطيعوا لي ذراع تركيا في إدلب، فالأتراك الذين حشدوا كل هذه القوات في الشمال السوري، لن يغادروا الأرض السورية قبل أن يتم تنفيذ قرار الأمم المتحدة الخاص بالحل السياسي في هذا البلد، ولهذا يبدو الدور الروسي في استهداف مناطق إدلب ليس أكثر من محاولات إرسال رسائل قرأها الأتراك بصورة صحيحة، وجوابهم عليها كان عبر تعميق وتكثيف وجودهم العسكري في الشمال السوري.
الدرس الذي تعلمه الروس في حربهم ضد إدلب، في شباط الماضي، لم يغب عن بالهم، بل هم على يقين أن الأتراك لن يسمحوا للنظام برمي ما يعانيه من أزمات خطيرة تخص وجوده على حدودهم، وهذا ما يفسّر تصريحات الجنرال سنان يايلا، التي قال فيها إن القوات التركية في سوريا ليست قوات مراقبة، وهذا يعني أنها قوات حرب، حيث ذكر “إذا تدخل الجيش الثاني فالهدف سيكون حلب”.
وبالتالي فالروس، الذين يلوحون عبر النظام بحرب على إدلب، يعرفون أنها خاسرة، ولذلك هم لا يريدون بصورة جدية هذه الحرب، وإنما يريدون كسب وقت إضافي لحليفهم النظام، بانتظار الاستحقاقات السياسية الكبرى لملف الصراع السوري، لعلهم يحصلون على امتيازات أوسع مما يُعرض عليهم أمريكيًا.
إن إقدام النظام السوري على الحرب في إدلب، ومراهنته على دور روسي فيها، ربما سيقرّب من نهايته السياسية، فلا أحد يستطيع التكهن بنتائج هذا الحرب المفصلية، التي قد تطيح بكل إنجازات الروس، التي حققوها خلال سنوات تدخلهم العسكري المباشر في الصراع السوري منذ قرابة خمسة أعوام.
فهل يفعلها النظام، وتكون نهاية وجوده السياسي عند أسوار إدلب؟ ربما يحدث ذلك، فمن قامر ببلد إلى النهاية، لن تضيره مقامرته الأخيرة.
المصدر : عنب بلدي