مقالات

نفايات البلاستيك فرصة عمل ومخاطر تسكن المخيمات

تلتقط إيمان نفساً عميقاً قبل أن تصل إلى عملها بـ فرز البلاستيك وسط  تلاله المحيطة بالمخيم الذي تسكنه على الطريق الواصل بين بلدتي حزانو ومعارة الأخوان (شمالي إدلب).

لم يكن المكان مكباً للنفايات البلاستيكية سابقاً، إلا أنه يبدو كذلك اليوم بعد أن نشطت مهنة فرز البلاستيك وإعادة تدويره. يرافق ذلك نفايات أخرى تتجمع خلال عملية الفرز. وتصدر رائحة تصفها إيمان بـ “الكريهة”. ويمكن للمارة عبر هذا الطريق استنشاقها على مسافات طويلة

عشرات من الشاحنات الكبيرة تصل إلى المكان لترمي حمولتها فيه. عمال يرتدون الكمامات والقفازات لحماية أنفسهم. يصرخون لتبادل الأحاديث بحماسة تفوق الضجيج الصادر عن آلة الجرش المثبتة بالقرب منهم.

لا يبدي سكان مخيم “الخليفة” انزعاجهم مما يحدث. تتجمع أعداد كبيرة منهم ومن مختلف الفئات العمرية حول أكوام النفايات للعمل بـ فرز البلاستيك حسب لونه ونوعه، ثم جرشه وإرساله إلى معامل الصهر، متجاهلين المخاطر والروائح الكريهة الناجمة عن هذا العمل.

سماع أصوات الشاحنات وآلة الجرش والرائحة أصبحت “محط سعادة” بالنسبة لسكان المخيم، يقول من تحدثنا معهم إنها ارتبطت بـ “مصدر رزقهم” وسط غياب لفرص عمل أخرى يعتمدون عليها.

يقول من تحدثنا معهم من عمال إن ما يحصلون عليه مقابل فرز البلاستيك يعينهم على الأعباء المالية المتزايدة. يضيفون ما يتقاضونه إلى السلة الشهرية التي يحصلون عليها شهرياً من منظمة ترعى شؤون المخيم لتمضية أيام الشهر التي وصفوها بـ “الثقيلة”، خاصة وأن الشتاء على الأبواب.

يعمل حمود الحسن (حاصل على إجازة في الحقوق) وزوجته فاطمة العمر (المجازة في اللغة الفرنسية) بـ فرز البلاستيك، يقولان إنهما لم يحصلا على فرصة عمل أفضل.

يأمل الحسن وزوجته من خلال عملهما تأمين ثمن التدفئة لعائلتهما المكونة من ستة أفراد. وتعيش العائلة في خيمة واحدة قسمتها فاطمة إلى ثلاثة أقسام يفصلها عن بعضها البعض قطعة قماشية، أحدها للاستحمام والآخر رتبت به أدوات المطبخ والمواد الغذائية، بينما يجلس أفراد العائلة وينامون في القسم الأخير الذي لا تتجاوز مساحته أربعة أمتار مربعة.

ليس من قبيل المصادفة وجود مهنة فرز البلاستيك بالقرب من هذا المخيم. لكنه جاء بطلب من مديره (ثلجي أبو علي) بهدف تأمين فرصة عمل لأكثر من ستين عائلة تسكن المكان.

يخبرنا أبو علي أنه وجد في هذا العمل فرصة لعشرات السكان العاطلين عن العمل، إذ يحتاج في أقسامه المختلفة من فرز البلاستيك والجرش (الطحن) والتعبئة لعدد كبير من العمال، وهو ما لفت نظره لاستقدام أصحاب هذا المهنة للاستثمار بالقرب من المخيم الذي يديره

،تنقسم ساعات العمل إلى فترتين أولاهما تبدأ مع شروق الشمس وتنتهي عند الظهيرة، حيث  تبدأ استراحة الغذاء في الوقت الذي ترتفع فيه درجات الحرارة، وتتبعها الفترة المسائية من الساعة الرابعة حتى السابعة.

يتقاسم العمال والعاملات ما يجنونه بعد الانتهاء من العمل بالتساوي، بحسب الوزن المنجز، وتبلغ أجرة الطن الواحد المجروش خمسة وعشرين دولاراً يتقاضى كل عامل منهم وسطياً نحو ألفي ليرة سورية يومياً (أقل من دولار واحد).

يقول من تحدثنا معهم إن أجرة شهر كامل لا تكفي لشراء وقود للتدفئة يكفي لعشرة أيام إلا أنهم يلتزمون بالعمل وفق مبدأ (بحصة بتسند جرة). ويفضلون “أجرتهم القليلة” على الجلوس في خيامهم دون عمل.

تتجمع أكوام البلاستك قرب المخيم ناشرة روائح كريهة في المكان ومخلفة نفايات ظاهرة للعيان، إذ تعتبر حاويات القمامة والمكبات المكان المصدر الأول لهذه المواد، في حين يتم جمع القسم الآخر عبر تجار الخردة الجوالون والأطفال العاملون بجمع البلاستيك.

يتجول أبو حمدو “رجل أربعيني يعمل بجمع البلاستك” بسيارته بين قرى إدلب بحثاً عن قطع البلاستيك كالكراسي المكسرة وصناديق الخضار وغيرها، يقول إنه يجمع كل ما تقع عينه عليه من البلاستيك سواء كان عبر شرائه من البيوت معتمداً على مكبرة الصوت، أو ما يتم جمعه من الشوارع والحاويات.
يبيع أبو حمدو ما يلتقطه من جولته إلى أحد تجار البلاستيك المكسر، ليقوم الآخر بجمعها وبيعها لورشات فرز البلاستيك

يتجاهل العمال ما تحمله هذه القطع من جراثيم وأوساخ ويكتفي بعضهم بلبس القفازات، لكنهم يحرصون على عدم تعرض أحدهم للجروح خشية “التهابها” نتيجة تلوث تلك المواد بحسب “حمادي” العامل في الورشة.

وتجذب مجمعات البلاستيك الذباب والحشرات الأخرى وكذلك القوارض والأفاعي، ما يشكل خطراً على سكان المخيمات القريبة، يضاف إلى ذلك أن النفايات البلاستيكية مواد غير قابلة للتحلل في التربة وتجميعها على التربة الصالحة للزراعة يفقدها خصوبتها على المدى الطويل، نتيجة لتراكم مادة الديوكسين الخطرة، كما أنها تحجب ضوء الشمس عن التربة ما يفسدها ويقتل كافة الحشرات الحية النافعة فيها بحسب مختصين زراعيين.

يكرر عاملون في هذا المكان عبارة “ما جبرك ع المر إلا الأمر” في إشارة منهم لصعوبة هذا العمل ومخاطره وقلة الأجور. إلا أن ارتفاع نسبة البطالة وقلة فرص العمل تدفعهم للقبول بأي عمل يجدونه دون التوقف عند طبيعته وفيما إن كان هناك تناسب بين ساعات العمل وما يتقاضونه.

تنحني إيمان لتكمل عملها بـ فرز البلاستيك وهي تكتم أنفاسها للتخفيف من الرائحة الكريهة التي تستنشقها. تقول السيدة إنها لمرات كثيرة تتوقف للحصول على هواء أكثر نظافة لطفلها الذي تنتظره بفارغ الصبر.

المصدر : فوكس حلب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Related Articles

Back to top button