تم إستهداف 3 مستشفيات للتوليد وأمراض النساء من قبل القوات الجوية السورية في شمال غرب سوريا خلال الأسابيع الأربعة الماضية. تم إخلاء هذه المشافي جميعا ووضعها خارج الخدمة. من الصعوبة للنساء الحوامل أن يعثرن في القرى على أخصائي، والأكثر صعوبة هو إيجاد مركز مجهز للتوليد.
تسبب التصعيد الأخير في شمال غرب سوريا في أكبر موجة من النزوح طوال تاريخ الصراع. تعرضت المدن لقصف مستمر لتدمير البنية التحتية والمباني حتى بعد أن غادر الناس هذه البلدات. تم استهداف أكثر من 28 مدرسة و25 مركزا طبيا خلال 4 أسابيع. أثّرت الحرائق على العديد من الأراضي الزراعية التي تم الحفاظ عليها خلال السنوات القليلة الماضية، مما أدى إلى احتراق أي فرصة لتعافي الاقتصاد المحلي.
غادر أكثر من 300.000 شخص مدنهم في جنوب إدلب، الغالبية تكافح لإيجاد مكان لبناء خيمة قرب الحدود السورية التركية. أقل من نصفهم تمكنوا من العثور على مأوى، والآخر لم يستطع. عندما زرت تلك المنطقة قبل بضعة أشهر كانت مزدحمة لدرجة أن المسافة بين كل خيمة تقل عن نصف متر، والباب الأمامي للعديد من الخيام يقع تماما على حافة الشارع. اليوم أصبحت الأراضي شحيحة لدرجة أن استئجار قطعة أرض ظليلة لوضع خيمة عليها تكلف 100دولار وسطيا.
تشعر الغالبية إلى أن هذا التغيير دائم وليس من المرجح أن يعود الأشخاص إلى مدنهم في أي وقت قريب. وسط هذه الفوضى تكافح النساء لحماية كرامتهن، أو على الأقل للعثور على مرحاض.
جلبت الحرب في سوريا العديد من المفاهيم الجديدة الفريدة من نوعها مثل «المستشفيات هي أخطر مكان في سوريا التي مزقتها الحرب». كانت المريضات الحوامل يتجنبن الذهاب إلى المستشفيات أثناء المخاض خشية تعرض المستشفيات للقصف أثناء الولادة. لم يكن عدد القابلات كافياً ولم يكن من السهل عليهن فالسفر من مدينة إلى أخرى مخيف بسبب احتمال القصف أو الخطف. أكثر من 80٪ من الأطباء غادروا سوريا بعد أن رأوا المئات من زملائهم يعتقلون أو يختطفون أو يقتلون. بقي أقل من مئة إخصائي توليد وأمراض نسائية لعلاج أكثر من مليون سيدة وشابة في شمال غرب سوريا.
أدى هذا إلى ضغط كبير على الأمهات وأطفالهن. وقد انعكس بشكل كبير مع الزيادة الهائلة في العمليات القيصرية والأمراض النفسية المتعلقة بالحمل. نتناقل في سوريا مقولة الشاعر حافظ ابراهيم في قصيدة العلم والأخلاق:
الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعبا طيب الأعراق
لمعالجة هذه المشكلة بدأنا مدارس التمريض لتحسين الخدمات الطبية المقدمة في المنزل، وبنينا مراكز نسائية متخصصة لتوفير الرعاية اللازمة داخل المدن. حاولنا إيجاد طرق لحماية هذه المراكز والطواقم الطبيه والمرضى. فصلنا بعض المراكز عن المشافي العامة، حاولنا حمايه بعض المشافي أو نقلها تحت الأرض، حاولنا كل خطوة لإبعادهم عن أي «أضرار جانبية» محتملة… لم ينجح شيء.
عرضت الأمم المتحدة آلية لحماية وتحييد هذه المستشفيات المعروفة للجميع والتي تدعمها وكالات الإغاثة التابعة للأمم المتحده.
استند اقتراحهم على افتراض أن الإعلان عن الإحداثيات الدقيقة سيردع الهجمات المباشرة على المستشفيات وسيقود لتحقيق دولي في حالة تعرض أي من هذه المستشفيات للهجوم. تم استهدف أكثر من مستشفى بشكل مباشر في سوريا خلال السنوات الثماني الماضية، بمعدل هجوم واحد كل أسبوع. لقد شاهد الأطباء ما حدث في حلب قبل عامين، حيث تم تدمير كل المشافي بما في ذلك الوحدات الطبية الاحتياطية تدميراً كاملاً خلال أسبوع واحد مما أدى إلى الانهيار التام للتجمعات السكنية والنزوح الجماعي خارج شرق حلب.
على الرغم من اختلاف وجهات النظر حول فاعلية المبادرة، وافقت العديد من المراكز على هذه الآلية وخصوصا المراكز المعروفة والمراكز التي تعرضت سابقا للقصف. مشفيان للتوليد وأمراض النساء في جنوب إدلب ومركز توليد آخر في الشمال، حيث يحاول الناس إيجاد مأوى جديد، جميعهم كانوا من بين المستشفيات المستهدفة في الأسابيع الأربعة الماضية.
الطاقم الطبي نفسه تعرض للتهجير، وهم ممزقون بين مسؤوليتهم الأخلاقية لخدمة مجتمعاتهم ومسؤولياتهم العائلية لمحاولة إيجاد مأوى لها. لكن التزامهم لا يتزعزع، لن يتركوا مجتمعاتهم بدون رعاية طبية.
هل يمكن أن نساعد؟
خاطرت الحوامل والكوادر الطبية في مشافي التوليد بحياتهم عندما شاركوا هذه الإحداثيات. لقد وثقوا بالقوانين الدولية. لقد وثقوا في أن صناع القرارات سيتخذون خطوات جادة لردع أي هجوم على المستشفيات والتحقيق فيه قانونًيا بناء على القوانين المحلية والدولية لحماية العمل الطبي الإنساني. الإدانة ليست كافية، يجب على جميع أعضاء مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بدء آلية تحقيق قانونية دولية تضمن سلامة المرضى والكوادر الطبية داخل سوريا، كل سوريا.
واجهت النساء السوريات بشجاعة جميع أنواع الانتهاكات التي قد تؤثر على كرامة المرأة، وقد خرجن دائمًا أقوى. إنهن لا يحتجن إلى تعاطفنا، نحن بحاجة للوقوف إلى جانب قيمنا.
د. أحمد طرقجي -طبيب جراح ورئيس الجمعية الطبية السورية الأمريكية
2019-06-14
المصدر: القدس العربي