وفاة “طبيب الغلابة” في مصر توقظ ذاكرة السوريين ويستعيدون قصص أطباء عالجوا الفقراء مجانا
أيقظ خبر وفاة طبيب الغلابة المصري “محمد المشالي” خلال الأيام الماضية ذاكرة السوريين واستعادوا على صفحات التواصل الاجتماعي شخصيات لأطباء سوريين بلسموا جراحهم وكانوا بدورهم عوناً للفقراء والمساكين، ولم يتخذوا من هذه المهنة الإنسانية مجالاً للجشع أو التجارة كما يفعل آخرون رغم ظروف الحرب ووطأة العيش بالنسبة لشريحة كبيرة من السوريين.
وأشار الصحفي والكاتب “عبد الرحمن ربوع” في حديث لـ”زمان الوصل” إلى أن ذيوع قصة الطبيب المصري “محمد المشالي” الإنساني في مهنته ومعالجته للفقراء مجانا كشفت لنا ما يتمتع به هذا الطبيب الراحل من أخلاق وتضحية وعطاء، وتابع محدثنا أنه يتذكر لكونه من إدلب الطبيب “فؤاد زيادة” و”مصطفى كامل بركات” لأنهما كانا كبيرين في السن وكل أهل إدلب يعرفونهما، وكان هذان الطبيبان الراحلان -حسب قوله- مثالاً يحتذى به، وهذا لا يمنع من القول إن هناك المئات وربما الآلاف وبعضهم ضحى حتى الرمق الأخير تحت القصف والدمار وخصوصاً في المناطق المحررة، وكانوا على قدر المسؤولية وضحوا بكل ما يملكون في سبيل رسالتهم.
وكشف محدثنا أنه تعرف إلى الدكتور الراحل “فؤاد زيادة” أواخر الثمانينات وكان مقصداً لأهالي المدينة والريف لمهارته المهنية ورخص معاينته.
وتابع محدثنا أن اسم الطبيب الراحل زيادة وابتسامته ولهفته على كل موجوع لا ينساها أهل إدلب كباراً وصغاراً، مذكّرا أن مهنة الطب هي مهنة إنسانية بالدرجة الأولى وهي تضارع مهنة المعلم والأمومة والأبوة، ولذلك يتذكر الناس الآن -كما يقول- أن هذه المهنة رسالة وليست تجارة.
ويضيف “يبدو أن الناس تعبت من تكاليف العلاج والطبابة الباهظة وحتى في المشافي الحكومية، وأردف ربوع أن في سوريا الآلاف من “أطباء الغلابة” وليس طبيباً واحداً أو اثنين في كل المناطق المحررة وحتى غير المحررة يضحون بكل شيء في ظل شظف العيش والحصار والمعاناة وغلاء الأسعار، ومع ذلك يتعاملون برفق وإنسانية ومهاودة لأن التطبب ليس رفاهية يطلبها الإنسان بل هي حاجة ضرورية ويحب أن تقدم له سواء كان يملك ثمنها أو لا يملك.
وفي حي “جرمانا” بدمشق لا يزال الكثيرون من السوريين يتذكرون الطبيب الراحل “إحسان عز الدين” الذي كان يعاين الأطفال المرضى من أبناء الفقراء بأسعار رمزية ما جعله مقصداً لكافة فقراء دمشق وبقية المحافظات السورية.
بعد أن أنهى الطبيب “عز الدين” اختصاصه بجامعة دمشق في الأمراض الباطنية للأطفال عام 1968، افتتح عيادته في مدينة “جرمانا” وتولد لديه شعور بالمسؤولية نحو خدمة المجتمع والعناية بالمرضى والفقراء.
وعندما اندلعت الحرب في سوريا، فتح أبواب عيادته للنازحين السوريين، ودأب على تقاضي مبلغ لا يتجاوز 500 ليرة سورية بحيث يشعر أولئك الذين يتلقون العلاج بأنهم يدفعون ثمن الخدمة المقدمة لهم وأنها ليست بمثابة الصدقة، رغم أن كشفيات الأطباء الآخرين لا تقل عن خمسة أضعاف هذا المبلغ الرمزي، وفي عام 2003، أسس “عز الدين” بالتعاون مع زوجته ومجموعة من زملائه الأطباء جمعية جرمانا الخيرية بهدف تلبية احتياجات الفئات الضعيفة والفقيرة في مدينة جرمانا والمناطق المحيطة بها.
وفي مدينة حمص لا يزال الكثيرون من قاطني مخيم العائدين للاجئين الفلسطينيين وأحياء المدينة يتذكرون الدكتور “محمد خلايلي” الذي أطلقوا عليه لقب “طبيب الفقراء” لإنسانيته وتواضعه وعطائه اللامحدود.
وروى ناشط من أبناء مخيم العائدين -فضل عدم ذكر اسمه- أن الطبيب خلايلي ينحدر من قرية “الجش” قضاء مدينة صفد الفلسطينية 1947 وكان في السنة الأولى من عمره حينما لجأت عائلته إلى سوريا واستقرت في مخيم “العائدين” بمدينة حمص بعد نكبة فلسطين، وحصل على شهادة الثانوية عام 1965 بتفوق ثم حصل على بكالوريوس في الطب البشري من جامعة دمشق عام 1972، وغادر بعدها إلى ألمانيا لمتابعة الدراسة والاختصاص في الجراحة العظمية والأوعية الدموية، وعمل هناك في مستشفيات مدينة “دوسلدورف” الألمانية حتى عام 1982، ثم عاد ليعمل في مستشفيات الهلال الأحمر في سوريا ولبنان ويفتتح عيادته الخاصة في منزله وسط مخيم العائدين.
وكشف المصدر أن الطبيب الراحل كان يمتطي دراجة هوائية في تنقلاته في مشهد غير مألوف لطبيب في فترة الثمانينات والتسعينات، ويكتفي بتقاضي 25 ليرة سورية من الفقراء والمساكين وهو مبلغ لا يساوي 1 % مما كان يتقاضاه أطباء آخرون، ومن لا يملك هذا المبلغ الزهيد يعالجه مجاناً ويعطي الدواء مجاناً لفقراء الحال والمعدمين، مما دعا بعضهم للهجوم والنقمة عليه معتبرين أنه السبب في “قطع “رزقهم” و”قلة زبائنهم”.
واكتسب خلايلي –بحسب المصدر- شهرة كبيرة في حمص وضواحيها ونال محبة الكبير والصغير، واستمر في عمله حتى وفاته عام 2007 بعد إصابته باحتشاء في القلب ومات زاهداً في الحياة حتى دون أن يتزوج.
ومثل “خلايلي” لُقّب الدكتور الراحل “أنيس المصري” من قبل أهل حمص بـ”رجل البر والطبيب الإنسان وأبو الفقراء والمساكين” لأنه لم يتخذ من الطب مهنة للتكسب بل جعلها مهنة للرحمة والإنسانية بأسمى معانيهما.
كما أشار مصدر كان يعمل مع “المصري” في مشفى “البر والخدمات الاجتماعية”، إلى أن الأخير تخرّج من كلية الطب عام 1955 وعمل في مستوصف كان مقره بجانب “الجامع النوري الكبير” عام 1956، ثم تطورت الفكرة تدريجياً حتى أصبح مستوصف “الحميدية” معلماً بارزاً من معالم المدينة وجمعية البر، وكانت المعاينة مقابل مبلغ رمزي ويعطى المريض الدواء إن توفر، وإلى جانب تعامله الإنساني مع مرضاه في عيادته الخاصة كان المصري مؤسساً لأول مشغل للخياطة النسائية احتضن عشرات الفتيات الفقيرات بالرعاية والتدريب والتعليم المهني.
بدوره أشار الدكتور “حسان شمسي باشا” إلى آن الدكتور المصري “نذر حياته لخدمة المرضى فقراء وعجزة في “جمعية البر والخدمات الاجتماعية” لم يأبه لمال ولا جاه، وما سعى يوماً لشهرة أو منصب وإذا كان لأخلاق الطبيب رمزٌ فقد كان رمز خير يمشي على الأرض”.
وفي جبلة على الساحل السوري لا يزال أهالي المدينة يتذكرون طبيب الأسنان “عبد الله حلبي” الذي رحل قبل ربع قرن إثر معاناة مريرة مع مرض سرطان القولون واستطاع أن يحجز له مكاناً مرموقاً في أفئدة الناس ويغرس فيها الحب والمودة.
وروى ناشطون أن حلبي “كان نموذجاً عملياً مفيداً في خدمة مجتمعه والتكافل بين مواطنيه، ورمزاً للابتسامة الجميلة التي كان يرسمها على وجوه المرضى من الفقراء والأيتام والمحتاجين الذين كانوا يقصدون عيادته، ليقدم العلاج لهم مجاناً ودون مقابل”.
ولم تعدم مدينة الرقة أطباء كانوا عوناً للفقراء والمساكين من المرضى ومنهم الدكتور الراحل “محمد علي كورج” الذي كان مثالاً للطبيب البسيط بمعاملته لمرضاه ولم يكن يوماً يفكر بالجشع المادي عكس الكثير من الاطباء الجشعين ممن جلّ همهم جمع المال دون التفكير بحال المرضى الفقراء، حسب ناشطين.
ولم يوفر نظام الأسد أطباء الفقراء والمساكين في كل أنحاء سوريا إذ اعتقل الطبيب الفلسطيني “أسامة عمر الخالد 64 عاماً” الملقب بـ”طبيب الأيتام”، من سكان مدينة درعا، ليقضي تحت التعذيب في سجون النظام السوري، وذلك بعد أكثر من عام على اعتقاله.
واعتقل الخالد في 3 أغسطس/ آب العام الماضي عقب حملة دهم واعتقال شنها فرع الأمن العسكري في مخيم “معربا” غربي درعا، ومن ثم اقتيد إلى سجن فرع “المداهمة” بدمشق.
ووفق “مجموعة العمل من أجل فلسطيني سوريا” فإنّ الطبيب الفلسطيني “الخالد” المتحدر بلدة “عين غزال” في فلسطين، قضى تحت التعذيب في سجون النظام، وذلك بعدما ساءت حالته الصحية، تدهور وضعه الصحي بعد إصابته بفشل كلوي نتيجة التعذيب والإهمال داخل فرع الأمن العسكري بدمشق ولقب الخالد الذي كانت له عيادة في قرية الشجرة بريف درعا الغربي، بـ”طبيب الأيتام”، بسبب علاجه للفقراء والمحتاجين بلا مقابل، وصرفه الدواء المجاني لهم.
المصدر : زمان الوصل