40 في المئة من المهجرين في مخيمات الشمال السوري يعانون انعدام المياه
يعاني قرابة نصف مليون شخص من انعدام المياه في نحو 240 مخيماً في الشمال السوري، مما يدفع سكان المخيمات تلك إلى الاعتماد على مياه من مصادر غير صحية أو معقمة وبتكاليف باهظة مقارنة بدخلهم شبه المعدوم، الأمر الذي يقلل من حصة استهلاك الفرد للمياه وما ينجم عنه من أمراض وأوبئة تهدد حياتهم في ظل الواقع الصحي المتردي الذي يعيشه الشمال السوري أساساً.
وتنتشر المخيمات التي تعاني من مشكلة انعدام المياه في مناطق كللي، كفريحمول، معرتمصرين، محيط إدلب، أطمة، قاح، حزانو، كفرلوسين، عفرين، الباب، جرابلس، ويبلغ عدد المخيمات المتضررة 240 مخيماً، تعيش فيها 73,143 عائلة، ويبلغ عدد الأفراد الكلي 421,326 نسمة، بينهم 162,554 طفلاً، و 131,678 امرأة، و 3,854 من ذوي الاحتياجات الخاصة، بحسب محمد حلاج مدير فريق “منسقو استجابة سوريا” المعني بالوضع الإنساني في شمال غربي سوريا.
وبحسب إحصائية لفريق منسقو استجابة سوريا نهاية العام الفائت، تحتوي المنطقة الخاضعة لسيطرة المعارضة 1304 مخيمات، بينها 393 مخيماً عشوائياً، ويعيش فيها مليون و48 ألفاً و389 نازحاً ومهجراً، بينهم 187 ألفاً و764 شخصاً في المخيمات العشوائية.
وبناء على الإحصائيات المذكورة أعلاه، فإن 40 % من إجمالي عدد النازحين والمهجرين في مناطق سيطرة المعارضة شمال غربي سوريا يعانون من انعدام المياه.
واقع مرير بلا مياه مدعومة وسعر البرميل 3-6 ليرات تركية
مخيم شامنا في منطقة بابسقا قرب معبر باب الهوى مع تركيا تقطنه أكثر من 300 عائلة من المهجرين من عدة مناطق سورية، يوضح مديره “عبد القادر تلوج” بأن العوائل بدأت السكن في المخيم منذ تشرين الأول العام الماضي ولم تقدم أي منظمة المياه للنازحين فيه.
ويقول تلوج: نعاني من شح كبير في المياه وبدأ فصل الصيف وازدادت حاجتنا إلى المياه ولم تقم أي جهة بمساعدتنا، ونقوم بشراء المياه بتكاليف باهظة حيث يبلغ سعر البرميل الواحد 3 ليرات تركية.
أيضاً راكان الأحمد من سكان المخيم يقول إن شراء المياه مشكلة يومية تؤرق سكان المخيم فهي حاجة أساسية للشرب والطهي والنظافة، وإن ارتفاع أسعارها يقلل من كمية المياه التي تستخدمها عائلته إلى أقصى الدرجات.
مخيم المثنى قرب بلدة تل الكرامة والذي يحوي 460 عائلة، أيضا يعاني من انعدام المياه منذ 5 أشهر ويشتري سكانه برميل المياه بـ 4 ليرات تركية، وكانت تقوم “منظمة عطاء” بتوريد المياه إلى المخيم لكنها توقفت قبل ثلاثة أشهر بشكل مفاجئ بعد تقديم المياه لأربعة أشهر فقط رغم وعودها بتقديم المياه لعام كامل بحسب كلام بعض أهالي المخيم ممن تحدث إليهم موقع تلفزيون سوريا.
هيام العبد الله أرملة تقيم في المخيم تقول إنها عاجزة حتى عن شراء المياه فهي بلا معيل وتعيش وأطفالها على السلة الغذائية التي تصل إليها من المنظمات، ولا سبيل لديها للحصول على المياه سوى بيع بعض محتويات السلة الغذائية التي تصل إليها.
وما زال مخيم الرحمة 1 في منطقة الشيخ بحر بلا مياه منذ 3 أشهر، حيث قامت منظمة بنفسج بتوريد المياه إلى المخيم على مدار 4 أشهر ثم توقفت بشكل مفاجئ ومن دون سابق إنذار عن تزويد المخيم و6 مخيمات أخرى في منطقة الشيخ بحر بالمياه، بحسب مدير المخيم عبد الله السطوف.
ويقول السطوف: خالفت بنفسج بنود مذكرة التفاهم بينها وبين المخيم فلم تقم إلا بتزويد المخيم بالمياه في حين ينص العقد الذي اطلع عليه مراسل موقع تلفزيون سوريا على شرط قيام المنظمة بتأهيل كتل دورات المياه في المخيم وشفط الجور الفنية وتوزيع سلال النظافة والصابون وإقامة حملات التوعية الصحية وتركيب وتوزيع خزانات مياه ونقاط لغسل الأيدي داخل المخيم.
ويضيف أحمد المحمد من سكان المخيم ذاته بأنه يستهلك وأسرته في الشرب والجلي والغسل والوضوء نصف برميل يومياً بثلاث ليرات تركية فسعر البرميل 6 ليرات نظراً إلى طبيعة المخيم الجبلية الوعرة وبعده عن آبار المياه.
ويختتم المحمد حديثة قائلاً: “في الصيف يجب أن يقوم الشخص بالاستحمام مرتين يومياً بسبب الحر والعرق في الخيام لكن حتى الاستحمام سيصبح حلماً لنا نحققه مرة كل أسبوع”.
جهود المنظمات غير كافية بسبب قلة الدعم
تعمل العديد من المنظمات على توريد المياه إلى المخيمات في الشمال السوري وأبرزها منظمات: وطن,عطاء، مرام، iyd، شفق، أكتيد، إحسان، بنفسج.
منظمة بنفسج إحدى تلك المنظمات العاملة في الشمال السوري وتغطي جزءاً من مشاريع توريد المياه إلى المخيمات، واشتكى عدد من سكان المخيمات توقفها عن توريد المياه.
وأوضح وسيم السويد منسق قطاع المياه والإصحاح في المنظمة – مكتب سوريا: “بدأ عملنا ضمن 67 مخيماً خلال شهر تشرين الثاني 2020 وانتهى مع بدايات نيسان 2021، أي أن عملية التوريد توقفت لانتهاء المشروع لا لأسباب أخرى”.
وتابع “السويد”: الخدمات كانت كثيرة ومنوعة ضمن هذه المخيمات، مثل توريد مياه الشرب المعقمة وشفط الجور الفنية وإنشاء دورات مياه جديدة وصيانة كتل قديمة كانت موجودة بالأصل وتقديم خزانات مياه ونقاط لغسيل الأيدي لمكافحة COVI-19 إضافة إلى سلل نظافة وكيتات صابون وفرق توعية حول COVID-19.
ونفى السويد الادعاءات بتوقفهم عن توريد المياه بشكل مفاجئ ومن دون سابق إنذار إلى المخيمات، وأكد أنهم على تنسيق مباشر مع مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية “أوتشا” ضمن ما يعرف بـ”كلاستر الووتش – wash cluster” ويقومون بإخبار الجهات الدولية عن موعد بدء تنفيذ المشروع وموعد انتهائه واسم المخيم وكمية المياه الموردة إليه يومياً.
وعن الشكوى التي استمع إليها مراسل موقع تلفزيون سوريا عن عدم قيام منظمة بنفسج بتنفيذ جميع بنود مذكرات التفاهم مع المخيمات فيقول السويد: إن الحاجة الأساسية تكون توريد المياه وإن بقية الأنشطة تعتمد على تقييم مدى الاحتياج إليها ضمن المخيم وعلى الموارد المتاحة لدى المنظمة.
وأوضح السويد أن منظمة بنفسج ليس لديها في الوقت الحالي مشاريع قائمة في مجال توريد المياه لكنها تسعى للبحث عن مشاريع لسد هذه الاحتياجات، التي تفوق قدرات المنظمات بحسب وصفه.
“حكومة الإنقاذ” قالت على لسان محمد عبود معاون مدير شؤون المخيمات إنها تسعى لنقل المخيمات العشوائية إلى مخيمات منظمة ليسهل وصول المساعدات وضمنها المياه إليها، كما تحدث عبود عن متابعتهم لعقود المنظمات والبحث بشكل دائم عن منظمات بحيث تكون عقود توريد المياه متعاقبة، ريثما تتم “الحكومة” إنشاء خطط مستدامة لوصول المياه إلى المخيمات عبر حفر الآبار وبناء الخزانات وشبكات المياه.
تحذيرات من كوارث مستقبلية
من جهته يحذر محمد حلاج مدير فريق منسقو استجابة سوريا من انتشار الأوبئة خاصة في أماكن المستنقعات الصغيرة الجافة والتي كانت تتشكل عند خزانات المياه قبل توقف تعبئتها بالمياه وجفافها وانتشار الحشرات المسببة للأوبئة، واعتبر حلاج أن قلة المياه له آثار سلبية في موضوع انتشار الحرائق في المخيمات، خاصة في المناطق الجبلية والبعيدة عن وجود مراكز الدفاع المدني وفرق الإطفاء، حيث تمتد الحرائق على مساحات واسعة، بسبب عدم توافر المياه داخل المخيم لإخماد أو إيقاف انتشار الحرائق بشكل سريع، وذلك كإجراء إسعافي ريثما تصل فرق الإطفاء.
ويقول حلاج إن مشكلة انعدام المياه لا تنحصر في المخيمات العشوائية فقط بل في المخيمات المنظمة أيضاً، وحمل المسؤولية لجميع الجهات في الشمال السوري بما فيها المنظمات الإنسانية، معللاً ذلك بكون “المياه حاجة رئيسية لا يمكن الاستغناء عنها”.
ويعتبر حلاج أن أكبر المشكلات التي تواجه النازحين هي الكلفة المادية الباهظة لشراء المياه بالصهاريج، والخوف من حصول النازحين على المياه من مصادر غير آمنة.
كما تحدث حلاج عن الضرورة الملحة لتأمين المياه والخزانات قبل تفاقم الوضع وانتشار الأوبئة والأمراض في المخيمات، موضحاً أن نتائج انعدام المياه لن تظهر في الوقت الحالي لكنها ستكون كارثية بسبب العدد الكبير للأفراد الذين يعانون من انعدام المياه.
من جهته يحذر الطبيب أنس السيد الدغيم من انتشار نوعين من الأمراض كالأمراض الجلدية مثل “الجرب – القمل – الدمامل – والقوباء الجلدي” الناجمة عن قلة العناية بالنظافة الشخصية والعامة، وأيضاً الأمراض المعوية مثل “الحمى التيفية – الحمى المالطية – التهاب الكبد A – الإسهالات المتكررة” الناجمة عن المياه الملوثة في حال حصل ساكنو المخيمات على المياه من مصادر غير آمنة.
وبحسب تقديرات المنظمات الإنسانية العالمية، تبلغ حصة الفرد من المياه في الأحوال الطبيعية 35 ليتراً، في حين تبلغ كمية المياه الدنيا التي يجب على الفرد الحصول عليها يومياً 15 ليتراً للبقاء على قيد الحياة فقط، وذلك بحسب الميثاق الإنساني والمعايير الدنيا في مجال الاستجابة الإنسانية (مشروع اسفير)؛ وهو ما لا يحصل عليه معظم سكان هذه المخيمات المتضررة في الشمال السوري بحسب عاملين في الشأن الإنساني.
المصدر : تلفزيون سوريا