نسوية لطيفة …
(حقوق , تعصب , قوة , عنف , تسلط وسيطرة ) هذا ما قاله بعض الشباب والشابات عند سؤالهم عن تلخيص مفهوم النسوية بكلمة بالنسبة لهم!
يكثر الحديث في الآونة الأخيرة عن مفهوم ( النسوية) حيث تصدرت هذه الكلمة في عام 2017 المركز الاول في محرك بحث قاموس “ميريام ويبستر”، إضافة إلى اهتمام مستخدمي خدمات القاموس بالكلمة بعد مظاهرات داعمة للنسوية في أنحاء العالم واتهامات التحرش التي وجهت لشخصيات عامة مؤخرا.
إن من أكثر ما يثير الدهشة بالنسبة لي، هو رؤية إحدى “الناشطات النسويات” التي تتكلم وتحاضر عن النسوية بشكل عنيف ضد الرجل سواء على مواقع التواصل الاجتماعي أو ضمن برامج تلفزيونية. وكثيرون مثلها يقومون بمهاجمة الرجل بدل نقد الذكورية بمفهومها المتسلط. فهل النسوية هي إلغاء الرجل ؟؟؟ وهل هؤلاء الأشخاص على معرفة ودراية بمشاكل المرأة والحياة الزوجية حتى يسمحوا لأنفسهم بإعطاء حلول بالطلاق والفراق وتدمير العلاقات الزوجية بحجة النسوية ؟
وهل تعليم مفهوم النسوية يكون من خلال بث مباشر أو من خلال كلمات تهزأ بالرجل على مواقع التواصل الاجتماعي ؟
فما هي النسوية ؟ ومن أين أتت هذه الكلمة؟
الحركة النسوية كانت حركة ضرورية ومهمة في تاريخ المرأة. فجراء هذه الحركة حصلت المرأة على الكثير من الحقوق منها حقوقها السياسية وحقها بالتعليم والتصويت. ومن أهم الشخصيات النسوية في الوطن العربي جميلة بوحيرد وهند نوفل و ليلى خالد ونوال السعداوي اللواتي حاولن تغيير المفاهيم البالية على أرض الواقع من خلال عمل ندوات وحوارات ثقافية تقوم على توعية المرأة بحقوقها . و بدأت الحركات النسوية في العالم العربي بسبب الضغط الذي عانته المرأة من المجتمع في محاولات تأطيرها وعدم السماح لها بالخروج منه. فحتى اللغة العربية كما يقول الكاتب يوسف زيدان لعبت دورا في التمييز ضد المرأة. فمثلاً، استخدام كلمة “بعل” للإشارة للزوج والمأخوذة من اسم من أسماء الآلهة القديمة وهو الاله بعل، يعطي الانطباع وكأن اختيار هذه الكلمة يراد به تأليه الرجل بينما نجد في مقابلها كلمات ك “حرمه” وغيرها من الكلمات التي انزلت من مرتبة المرأة. لذا حين ثارت بعض النساء ضد هذا الظلم ثارت بطريقة عنيفة دون تفكير. وبالفعل هناك فئة كبيرة من النساء والرجال أساؤوا فهم هذا المفهوم وما يعنيه . فأصبح في مخيلتنا أن المرأة النسوية هي امرأة عنيفة قوية ومتسلطة على الرجل. وبمعنى أكثر تحديداً ضد الرجل!
للإضاءة أكثر على هذا المفهوم، تواصلنا مع رحاب سيبالي، الناشطة في حقوق الإنسان ودار بيننا الحوار التالي:
لماذا أخطأنا فهم النسوية ؟
عندما نخلق الظلم نجد في مقابله التطرف. مثلا اذا كتبت فتاة رأيها على مواقع التواصل الاجتماعي حول قضية التفرقة من حيث مناداة السيدة العزباء بـ “آنسة” والمتزوجة بـ “مدام” لن تجد اهتمام أحد، بينما اذا كتبت نفس الفكرة باستخدام كلمات قوية وعنيفة هنا سوف تأخذ صدى أكبر.
هل العمل على مواقع التواصل الاجتماعي مفيد من وجهة نظرك ؟
العمل على مواقع التواصل الاجتماعي والعمل على أرض الواقع بنفس الاهمية، ليست مشكلتنا أن هناك امرأة تضرب او لم تأخذ حقها، فالمشكلة تكمن بنظرتنا للمرأة، من وجهة نظري إن وسائل التواصل الاجتماعي هي حل دائم ومستمر.
ماذا عن فئات المجتمع التي مازالت تقوم بتزويج القاصرات وعدم الإصرار على تعليم المرأة ؟
هنا نحن نتكلم عن نظام حياة كاملة لأناس تحكمهم عادات وتقاليد اجتماعية وقبلية ومن الصعب جدا الوصول اليهم وتغيير أفكارهم.
والان أين نحن من كل هذا وماذا يتغير على أرض الواقع ؟
مشكلتنا تنقسم الى قسمين الاول هو نظرة المجتمع للمرأة، والثاني نظرة المرأة الى نفسها. الان مثلا، كثير من الفتيات أصبح لديهن حقوق لكن المشكلة تكمن بقناعتهن أنهن لا يملكن الواجبات! على الفتاة أن تكون مقتنعة بأن حصولها على عمل ليس شيئا مكملا لحياتها بل هو أساسي بالنسبة لها وأنه هناك واجبات عليها اتجاه عملها وبيتها فكل انسان لديه حقوق وعليه واجبات فهذا الشكل الطبيعي للحياة.
ماذا بعد ؟ وماذا عن زواج القاصرات المستمر الى يومنا هذا ؟
(نِقَط الشتي حَفرِت حيط القلعة) عندما تفهم الفتاة أنها إنسان لديه كيان وحقوق، هنا تصبح الأسئلة تدور في راسها. نجد الاختلاف بين المرأة والرجل منذ الصغر. من متاجر الألعاب. فالعمل على هذا المفهوم يبدأ منذ الصغر ويحتاج الى وقت. “البوست” على الفيسبوك أهم من الدستور. أما بالنسبة لزواج القاصرات فهو عبارة عن (كلاش طائفي ) بسبب وجود مبررات له في الدين فنحن بحاجة الى سلطة تضع الدستور دون وجود حسابات لزعل رجال الدين والطوائف.
بعد كثير من البحث والتفكير أعتقد أن أبسط مفهوم يمكننا تعريف النسوية به، هو مطالبة المرأة بحقوقها ومساواتها بالرجل في الحقوق والواجبات في شتى مجالات. وهذا المفهوم لا يمكن فصله عن مفهوم المساواة بشكلها الأعم. فحقوق المرأة من حقوق الإنسان ومساواتها مع الرجل في الحقوق والواجبات نابعة من مفهوم المساواة بين جميع البشر. فلا ينبغي التمييز لا على أساس الجنس ولا اللون. إذا يجب أن تتم محاربة التمييز بكل أشكاله ومن بينها التمييز ضد المرأة على أساس الجنس. النسوية إذا تعني المطالبة بالمساواة بين الرجل والمرأة وليس المطالبة بإلغاء الرجل وإظهار العدوانية ضده. والعمل على هذا المفهوم يبدأ على أرض الواقع ( ضمن القرى والارياف خصوصا ). فعلينا العمل على غرس فكرة تعليم المرأة وإلغاء أفكار مجحفة بحق المرأة كظاهرة زواج القاصرات التي مازالت موجودة وبكثرة في مجتمعاتنا. وطبعا العمل على تغيير فكر الرجل حول هذه القضايا أيضا وتغيير مفهومه لحرية وحقوق المرأة فنحن على هذا الكوكب خلقنا أدم و حواء لا يستطيع أحدنا إلغاء الاخر أو إلغاء دوره. وتمتع المرأة بكامل حقوقها ولعبها دورها الحقيقي في المجتمع سيكون مؤشراً صحيا على تعافي مجتمعاتنا من آفة التمييز وسيساعد في محاربة أشكال التمييز الأخرى لنصل إلى مجتمع حديث عادل تكون المرأة فيه مساوية للرجل في الحقوق والواجبات وتعمل معه جنباً إلى جنب، لا أن يكون أحدهما عدواً للآخر يسيطر عليه ويحرمه حقوقه. ونضال المرأة ضمن الحركة النسوية لا يجب أن يكون حكراً على النساء بل يمكن أن يلعب الرجل دوراً شديد الأهمية فيه.
كاترين القنطار
المصدر: موقع صدى المجتمع المدني