هوس العرب الأول: نظريـة المؤامرة ..
نظرية المؤامرة هل هي حقيقة أم تزييف ؟!
المؤامرة، مصطلح دائماً ما يستخدمه الجانب الأضعف في أي معادلة إنسانية لوصف المحاولات المستمرة للجانب القوى لإقصائه من المعادلة. ولكن هل من الممكن بأي حال من الأحوال أن تكون المؤامرة هي لعبة الجانب الأقوى؟!
هل من الممكن أن يقوم القوي بكشف نفسه أمام الضعفاء (بل ووصف نفسه بما ليس لديه)؟ ألا ترى أن المصادر المقروءة ومقاطع الفيديو نفسها تعطى لما تسميهم النخبة قوة توازي الألوهية؟
هل هم كذلك؟ أم أنها مجرد بروبجاندا للغرب لجعلك خائفاً منهم طيلة الوقت؟ لا أحد يعلم، و لكن تابعوا تحليل الموقف في هذا المقال.
أمثلة و تأملات في نظرية المؤامرة
بدأت نظرية المؤامرة وتشعباتها في الظهور في الوطن العربي في 2008 بالأخص حيث العام الذي انطلقت فيه أشهر سلسلة تناقش الأحداث والنبوءات المتعلقة بالمؤامرة وهي سلسلة “القادمون”، والتي شرحت بالأدلة في بعض الأحيان وبالتكهن في أحيان أخرى بتاريخ النخبة المتآمرة منذ أيام الحروب الصليبية حتى الآن.
تعالوا نلقي الضوء باختصار على أهم أفكار النظرية ثم نحللها:
أصول تاريخية: يعتمد هذا الجزء من النظرية على استعراض التاريخ الخفي غير المكتوب (الذي لم تخبرنا به الكتب) عن مجموعة من الأشخاص استطاعوا عن طريق كتب السحر والشعوذة المدفونة في القدس منذ عهد سيدنا سليمان أن يجمعوا ثورات وموارد هائلة مكنتهم فيما بعد من التحكم في العالم. ويطلق عليها الكثير من المسميات: فرسان الهيكل، الماسونيين، والمنتورينilluminati.
السياسة والاقتصاد: الجماعة السابق ذكرها تمكنوا من التحكم في العالم الحالي من ثروات وموارد من خلالها قاموا بالتأثير على الإعلام وتمويل الحروب العالمية، كلها تعمل لخدمة أهدافهم وهي إقصاء الأديان وتحقيق مخططات شيطانية.
التحكم بالعقل: من الأفكار الشائكة بالنظرية، ففي هذه الجزئية، تسعى النخبة إلى زرع أفكار بداخل عقول العامة لتصنع أجيالاً فاسقين جاهلين وغير قادرين على إنجاز أي شيء. فمثلاً تضع إيحاءات جنسية في داخل أفلام الكرتون لكي تجعل الأجيال تعتاد على المشاهد الجنسية منذ الصغر، وكذلك الأمر مع العنف وتغيير العقائد.
الأبحاث العلمية القاتلة: تتطرق هذه الجزئية لما توصلت اليه النخبة من تقدم تقني وعلمي حتى يصل البعض إلى القول أنهم متقدمين عن العالم بأكثر من 200 عام. فتجد أنهم اخترعوا أطباقاً طائرة لتزييف هجوم فضائي سيحدث قريباً – وفقاً لأقوالهم – وأنهم اخترعوا جهازاً يتحكم في المناخ تحت مسمى مشروع HARRP، وأنهم لديهم خطة تسمى “الشعاع الأزرق Blue Beam” من خلالها ستقوم باستخدام تكنولوجيا الهولوجرام لكي تظهر شخصيات دينية – لكل دين شخصيته الخاصة – تقنعهم باتباع النخبة!!
المرجعية الدينية: يستند أهل هذه النظرية إلى أن المؤامرة تدار عن طريق المسيح الدجال وإبليس شخصياً. وهناك شهادات لأشخاص كانوا من النخبة ثم تركوها فيما بعد تثبت ذلك، بل وتفضح مخططاتهم. ولن يقدر أحد على محاربتهم حتى يظهر الإمام المهدي فيقتل الدجال ويتلوه نزول سيدنا عيسى الذي يصاحبه القضاء على يأجوج ومأجوج.
المؤامرة بين الحقيقة والتزييف
النظرية تبدو أكثر تشويقاً إذا تابعتها من خلال بعض السلاسل على اليوتيوب مثل القادمون أو عصر الاستيقاظ. هناك الكثير من المقاطع التي ستجبر عقلك على التصديق بكل ما يبث لك. ولكن هل كل ما يسرد يجب تصديقه؟ هناك بضع ملاحظات على النظرية بالمجمل:
نحن نعلم أن هناك حكومات فاسدة تسرق وتنهب وتقتل من أجل مصالحها، هذا يحدث منذ قديم الأزل. وكذلك أن القوى العظمى تتآمر للقضاء والاستيلاء على ثروات الدول الصغيرة والضعيفة والقضاء على الأديان بصفة عامة. هذه أيضاً إحدى سنن الله في الأرض.
لايوجد أدلة كافية لإثبات ما يتعلق باستخدام النخبة لسحر الجن – الذين تلوا فترة سيدنا سليمان – لجني الثروة، بل وأن فرسان الهيكل هم الذين يحكمون العالم الآن. كل الأدلة التي تقدمها السلاسل ضعيفة جداً. خصوصا الأدلة التي تربط العائلة الملكية البريطانية بالفراعنة!!
كل الأبحاث العلمية التي تتحدث عنها النظرية تحتاج إلى كم هائل جداً من الموارد المالية والمعدنية والبشرية والفكرية، ومدة لا بأس بها لكي تحصل على نتائج مبدئية لمشروعاتهم. وأيضاً لا يوجد إثبات مادي على الوصول الفعلي للنتائج الملموسة في هذه المشاريع، حتى الصور والمقاطع لجهاز مشروع هارب وغيره لا تثبت أنه يحقق النتائج المطلوبة (مجرد مقاطع عشوائية).
موضوع التحكم بالعقل هو امر نعيشه ولا جدال فيه. فمصطلح مثل الإعلام الموجه والإيحاءات الجنسية هي من المصطلحات الأكثر شيوعاً في الفترة الأخيرة، بالرغم من ذلك فإن المؤامرة تستعرضه بشكل مبالغ فيه لدرجة أنها تتحكم في نشأتك وبالتالي مصيرك .. فإذا تحكمت في مصيرك، فكيف سيحاسبك الله على هذا الأساس؟!!
الرابط الديني في المؤامرة خطير جداً. فهو لا يدعو القارئ إلى أى شيء سوى الانتظار .. متى سيأتي المهدى ليخلصنا (والموضوع بالمثل في الجانب الأمريكي من المؤامرة حيث ينتظرون المسيح بدلاً من إحداث أي تغيير). نحن بلا حيلة بدون المهدي لذلك علينا انتظاره، وأي محاولة للتغيير قبل مجيئه سنفشل فيها بلا محالة.
ملحوظة: أنا لا أشكك في النبوءات الدينية، ولكن هناك شيء مريب فى ربط المؤامرة بالدجال وبالتالء انتظار المهدء. واجهنا الكثير من المحن على مر التاريخ وقمنا باجتيازها .. ألا توافقني الرأي؟
لماذا قد يوجد تزييف في نظرية المؤامرة؟
فى عالم نظرية المؤامرة، ينقسم الناس أمامها فرقاً عديدة:
الأول: هو رافض تماماً لها ويعتقد بأن الدول المتقدمة تسعى للسلام العالمي الدائم وديموقراطية الشعوب المستضعفة وغيرها من المصطلحات الوردية، ذلك الفرد يصدق كل ما يقال له في التلفاز ويقرؤه في الصحف.
الثاني: يصدق أن الغرب شرير ولكن ليس لهذه الدرجة. وهو في غالب غير مهتم ويعتقد أن هناك أمور أكثر أهمية في الحياة من هذا.
الثالث (يتنامى يشكل مريب): هو متفق تماماً معها بل يتابع آخر مقاطع ومقالات ونظريات المؤامرة ويربط أي حدث عرضي يظهر بالأخبار بأنه من فعل المؤامرة بحيث تصل في بعض الأحيان تحكم النخبة في مقاليد العالم إلى درجة الألوهية. فهم يشنون حروباً مدبرة بين الشعوب ويتحكمون في عقول شعوبهم لدعم تلك الحروب، ويستخدمون العلم ليصنعوا زلزالاً في منطقة كذا وفيضاناً في بلد كذا، ويحدثون خللاً اقتصادياً في بلد كذا وجفافاً في بلد كذا ورفع درجات الحرارة في بلد كذا وبالتالي التأثير على المحاصيل الزراعية.
نحن لا نختلف على أن أغلب الفريق الأول ساذج جداً، والفريق الثاني يرى أن هناك خلل في الرواية لكنه غير مهتم بالتدقيق والبحث بل وقد يقوم بإخفاء خوفه خلف عباءة عدم تصديق ما يحدث. ولكن تعالوا نحلل ما الذي يحدث مع الفريق الثالث:
مبدئياً، هو قام بنسب دور الإله إلى النخبة المتآمرة فهي – معاذ الله – تحيي وتميت ، وتطعم وتسقي، وترزق وتتحكم في العقل، وتتحكم في الجمادات وفي الظواهر الطبيعية. لذلك كثيراً ما أتساءل: ماذا تبقى لهذا الفريق من إيمان في قلوبهم؟
تجد أغلب المنتسبين لهذه الفرقة يظنون أنه يفهم كل شيء ولكنه في نفس الوقت يائس خائف مترقب – بالرغم من أن المعرفة هي القوة – و هو لا يقوم بأي شيء نافع في حياته لأنه يعلم أنه مهما فعل فإن فعله سيصب في مصلحة النخبة أو أنه إذا حاول الإصلاح فإن النخبة ستمنعه.
أصحاب هذه الفرقة لا يسعون لتطوير قدراتهم أو مهاراتهم لأنهم يعتقدون أن الناجحين والمتميزين هم مجرد تروس صغيرة في آلات عملاقة سخرت لخدمة النخبة.
هناك سؤال أنا أعتقد شخصياً أنه سؤال المليون دولار. وهو ” كيف ولماذا خرجت كل هذه المعلومات عن المؤامرة العالمية إلى العامة؟” وماذا لو أن هذه المعلومات تسربت عمداً؟ وما هو الهدف؟ ..
“من يخاف من الذئاب لا يذهب إلى الغاب” مثل روسي
ما الهدف من أن أخبرك أن هناك وحش في الغابة سيأكلك بمجرد دخولك الغابة؟ الهدف هو أنني لا أريدك أن تذهب أبداً إلى الغابة، وما الهدف من أن أخبرك أن هناك نخبة لديهم نفوذ قوي ويتحكمون في كل موارد العالم بل ويحددون من سوف يتقلد المناصب الكبرى ويختارونه بعناية؟ الهدف المباشر هو أن تفضحهم وتنشر مؤامرتهم، لكن الهدف الحقيقي هو اأا تقوم بفعل شيء في حياتك بدافع انعدام جدوى هذا العمل، والخوف من أن تكون هدفاً للنخبة.
نعم، الخوف في حد ذاته غاية، فطالما أنت كذلك فأنت بالأحرى ميت.
تبدأ حياتنا فعلاً إذا توقفنا عن الشعور بالخوف الدائم .. دورثى تومسون، صحفية أمريكية
أنا لا أدعي أن كل المؤامرة كذب ولكن أقول أنها أخرجت للعامة بشكل متعمد كما أنها اختلطت ببعض الزيادات والتجويدات التي تعطي لها الرونق والهبية والحبكة المطلوبة بحيث لا تجد مخرجاً ولا تستطيع التغيير.
دور الأشخاص تجاه المؤامرة
“الخوف يجعلنا نركز على الماضي ونقلق بشأن المستقبل. إذا اعترفنا بوجود هذا الخوف بداخلنا، سندرك حينها أننا ما زلنا بخير وعلى قيد الحياة وأجسامنا تعمل بشكل رائع وأعيننا ما زالت قادرة على تأمل السماء. وآذاننا قادرة على سماع الأشخاص الذين نحبهم” سيث نات هانه، معلم ومؤلف وناشط فرنسي.
أنا لا أطلب منك أن تبتعد أو تغفل عما يدور حولك من أحداث ومؤامرات، بل يجب أن يكون جزء من التراكم المعرفي لديك. ولكن الأهم من معرفة معلومات عن النخبة والمؤامرة هو التعرف على اسباب تواجد هذا الكم من المعلومات عن المؤامرة على الإنترنت وعدد السلاسل بالعشرات وكله ينقل الكلام من الآخر وكأنها حلقة مفرغة.
كل هذا يرسل لك رسالة واحدة “أنت لست قادر على فعل شيء”، بل والمقزز في الموضوع أن بعض الفرق بدأت تستخدم الخوف المتنامي في التسويق لأفكارهم وأنفسهم تارة ولبيع سلعهم الرخيصة تارة أخرى.
الناس من خوف الفقر في فقر، ومن خوف الذل في ذل .. محمد الغزالي
ما أطلبه منك هو ألا تصدق قبل أن تفكر، وإذا صدقت لا تخف، واعمل واجتهد وطور من ذاتك وتعلم مهارات جديدة وانجح وسافر وتعرف على ثقافات أخرى، ولا تكتفي فقط بالتعرف على العالم عن طريق التلفاز … و ربما للحديث بقية.
أحمد سعد كمال
المصدر: AraGeek – أراجيك