دراسات

تعليم اللاجئين السوريين الأساسي في تركيا

مرجعية الفجوة في تعليم الأطفال السوريين والتحليل القانوﻧﻲ

أولاً؛ مدخل: أوضاع التعليم في الدول المضيفة

إن أحد الحقوق الأساسية المنصوص عليها في اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل، هو: الاعتراف بحق كل طفل في التعليم الأساسي. (الجمعية العامة للأمم المتحدة، 1989) وبحسب المنوال نفسه، كما في اتفاقية حقوق اللاجئين، فإن الدول الأطراف في الاتفاقية ملزمةٌ بأن تقدم إلى اللاجئين فرص التعليم الأساسي نفسها التي تقدمها إلى مواطني ذلك البلد. (الجمعية العامة للأمم المتحدة، 1951). ومع ذلك، وكما هو منتشر على نطاق واسع بالنسبة إلى اللاجئين السوريين نتيجة للصراع في وطنهم الأم، فقد صارت حقوق الإنسان المنصوص عليها في الوثائق والإعلانات الدولية غير مجدية؛ نتيجة نقص الاحترام لأسس الإنسانية التي كانت ذات يوم تُبجّل إلى درجة التقديس. بالنسبة إلى مئات الآلاف من الأطفال السوريين اللاجئين، فإن نكبة الحرمان من التعليم تحمل نتائج وتشعبات تتجاوز العواقب قصيرة المدى، ما يعوق سلامتهم الجسدية والعاطفية والعقلية. (تقرير حقوق الطفلKidsRights 2017).

في هذا المقال، سأتفحص أوضاع التعليم في الدول المضيفة الرئيسة للاجئين السوريين، وبالمقابل سأركز على النتائج القانونية على الأطفال في تركيا، والتدابير التي يمكن اتخاذها للتغلب على المحنة المحتملة والمتمثلة بـ “جيل ضائع”.

في مؤتمر دعم سورية في عام 2016، نتج عن هذا المؤتمر الدولي تعهد الدول المشاركة بتقديم بمبلغ 12 مليار دولار لمساعدة القضية السورية. (دعم سورية والمنطقة، 2016) خُصص 1,4 مليار دولار من هذا المبلغ للتعليم، اُستلِم منها 618 مليون دولار في نهاية العام. يمكن رؤية آثار ذلك في عدد الطلاب المسجلين أو بعدم التحاق أطفال اللاجئين السوريين في المدارس، حيث “ما يزيد على 40 في المئة من الأطفال السوريين الذين يعيشون في كلٍ من تركيا ولبنان والأردن ومصر والعراق” لم تتوافر لهم فرص الحصول على التعليم. (تقرير حقوق الطفلKidsRights ، 2018وهذا يتناقض بشكل صارخ مع الحضور المدرسي في سورية قبل الصراع ، حيث كان 97 في المئة من الأطفال جميعهم في التعليم الأساسي، و67 في المئة في التعليم الثانوي. (المرجع السابق نفسه) يتم تضمين عوامل التراجع التي تحكم الانسحاب من التعليم، التي لا تقتصر على حواجز اللغة والرسوم المدرسية باهظة الثمن بشكل مخيف، والمخاوف المتعلقة بالسلامة. وبحسب ما لوحظ من قبل في عام 2014، أشارت دراسة استقصائية للاجئين في إسطنبول إلى أن ضمان توفير “الغذاء والمأوى والصحة” كان الأولوية الرئيسة لحياتهم، بينما عُدَّ التعليم ثانويًا.

يتحمل الأطفال والبالغين الشباب أيضًا العبء الأكبر الناتج عن ديناميات النوع الاجتماعي (الجندرة) المتفاوتة بنقص الالتحاق بالتعليم، لا سيما في تركيا. وقد أُشير في العديد من الحالات في ذلك البلد إلى أن الأولاد أكثر ميلًا نحو المشاركة المبكرة في سوق العمل، بينما تكون الفتيات أكثر عرضة لخطر زواج الأطفال. يُنظر إلى زواج الأطفال كوسيلة للحماية من العنف الجنسي والعنف القائم على الجندرة (النوع الاجتماعي)، والخلاص من عبء تقديم المساعدة المالية إلى فرد آخر من أفراد العائلة. بالنسبة إلى الفتيان السوريين الذين ليس لديهم خيار آخر سوى إعالة أسرهم، فإنهم يواجهون خطرًا متزايدًا، مثل الإساءة اللفظية، والاستغلال المالي، وأوضاع العمل الخطرة.

على الرغم من الانخفاض التدريجي في عدد الأطفال السوريين اللاجئين المتسربين من التعليم من 41 في المئة عام 2016، إلى 35 في المئة عام 2017، فما يزال حوالى 700,000 طفل خارج المدرسة.وعلى الرغم من أن البلدان المضيفة تدعم بصورة علنية وعامة الترحيب بالأطفال السوريين اللاجئين في صفوفها الدراسية، فما يزال كثير من القضايا العملية مصدر قلق كبير. لقد أصبحت أنظمة التعليم في البلدان المضيفة مرهقة. وفي حين أصبحت تدابير مثل إدخال “فوج ثانٍ” في الأيام الدراسية قاعدة في بعض المجتمعات، فقد بقيت الموارد محدودة لاحتياجات الطلاب اللاجئين. يعاني المعلمون أيضًا من الطلب المستمر على مورد عيشهم، والنتيجة هي أنهم مرهقون ومثقلون بالعبء، وفي العديد من الظروف، غير مدربين على كيفية توفير الدعم العاطفي الذي يحتاجه الأطفال الذين يعانون من رضّات (تروما) نفسية.

عندما تَجْمع بين قضايا، مثل: “المناهج غير المألوفة، والحواجز اللغوية، والوضع القانوني المقيّد لآبائهم” مع عوامل أخرى مثل التمييز والأثر النفسي الدائم للأزمة، فمن الواضح أنه لا ينبغي أن يُنظر إلى التركيز على توفير التعليم بمعزل عن تلك القضايا. (المرجع نفسه، 12) وهذا يعني: أن التعليم الجيد يحتاج إلى أن يُعطى الأفضلية على تحقيق شرط تسجيل الأطفال في المدرسة فقط، وتخفيض أيام الغياب عن الأرقام التعليمية.

لقد أقرَّ إعلان نيويورك للمهاجرين واللاجئين بأن التعليم الجيد “يوفر الحماية الأساسية للأطفال والشباب في سياقات النزوح، لا سيما في حالات الصراع والأزمات”. وعلاوة على ذلك، يجب أن يُلاحظ أنه بالنسبة إلى الأطفال الذين غابوا من التعليم، وعاشوا بلا أي مظهر من مظاهر الحياة الطبيعية في حياتهم لبعض الوقت، فإن الوصول إلى التعليم هو أحد الآليات الأساسية لمساعدة الأطفال على النجاح في ظل بنى الروتين والاستقرار.

ثانيًا؛ القانون وتركيا

التفسير المذكور أعلاه هو فقط لتوضيح المكونات الأساسية لسياق التعليم الأساسي لأطفال اللاجئين السوريين، والتحديات التي تنشأ من محاولة تحقيق هذا الحق الإنساني الأساسي. سأحاول الآن الخوض في مزيد من التفاصيل في الإطار القانوني الذي يوفر أرضية التعليم لهؤلاء الأطفال في تركيا، بدءًا بأساسيات القانون المتعلقة بالتعليم في البلاد.

تنص المادة 42 من دستور جمهورية تركيا على ما يأتي: “لا يجوز حرمان أي شخص من الحق في التعليم”. كما تؤكد على أنه سيتم تقديم المساعدة لمن لا يملكون الوسائل المالية لتوفير التعليم من خلال المنح الدراسية، “أو أية وسائل مساعدة أخرى”. ويُشار أيضًا إلى أن الدولة ملزمة بتوفير تعليم خاص عن طريق إعادة التأهيل لأولئك الذين يحتاجون إلى مساعدتها في هذا المضمار، وعلاوة على ذلك، فإن التعليم للمواطنين الأتراك جميعهم سيتم باللغة التركية مع استثناءات يراعيها القانون.

إن مبادئ الدستور التركي ما تزال تُستخدم وسيلة لتوجيه سياسة تعليم اللاجئين كبلدٍ مضيف. في عام 2013، تم تبني “القانون الخاص بالأجانب والحماية الدولية”، وكان الهدف منه أن يضمن، من بين أمور أخرى، “مدى الحماية التي سيتم توفيرها للأجانب الذين يطلبون الحماية من تركيا وتطبيقها”، مع توفير التعليم ضمن النطاق الذي يسمح به التشريع. في ما يتعلق بالحصول على المساعدة والخدمات، من الملاحظ في المادة 89 أن “المستفيد من الحماية الدولية أو طالبها وأفراد الأسرة يحصلون على التعليم الأساسي والثانوي” مع أولئك الذين يُعدّون كـ “مستفيدين من الحماية الدولية الذين يشكلون ما كان معروفًا في السابق كشخص عديم الجنسية أو طالب لجوء.

يتضمن القانون الأساسي للتعليم الوطني، من بين أمور أخرى، المبادئ الأساسية للتعليم الوطني، التي سُنَّت في عام 1973 لرسم المبادئ التوجيهية للاستراتيجية التركية نحو التعليم، وتحقيق الأهداف التي وُضعت على أساس “المساواة في التعليم” من دون السماح بالتمييز على أساس “العرق أو الجنس أو الدين”التعليم الأساسي بحسب ما جاء في القانون رقم 4306 الذي تم تنفيذه منذ عام 1997، ومع قانون التعليم والتدريب الأساسي، رقم 222 الذي يضبط نظام التعليم الأساسي، يوضحان أنه يشمل 8 سنوات، بين الأعمار من 6 و 14 عام، (المرجع نفسه 17).

يجب على الحكومة التركية من خلال وزارة التربية الوطنية، التي تستحق الثناء، أن تتكيف وفقًا لتدفق اللاجئين مع بعض الأمور المتعلقة بالاعتراف باحتياجات الطلاب السوريين في متابعة التعليم. وقد تم ذلك من خلال تعاملها مع الاحتياجات المختلفة للأطفال السوريين في الصف الدراسي، وفي “السماح للمعلمين السوريين في العمل في مراكز التعليم الموقتة، وتدريس منهاجًا عربيًا سوريًا معدلًا، من أجل إعداد الأطفال للانتقال إلى المدارس العامة التركية”.  (المرجع نفسه، 5) مراعاة لمزيد من الاندماج، هناك خطط للتخلص التدريجي من المدارس العربية للسوريين، وبدءًا من عام 2018، أصبح التسجيل إلزاميًا للأطفال السوريين للصفوف الأول والخامس والتاسع في المدارس الحكومية، بدلًا من مراكز التعليم المؤقتة.

في حين إنه أمرٌ مشجع أن تُؤخذ مثل هذه التدابير لدمج الأطفال السوريين تدريجيًا في النظام التعليمي التركي، فإن الواقع، هو: أن الوصول إلى التعليم لا يعتمد فقط على القانون والسياسة، ولكن على الوقائع العلاجية البديلة الشاملة التي تصاحب حياة أي لاجئ في تركيا. في عام 2017، قُدّر أن حوالي 67 في المئة من اللاجئين يعيشون تحت خط الفقر، وأن “عددًا منهم [كان] في المخيمات التي تفتقر إلى عدم كفاية مرافق المياه والنظافة والصرف الصحي والحماية غير الكافية ضد سوء الأحوال الجوية”.إذا كان هناك أي احتمال بضرورة أن يُستخدَم الأطفال كآلية للتخفيف على الأقل من عبء الفقر تتجاوز قيمة التعليم، ومن ثم، فإن القضايا المذكورة أعلاه من عمل الأطفال والزواج المبكر، ليست مستغربة تمامًا.

إن القوانين والسياسات التي وُضعت لحماية الأطفال ورعاية تعليمهم، لا تكون فعالة إلا بقدر ما هي الشروط التي ستحملها. في حين أن القانون هو مبدأ توجيهي لأفضل الممارسات في هذا الصدد، إلا أن التنفيذ المعقول له يمكن فقط من خلال ارتباطه بالشروط الاجتماعية-الاقتصادية التي سيتم من خلالها إنفاذه. بدأ العمل بنظر جاد للتخفيف من جاذبية عمل الأطفال مع مشروع التحويل النقدي المشروط بالتعليم الذي رأى النور في أيار/ مايو 2017، مع “التحويلات النقدية نصف الشهرية” التي تُقدَّم إلى عائلات اللاجئين المعرضة للخطر والضعيفة التي يذهب أطفالها إلى المدارس بانتظام. كما صدر هذا البرنامج بالتوازي مع تنفيذ “مكون استراتيجي لحماية الطفل” لضمان وجود مستمر للأطفال اللاجئين المعرضين للخطر في التعليم. غير أن مؤسسة حقوق الطفل Rights Kids قد عدّت هذا المخطط ذا فعالية محدودة، بسبب حدِّ المستفيدين من الخدمة من خلال فترات الانتظار الطويلة للمدفوعات النقدية الأولية، ومبلغ المال المقدم أقل من أن يُشجع الآباء على إرسال أطفالهم إلى المدرسة. (المرجع نفسه، 5)

ثالثًا؛ ملاحظات ختامية

يمكن لمخططات مثل التحويل النقدي المشروط مقابل التعليم، إذا نفذت بنجاح، أن تحمل الموضوع الرئيس المتمثل في انتشال ليس فقط الطالب، وإنما أسرته، من الفقر من خلال التعليم ذي الشقين. وهذا يعني: تقديم/ الضخ النقدي المستمر في دخل الأسرة من خلال المدفوعات العادية، في الوقت الذي يتعلم فيه طفلهم، مما ينعكس على حياتهم، وقابليتها للتحسن، واستمرار وظائف أفضل مدفوعة الأجر، نظرًا لخلفيتهم التعليمية.

من الواضح أن قوانين التعليم الخاصة بالأطفال اللاجئين في تركيا هي حاضرة بالتأكيد، وهي وسيلة للحصول على تعريف مضمون وثابت لحقوق المرء في هذا الصدد، إلا أنها عديمة القيمة تمامًا، إذا لم تكن بيئة أولئك المعنيين بالحماية بيئة تُشجعهم على الازدهار. لا يمكن أبدًا النظر إلى التشريع بمعزول عن سيادة القانون التي هي الوسيلة الفعالة لتنفيذه فقط. يجب الاعتراف بأن تركيا قد وضعت خطوات مهمة لزيادة التحاق الطلاب اللاجئين بالتعليم، غير أن إجراءات غير قانونية هي الوسيلة الأساسية التي يمكن من خلالها تنفيذ القانون. من أجل تحسين معدلات الالتحاق، ودمج الأطفال اللاجئين بشكل كامل في المجتمع التركي وحمايتهم من المآسي مثل عمل الأطفال القسري والزواج المبكر، من الضروري تطبيق بنية تحتية عملية لإدراك حقوق هؤلاء الأطفال، وتطبيقها.

كييرا ولس

2109-03-11

المصدر : -Qassioon Academyأكاديمية قاسيون

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى