إليك عزيزي المدير
هالة القدسي
الإدراة تتطلب مهارات تتعدى كونه شخصاً متميزاً بمهارات فنية أو أفكار تجارية، في الوقت الذي يفتقر فيه إلى أساسيات التعامل “البشري” مع من حوله
لن يغص البحر بموجتك، الأمواج كثيرة.. ولكن حذارِ أن تركبها وأنت لا تجيد السباحة لأنك غارق لا محالة و احتمالات سقوطك عنها أكبر بكثير من احتمال وصولك إلى الشاطئ بسلام..
عن الامتهان أتحدث
في رحلة البحث عن الأعمال الناحجة والتي تدر أرباحاً كبيرة، يتجه كثير من أصحاب الأموال لركوب الموجة واستغلال الدارج لتحقيق النجاح، ولكن أين تكمن المشكلة؟
تكمن المشكلة في المؤهلات وحسن الإدارة والقيادة والقدرة على التعامل مع فريق العمل، فكون الشخص صاحباً للمال لا يعني بالضرورة أن يكون مديراً للعمل، فالإدراة تتطلب مهارات تتعدى كونه شخصاً متميزاً بمهارات فنية أو أفكار تجارية، في الوقت الذي يفتقر فيه إلى أساسيات التعامل “البشري” مع من حوله.
في السنوات الأخيرة، وفي ظل الحروب والتهجير، اضطر الناس من أجل العيش إلى تجريب “مصالح” جديدة والعمل في غير اختصاصاتهم، وهؤلاء الباحثين عن لقمتهم ولقمة أولادهم غالباً ما يتعرضون للاستغلال من قبل أصحاب المال ذوي النظرة التجارية، فالموظف بنظرهم “آلة” ينبغي أن لا تتوقف عن الإنتاج، وبما أن في أغلب المؤسسات يكون صاحب المال هو المدير، فالنتيجة تقريباً متشابهة.
في أكثرالأحيان يعتبر المدير نفسه قائداً متميزاً، ويصاب بجنون العظمة، ويعتقد أن تميزه هذا يعطيه حقوقاً دون سواه، لأنه بنظر نفسه مغفور الذنب والأخطاء، وتصرفاته محببة لمن حوله، وهو دائماً على صواب ورأيه مهم جداً، ومن وجهة نظره، هو المسيطر على الجميع، ويفرض معتقداته بثقة كبيرة، خاصة بعد أن صنع المال حوله هالة انبهار به، فينتقص من جهود الآخرين وربما يسخر منهم ويتعامل معهم باستعلاء، وأحياناً يصل به الأمر إلى التعدي على حريات الموظفين، أو إحراجهم بفرض نفسه وأفكاره عليهم أو بطلب خدمات إضافية واستغلال وضعه الاجتماعي وحاجتهم للعمل، ليصبحوا له “خدماً”. ورغم أنه يعاملهم بعنجهية إلا أنهم مضطرون للسكوت حفاظاً على مصدر رزقهم.
حالات كثيرة يتحول فيها المدير إلى سلطة مطلقة تقصي كل الفريق، فيهين الموظفين ويصرخ بوجههم ، ويتجاوز الألقاب لشعوره أنهم أدنى منه ، ويظلم ويستغلهم مطمئناً إلى حاجتهم ، ويخصم من رواتبهم حسب المزاج والرضى وقرب الموظف منه، والأنكى أنه يمن عليهم برواتبهم، وكأنها “صدقة” متجاهلاً تعبهم وسعيهم للإبداع والنجاح، وكثيراً ما نرى مبدعين وأصحاب شهادات عالية في وظائف دون قدراتهم وطموحهم، دفعتهم إليها الحاجة وقلة فرص العمل.
يتحول غالبية الموظفين في هذه الحالة إلى أشخاص متملقين انبطاحيين ومتسلقين، يؤدون عملهم وينفذون الأوامر، مقابل رضا المدير لضمان تمكينهم واستمرارهم، ويسكتون عن المطالبة بحقوقهم لأنهم مدركين تماماً أن الوقوف في وجهه أو التذمر سيؤدي إلى فصلهم من العمل.. وهكذا يُصنع الجلادون ويزداد جبروتهم وطغيانهم فيتحولون من مرتكبين للأخطاء بحق غيرهم إلى محترفين، فهم يدركون في أعماقهم أن أخطاءهم لا محاسب لهم عليها، ولا يوجد من يتجرأ على مواجهتهم، ليصبحوا لعنة تحل على الموظف المحتاج فقط لأنهم مدراء وأصحاب سلطة .
وبناء على ما ذكرت سأكتب إليك عزيزي المدير:
1 . من حق طالب الوظيفة أن يقرأ سيرتك الذاتية معلقة في مكتبك قبل أن تقرأ سيرته الذاتية، ليوافق عليك مديراً كما توافق عليه موظفاً.
2 . الإدارة علم وفن، وليست اجتهاداً شخصياً فكونك صاحباً للمال لا يعني بالضرورة أنك مؤهل للإدارة، ولكن إن كنت مصراً على ذلك عليك أولاً أن تتلقى دروساً في الإدارة.
3 . أبقِ اتخاذ القرارت وإصدار التعليمات الجديدة بعيداً عن مزاجك العكر، ولا تعقد اجتماعاً اذا شعرت بسوء.. انتظر لتهدأ .
4 . الإدارة ليست حكراً على أحد، فإذا وجدت موظفاً نشيطاً محبوباً من الجميع ويتمتع بقدرات عالية ومرونة في التعامل مع الفريق، تشارك معه إدارة مشروعك.
5 . بناء ديناميكية فعالة في مكان العمل يحتاج أهدافاً محددة واستراتيجية ملائمة وقدرات بشرية أهم ما فيها هو التركيزعلى الإيجابيات عوضاً عن السلبيات.
6 . راتب الموظف ليس بصدقة، وأنت لم تشتر كل وقته، فلا تطالبه بمتابعة العمل بعد ساعات الدوام دون أجر إضافي، فللموظف حياة، كما لك حياة خارج أسوار مؤسستك.
7 . كن قائداً يذلل الصعاب لا يذل العباد بحجة الانتماء والتفاني بالعمل، والفوز لمن تعاطف أكثر وانبطح وتعامى عن أخطائك بالتعامل وجشعك ففي داخلك تعلم تماماً أن الموظف ينصاع لأوامرك خوفاً لا حباً.
8 . ازرع الولاء في فريق عملك و لاتزرع الفتنة، فقوتك تكمن في أن يثني عليك الموظفون في غيابك وليس في وجهك للتملق، لأنك ستصبح لاحقاً أداة بيد أولئك المتملقين تنفذ كلامهم التحريضي وانتقاماتهم الشخصية في طريق سعيهم للترقي وتمكين أنفسهم.
9 . لا تتخلى عن المبادئ الإنسانية من أجل مصالحك الذاتية أوالتهرب من المسؤوليات،لأنك ستجد فريق عملك في حيرة من أمره في تفسير تصرفاتك وقراراتك، والأهم أنهم سيضمرون لك الكره والحقد ويبحثون عن أول فرصة تتيح لهم عملاُ آخر يتمتع بنظام داخلي يحفظ لهم حقوقهم مقابل واجباتهم.
10 . مزاجيتك تصنع بيئة من التوتر والتناقض، مما يجعل الموظفين غير سعداء و يعملون بظروف عمل غير مريحة و خوف دائم وعدم استقرار وهذا يؤدي إلى “اللانتماء” الذي سيهدم مشروعك لاحقاً.
11 . لا تصدق أن الجميع يحبك، وموافق على طريقة تعاملك وسعيد بأدائك، فالخوف من الفصل عن العمل يدفع الجميع إلى مجاراتك والابتسام في وجهك.
12 . الاتهام بالتقصير من أجل رفع سوية الإنتاج من أفشل الأساليب، لأنه يولد الحقد والكراهية ويعطي شعوراً بالإحباط فامدح في العلن وانتقد سرّاً.
13 . الموظف أو العامل إنسان لا آلة، و يستحق أن تشرح له حقوقه كاملة وتعطيه إياها دون الحاجة لمطالبتك بها، ودون شعورك بأن الفضل يعود لك فراتب الموظف استثمار ينهض بشركتك وليس كلفة على المؤسسة أوعبئاً ثقيلاً، لذا عليك أن توفر له الأدوات اللازمة كي يبدع في آداء عمله قبل أن تطالبه بالإبداع.
14 . كم هو جميل أن تعطي موظفاً نشيطاً إجازة مدفوعة الأجرأو مكافأة مالية وتخبره أنك ممتن لإنجازه لتحثه على المتابعة، وتشجع بهذا باقي الموظفين على العطاء فالتفاعل الإيجابي ليس إلا نتيجة حتمية للتحفيز.
15 . لربما كنت موظفاً مظلوماً قبل أن تصبح مديراً، فلا تفرغ عقدك النفسية في موظفيك بل حاول أن تتعامل معهم كما كنت تتمنى أن يعاملك مديرك سابقاً.
عزيزي المدير، شكراً لمتابعتك القراءة وصولاً إلى هذا البند الأخير. هذه المقالة لكل مدير قرأها وظن بأنه المقصود.. عله يتدارك نفسه ويتعلم السباحة جيداً قبل أن تقلبه الموجة فيغرق.
المصدر : بروكار برس