أخبار المجتمع المدني

المنـــاصرة .. Advocacy

ما هو مفهوم المناصرة ؟

وما تأثير المناصرة على المجتمــع ؟

وما دور المناصرة في عملية التطوير ؟

وما إرتبـاط المناصرة بـ حقوق الإنســان ؟

د. عبد الرحيم احمد بلال

قد يتبادر إلى ذهن القارئ عند قراءة عنوان هذه المقالة السؤال الآتى: وما هي وسائل المجتمع المدني المهمة الأخرى؟ نجيب على هذا التساؤل في اقتضاب بأن أهم وسيلتين للـ مجتمع المدني بـ جانب المناصرة هما: أولاً التمكين المعرفي لـ أعضاء المجتمع المدني والجمهور إذ أن المعرفة تتحول إلى قوة معرفية ضاربة

وثانياً التنظيم الذي يكسب المجتمع المدني القوة التنظيمية من خلال التنظيم تصل المعرفة للـ مجتمع عامة وفي غياب المعرفة والتنظيم لا يمكن لــ منظمات المجتمع المدني القيام بــ أى نوع من أنواع المناصرة لــ جهة التغيير المجتمعي الشامل ولكن كيف صارت المناصرة من أهم وسائل عمل المجتمع المدني؟

منذ بداية عقد التسعينيات من القرن الماضي يتعاظم دور منظمات المجتمع المدني في المحافل والمؤتمرات الدولية وفي داخل الدول المختلفة ومع تعاظم هذا الدور بدأت مصطلحات ومفاهيم ومبادئ المجتمع المدني تنتشر وتجذب إعداداً هائلة من المواطنين في كل انحاء العالم للـ تعرف عليها وأهمها السلام الاجتماعى ورأس المال الإجتماعى والمشاركة والمواطنة وانفاذ حقوق الإنسان والحوار ونبذ العنف وقبول الآخر وفي نهاية الثمانينيات

وبداية التسعينيات كانت بداية ما يسمى بـ الجيل الثالث لـ منظمات المجتمع المدني وهي المنظمات الحقوقية إذ كان عمل الجيل الأول يشمل ثلاثة مجالات هي: العمل الخيري الإغاثي، ومجالي عمل منظمات المجتمع المدني التقليدية

وهما المجال المطلبي في حالة النقابات والمصلحي المرتبط بـ خدمة مصالح الأعضاء في منظمات العون الذاتي القاعدي كـ التعاونيات وجاء الجيل الثاني لـ يشمل العمل التنموي ومشاريع التنمية الاقتصادية مثل مشاريع إدرار الدخل للـ فقراء أما الجيل الثالث فقد جاء بـ تحول نوعي في عمل اعداد كبيرة من منظمات المجتمع المدني وذلك بـ التوجه لــ مجال حقوق الإنسان والتغيير المجتمعي الهيكلي البنيوي والكشف عن الأسباب الجذرية لـ انتهاكات حقوق الإنسان والهياكل التي تنتج الفقر والإفقار والتهميش والإقصاء والإخضاع بـ كل أنواعه والسعي لـ إزالة هذه الأسباب الجذرية المرتبطة

بـ هياكل السلطة والثروة لذلك تشعل الحكومات الشمولية حرباً شعواءً ضروساً ضد هذا النوع من المنظمات إذ ترى فيها مهدداً لــ سلطتها وبقائها. لـ تحقيق أهد اف ومبادئ ومضامين منظمات المجتمع المدني سابقة الذكر وتنزيلها على أرض الواقع ابتدعت هذه المنظات وسائل وأدوات وآليات صارت مفاهيمها ومصطلحاتها جزءاً ثابتاً ومهماً من قاموس المجتمع المدني وقاموس العمل العام

كـ المناصرة advocacy

والتشبيك networking

والتخطيط الاستراتيجي strategic planning

بل صارت أجهزة الدولة نفسها تستعمل حديثاً بعض هذه المصطلحات كـ المناصرة والتشبيك نتيجة لـ دخول مفهوم الشراكة والمشاركة والحكم الراشد في القاموس السياسي فـ نجد مثلاً في السودان وزارات مثل وزارة الرعاية الاجتماعية ووزارة الشؤون الإنسانية تستعمل مصطلح المناصرة والتشبيك في وثائق خططها واستراتيجياتها إن هذه التحولات الجذرية تتطلب شرح هذه الوسائل والآليات والأدوات وعلاقتها بـ المضامين والمبادئ والأهداف إن هذه الوسائل والآليات قد توظفها كيانات ما

، لـ تخدم أهدافاً ومضامين تختلف عن الأهداف الإنسانية السامية التى يسعى لتحقيقها المجتمع المدني بل قد تكون مضامين هذه الكيانات متناقضة تماماً مع مضامين وأهداف منظمات المجتمع المدني التي تسعى للـ تغيير المجتمعي الهيكلي في حين أن الكيانات الأخرى قد تكون كيانات محافظة تعمل على إبقاء الوضع الراهن وموازين القوى كما هي وفي ذلك تقول إحدى وثائق منظمات المجتمع المدني العالمية مشيرة إلى ظاهرة الإختلاف والتناقض هذه في دليل إرشادات توجيهية للـ حملات campaigns والحملات هي جزء من المناصرة «إن الحملة الجيدة والاستراتيجية الجيدة مهمة لأولئك الذين يعملون لمنع الحروب وكذلك لأولئك الذين يشعلون الحروب» لـ توضيح طبيعة هذه الوسائل والآليات والأدوات وعلاقتها بـ القضايا المضامينية يمكن مقارنتها، أى هذه الوسائل، بـ السيارة التي يمكن أن تنقل الطعام والماء والدواء والكساء للـ محتاجين كما يمكن أن تنقل مخدرات ومتفجرات ومثال آخر الوسائط الإعلامية التي يمكن أن تنقل رسائل إنسانية سامية، كما يمكن أن تنقل رسائل أخرى غير انسانية.

نقول ذلك لـ أنه من الممكن أن تفشل منظمات المجتمع المدني في توظيف هذه الوسائل والآليات حين تتعامل معها بـ سطحية واستخفاف ودون معرفة عميقة وشاملة بـ مكوناتها ودون تجويد وإتقان لـ توظيفها فـ تكون النتيجة الفشل في تحقيق الأهداف والمبادئ الإنسانية والسامية المنشودة والمبتغاة في حين قد تستعمل كيانات أخرى ذات أهداف غير إنسانية ومناهضة لـ أهداف المجتمع المدني هذه الوسائل والآليات بـ كفاءة وفاعلية عالية لـ تحقيق أهدافها فـ تهزم منظمات المجتمع المدني ذات الأهداف السامية والإنسانية في المجال الجمعي وفي الساحة السياسية ولذلك نجد كثيراً من الكتاب في شؤون المجتمع المدني يصرون على تذكير منظمات المجتمع المدني

بـ ضرورة إتقان وتجويد توظيف هذه الوسائل والأدوات ويسهبون في شرحها في أدلة وإرشادات تدريبية للمجتمع المدني ويذكر هؤلاء الخبراء أن الحملات والشبكات الفاشلة تحبط الناشطين في المجتمع المدني وجمهور منظماتهم، وقد تصير الحملات والشبكات الفاشلة وقوداً لـ حملات وشبكات مضادة مما يزيد الإحباط والعزوف عن العمل العام في منظمات المجتمع المدني. يشير هؤلاء الخبراء كذلك إلى التسويق في السوق الرأسمالية ويرون أنه على المجتمع المدني أن يقوم بـ تسويق اجتماعي social marketing لـ أهدافه ومضامينه يضاهي اتقان القطاع الخاص في مجال التسويق والدعاية والإعلان في الدول الصناعية حيث تشتد وتحتد المنافسة القاتلة على كسب المستهلكين وبذل جهود جبارة في التأثير على سلوكهم الاستهلاكى. وينسحب هذا على الأحزاب السياسية في الدول الصناعية المتقدمة التي تستعمل كل الأساليب الديمقراطية (وأحياناً الفاسدة وغير الديمقراطية) لـ كسب تأييد الناخبين في الحملات الإنتخابية بـ مساعدة الشركات المتخصصة في العلاقات العامة التي تحدد للـ سياسيين سلوكهم ولغتهم ومظهرهم وتصفيف شعرهم ولونه وتوقيت خطبهم وتصريحاتهم وظهورهم وحديثهم في أجهزة الإعلام وفي صحبة من… إلخ

. إن موضوع المناصرة جديد على المجتمع المدني السوداني وكل المجتمع لأنه مجال عمل الجيل الثالث لـ منظمات المجتمع المدني كما شرحنا سابقاً لذلك نتناول مفهوم المناصرة في هذه المقالة لـ تتبع وفي مقالات أخرى لاحقة عناصرها وخطواتها وعلاقاتها بـ الحملة Campain واللوبي Lobby والتخطيط الاستراتيجي وقد صارت جميعها علماً يدرس ولها معاهدها ومنظماتها المتخصصة ومواقعها في الانترنت. تعرَّف المناصرة بـ أنها عملية منظمة تتكون من مناشط مختلفة ومتتابعة لـ تحقيق هدف في إطار زمني محدد. ونبدأ شرح مفهوم المناصرة بـ معنى المناصرة في القانون والذي يعنى الدفاع عن شخص أو قضية ويسمى المدافع وممثل الدفاع أي المحامي advocate وفي هذا المعنى تشير كلمة المناصرة حسب القواميس إلى المناصرة بـ وصفها التحدث بـ النيابة عن آخر هو صاحب القضية وتعنى المناصرة في السياسة والتنمية كسب التأييد والحشد لقضية سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية أو لـ قضية فئة اجتماعية بـ هدف إحداث تغيير في واقع هذه الفئة وقضاياها ومشاكلها وفي هذا المعنى تستعمل مصطلحات الدفاع والدعوة والمؤازرة مطابقة لـ مصطلح المناصرة إن المناصرة هي عملية بـ هدف تغيير مجتمعي جزئي يصب في عملية التغيير المجتمعي الكلي والحديث عن فئة أو شريحة اجتماعية قد يقود إلى فهم خاطئ للـ مناصرة هو فهمها كـ خدمة لــ تلك الشريحة لذلك لا بد من شرح الفرق بين الخدمة والمناصرة

المصدر : حركة 12-12

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى