أخبار المجتمع المدني

المجتمع المدني .. مش سياسة (ليبيا)

لا تزالُ تجربة المجتمع المدني حديثة على الشعب الليبي؛ لأننا لم نعرف الزخم الكبير من الأنشطة بصورتها المعاصرة خلال العقود الماضية. وإن وُجدت فقد كانت على استحياء. المُمارسات المدنية اليوم مختلفة ولديها هامش حريّة أكثر من المراحل السابقة،

وصارت أكثر انفتاحا. تأسّست جمعياتٌ ومؤسّساتٌ عديدة خلال السبع سنوات الماضية غير أنّ فاعليتها غير مؤثرة نسبيا مقارنة بعددها الكبير وتوفر الجهات الداعمة دوليا ومحليا، ولم تصل بعد إلى المستوى المطلوب؛ لأنّها لم تنجح في خلق هامش من الوعي العام وبناء قاعدة مشتركة على الأقل فيما بينها بالإضافة لأنها تقف موقفا مُحايدا من قضايا الشأن العام (ما نبوش سياسة) أو تلامسها على خجل، مع الأخذ بعين الاعتبار أنّها تجربة جديدة.

بعض التجارب فشلها مبرّر لأنها تحتاج وقتا طويلا ومستوى معيّنا من الإمكانيات. وفي الوقت ذاته هناك تجاربٌ لابُدّ من نقدها وتصحيح مسارها. النقد هنا على مستوى المؤسّسات لا الأفراد، ولا شكّ أنّ تغير الوضع السياسيّ في ليبيا له تأثيرُهُ على العمل المدني من وجود أكثر من إرادة سياسية، وتنازع القوى المسلحة، وغياب مؤسّسات الدولة. وهذه المشكلة ليست حديثة فقد عانينا منها طيلة عقود مضت. الشباب والمجتمع المدني:

عرف المجتمع المدني خلال السنوات الماضية مشاركة شبابيّة بارزة في مختلف الاتجاهات والتوجّهات والأفكار. يحمل الشباب هموم التغيير فوق راحته مثقلين بالحماس والرغبة. وبعد مرور سبع سنوات اتضحت لدينا صورة أخرى وصار النقد لازماً وضرورياً لهذه التجربة المدنية الشابة والتي لم تُحدث أي تغيير ولو طفيفا على المجتمع. فكلّ ما رأيناه كان مجرّد ظواهر صوتية تخشى الخوض في الشأن العام:

هل لأننا لم نستوعب مفهوم المجتمع المدني بعد أم أنّ نزاعاتِنا الداخلية هي السبب في فشل تجربتنا التي لم تفلح في تأسيس قاعدة عامة تقف عليها هذه الجمعيات؟ حتى أنّنا لم نسعَ إلى قانون ينظّم عمل منظّمات المجتمع المدنيّ مثلاً، وهذا أقل تقدير. أم أنّنا مازلنا نجهل العمل المؤسّساتي، وغير قادرين على تبنّي قضايانا المحليّة مع الخشية من الممارسة السياسية وهي حياتنا اليومية. ما فائدة الجمعيّات والتنظيمات والنقابات ما لم تؤثّر على صنّاع القرار وتراقب عملهم وتتناول القضايا التي تمسّ المواطنين جميعاً بمختلف أوجاعهم.

هذا إلى جانب عملها التوعويّ وغيره من الأنشطة التي تمارسها المؤسسات المختصة في مجال ما. المجتمع المدني وازدواجية المعايير: في الوقت الذي تمارس فيه الكثير من المؤسّسات الشبابيّة نشاطها المتعلّق بالدستور أو الانتخابات وغيرها، نجدها تردّد نحن لا نريد ممارسة السياسة! وهي تعمل في صلب السياسة والشأن العام لكل الليبيّين. فهل نسميه تناقضاً أو غياب الوعي بالعمل المدني. هذه إشكاليّة كبرى تتطلب منا الوقوف وتصحيح مسار المجتمع المدني والنقد الواعي وتوضيح هذا التناقض الذي قد يكون نوعا من ممارسة الحيلة على المواطنين البسطاء. لا يمكننا الحديث عن دولة مدنية ونظام ديمقراطي دون الخوض في السياسة وتقبل الآراء والأيدولوجيات المختلفة وهذا ما لم تؤكده التجربة الشابّة سواء على صعيد النقابات الطلابية أو المؤسّسات، التي حدث فيها عنفٌ بارد أدّى إلى الإقصاء والانقسام.

الشباب كسِلعة ومصطلح للاستهلاك نجد الكثير من الفاعليات التي تتحدث عن دور الشباب وأهميّته في المشاركة الوطنية والسياسية، حتى صارت كلمة الشباب مستهلكة وذريعة يتخذها البعض للتسلّق على القضايا وتحقيق الغايات الخاصة. في الوقت الذي يتكلم فيه الكثير باسم الشباب ولا نعلم إذا كان فعلاً يمثل الشباب أو لأنه مجرّد شعار مطلوب في السوق السياسي وفي الاحتفالات الكبرى

. نعم لابد أن يتحصل الشباب على فرصته، ولا تخفى عنا المنهجيّة التي يتبعها الكثير من السياسيّين وغيرهم لإقصاء الشباب من الساحة. ولكن إلى جانب هذه الحقيقة هناك حقيقة أخرى يجب علينا مواجهتُها، وهي أنّ الشباب أثبت فشله في العملية المدنية والسياسية، فالجامعة وهي أكبر تجمّع طلابيّ زاخر بالإمكانيات، مارس فيه الشباب الإقصاء ضد نفسه وأقصي الكثير من الشباب المثقف والواعي من الساحة لأسباب مختلفة سياسيّة كانت وأيدولوجية. والشيء ذاته في المجتمع المدني الذي كانت فرصة الشباب فيه كبيرة جداً ليست فقط للتغير بل للتأثير في الشأن العام عبر منصّة المؤسسات والنقابات، حتى أصبح يتبادر في ذهني سؤال

: من هم الشباب المقصودون بالمشاركة في الفعاليات؟ هل الشباب الذي لم يُحقّق أيّ شيء يُذكر طيلة هذه السنوات ويُقصي كل من يخالفه الرأي أم ربما الشباب المتديّن الذي لا يؤمن بالعمل المدني أم الشاب البسيط الذي يواجه ظروف الحياة القاسية ولا يرى أهميّة في مشاركته في المناخ المدني الشبابي الغامض والمتناقض. إنّ طريقنا طويل نحو الدولة المدنية، طويل جداً، وقد يحتاج مائة عام قادمة. لذا يجب علينا أن نعي ونستوعب تجربتنا وننتقدها كلما أخطأنا ونصحّح مسارها؛ وإلا سيكون الوجع مضاعفاً وسنبكي ليبيا التي ضاعت من بين أيدينا، فمثل هده الفرص لا تتكرر دائمًا.

المصدر : المجتمع الليبي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى