الكوابيس المرتبطة بالاعتقال والتعذيب.. هل من علاج؟
منصور العمري
لا تزال كوابيس التعذيب وإجرام الأسد تطارد المعتقلات والمعتقلين السابقين وعائلاتهم. لا يزال الألم مستمرًا. ربما جميع المعتقلات والمعتقلين يتعرضون لعذاب الكوابيس بشكل دوري، وأنا من بينهم. رغم مرور سنين عديدة على نجاتنا من المعتقل، وابتعادنا آلاف الكيلومترات عن سوريا الأسد، هل نجونا فعلًا؟ لا يزال الأسد وأجهزته الأمنية يتسللون إلى أحلامنا ويداهموننا في أثناء نومنا، لنستيقظ ونقضي نهارنا البائس محاولين التخلص من آثار الكابوس وآلامه الجسدية حتى.
لا أدري إن كانت هذه الظاهرة قابلة للعلاج، ولكن المؤكد أنّ للعدالة تأثيرًا علاجيًا جمعيًا أو تلطيفيًا على الأقل، وأن عدم تحقيق العدالة، والإفلات من العقاب، واستمرار الجرائم، تعزز الشعور بالظلم لدى الضحايا وعائلاتهم، بما يفاقم معاناتهم النفسية لينعكس في لياليهم ونهاراتهم، وحياتهم بأكملها. هذه الكوابيس ليست من النوع المعتاد بعد مشاهدة فيلم رعب خيالي أو ما شابه، تستيقظ بعده لتطرده وتبتسم لأنه كان مجرد حلم، بل هي كوابيس ناتجة عن اختبار حقيقي وشخصي للرعب والتعرض للتعذيب ومشاهد القتل والاغتصاب والدماء وفظاعات أخرى، تستيقظ بعدها لتدرك أنك كنت فعلًا هناك في ذلك المشهد المرعب، ثم تتحسس جسدك لتلامس ندوبك وغيرها من آثار التعذيب التي لن تزول مع الزمن.
تنظر إلى طاولتك لترى صورة لقريب فقدته تحت التعذيب. تتصفح “فيسبوك” فترى أخبار الوفيات تحت التعذيب واستمرار جرائم الأسد، تدرك أن من عذبك وقتل أحباءك لا يزال طليقًا مستمرًا في جرائمه دون أن يوقفه أحد. تنظر إلى أبنائك وبناتك ويكاد قلبك يخرج من مكانه وأنت تفكر في مصيرهم ومصير آخرين قد يتعرضون لذات الجحيم في سوريا.
قد يكون هذا النوع من الكوابيس أحد أشكال “اضطراب الكوابيس”، وهو حالة مرضية وجزء من صدمة ما بعد التعذيب والاعتقال، تسبب في كثير من الأحيان الضيق والخوف من النوم، وآثارًا سلبية على وظائف النهار.
كما يمكن أن تتسبب في كثير من الأحيان بالقلق الشديد والاختناق، والاكتئاب الشديد. تدمر هذه الحالة النوم بطريقتين رئيستين، ولها عدد كبير من العواقب السلبية على الصحة والسلامة الشخصية.
الطريقة الأولى التي يدمر بها “اضطراب الكوابيس” النوم هي تسببه بالاستيقاظ من النوم، وعدم النوم بشكل كافٍ، بما يفسد إيقاع الجسم اليومي وعملياته، مثل الشهية والرغبة الجنسية ومستويات الطاقة اليومية، وغيرها. تؤثر الاضطرابات في إيقاع الجسد على توازنه من حيث إنتاج الهرمونات والأداء العام، ويؤثر على جهاز المناعة، ما قد يؤدي إلى أمراض جسدية لا ندرك أن سببها الكوابيس.
الطريقة الثانية هي أن يبدأ الدماغ بربط هذه الكوابيس المزعجة بالسرير أو غرفة النوم بشكل لا إرادي، ليصبح النوم مصدرًا للخوف والقلق، بما يدفع إلى تجنب النوم بشكل غير مباشر أو مباشر. قلة النوم تؤدي إلى تراكم التعب بما يحد من القدرة على العمل بشكل صحيح في أي بيئة، بما فيها العمل، وحركة المرور، والمواقف الاجتماعية، وغيرها.
لذلك من الضروري مراجعة اختصاصيين، ومحاولة التعرف إلى أبعاد وماهية هذه الحالة التي يتعرض لها المعتقل والمعتقلة، وإيجاد علاج للكوابيس من هذا النوع، فتأثيرها يمتد لما بعد الاستيقاظ، وينعكس على حياة الأفراد وأدائهم اليومي بشكل سلبي. إن لم يكن هناك علاج نهائي لهذا الأمر، فعلى الأقل تجب استشارة اختصاصيين في كيفية تخفيف اثاره
المصدر : عنب بلدي