من تصوير المظاهرات إلى عالم الأوسكار
وقف فادي مرتدياً بدلة سوداء فاخرة قرب شاشة العرض في إحدى دور السينما بولاية لوس أنجلوس الأميركية، يخالجه خليط من مشاعر التوتر والارتباك والخجل بعد أن حظي بتصفيق مدو وحار من مئات الحاضرين لمشاهدة فيلمه الوثائقي “آخر الرجال في حلب” المرشح لنيل جائزة الأوسكار المرموقة عن فئة الوثائقي الطويل في مارس/آذار من العام الماضي.
تباغته إحدى الحاضرات وتهمس في إذنه وعلامات البكاء واضحة على وجهها أن ما شاهدته للتو كان تحفة فنية تبهر وتؤلم في آن معاً، وتختصر مشاهده وتفاصيله الدقيقة حال الشعب السوري منذ انطلاق ثورته.
لم يخطر ببال الحلبي أن مشاركته في مظاهرة سلمية بمدينة حلب منتصف مارس/آذار 2011 ستكون لحظة ستغير حياته وتقلبها رأساً على عقب، فمن شاب في عمر المراهقة يبحث عن وظيفة بعيدة المنال إلى أحد أشهر المصورين المحترفين في سوريا.
نحو الأفضل
يقول الحلبي (25 عاما) للجزيرة نت “كنت على يقين تام بأن الثورة ستغير حياتنا نحو الأفضل، لأنه ببساطة كنا في عهد النظام مجرد قطيع من الخراف داخل حظيرة تعيش لتأكل وتنام وتتزاوج فقط، أي خطوة للإبداع والتفوق في سوريا كانت تصطدم بالملاحقات الأمنية.
وأكد على زوال النظام السوري نهاية المطاف، وذلك لأن الشعب الذي تنعم بالحرية من المستحيل أن يعود إلى القفص ويسلم يديه للأغلال مجدداً مهما بلغت فاتورة التضحية من أرواح ودمار، خاصة الشباب الذين شعروا بقيمتهم بعد الخروج من عباءة الاستبداد.
امتهن فادي التصوير بمحض الصدفة بعد تغطية الاحتجاجات السلمية في حلب عن طريق عدسة الهاتف، ولاحقاً شارك إلى جانب صحفيين وهواة بتأسيس مركز حلب الإعلامي أواخر عام 2012، هنالك اكتسب خبرة وأتقن فن التصوير وعمل لصالح كبرى المحطات الفضائية والوكالات العالمية.
وفِي إجابة عن سؤالنا عن رأيه بمستقبل الثورة مع حلول الذكرى الثامنة لانطلاقتها قال “الثورة منحتنا الحرية وقدمت لنا الكثير، على الصعيد الشخصي لن أدخر جهداً في البقاء على درب من قضى في سبيل نصرتها رغم المؤامرات والخذلان الدولي والمحاولات المستمرة لوأدها“.
عقاد مخاطبا ناشطين إعلاميين في مؤتمر منظمة الخوذة البيضاء (الجزيرة نت)
رياح التغيير
“مع نجاح ثورة يناير في مصر وسقوط نظام حسني مبارك أدركت في قرارة نفسي أن رياح التغيير قادمة بقوة لاجتثاث النظام القمعي من السلطة في سوريا إلى غير رجعة، في هذا البلد توفرت جميع الأسباب التي تدفع الشعب بكافة أطيافه للخروج مطالباً بحريته حتى ولو كلفه الأمر التضحية بكل ما يملك” يقول المخرج السينمائي حسن قطان للجزيرة نت.
وشبّه قطان حياته ما قبل الثورة بالعيش داخل صندوق محكم الإغلاق، مسلوب الإرادة والتفكير والإحساس والتأثير، حياة لا وزن ولا قيمة لها، حتى الأفكار التي كانت تراوده أثناء سنوات الدراسة في كلية الحقوق تبقى حبيسة مخيلته، تصارعه ويصارعها، على عكس السعادة الروحية والطمأنينة التي غمرته منذ مشاركته أول مرة في مظاهرة تطالب بالحرية، حينها أطلق العنان لجميع أفكاره وشرع بتنفيذها.
وأضاف أن جميع الثوار عبر التاريخ انتظروا لحظة انتصار الثورة حتى يحصدوا ثمارها، باستثناء الثورة السورية التي منحت الفرص للجميع رغم مآسيها ليبدعوا ويتفوقوا في مجالات عديدة، مثل الفن والرياضة والسياسة والعلوم، وهذا بحد ذاته وصمة عار في جبين نظام الاستبداد وأنصاره ستبقى لصيقة بهم إلى آخر الدهر، ونقطة مضيئة في تاريخ الانتفاضة السورية المجيدة.
توثيق الجرائم
ساهم قطان (28 عاما) في إخراج أفلام وثقت جرائم حرب ارتكبها النظام وحلفاؤه بحق السوريين، وحرص في أفلام أخرى على تسليط الضوء على قصص نجاح شبان وفتيات في سوريا وخارجها، وفازت أعماله بجوائز عديدة أبرزها فوز فيلم “الخوذ البيضاء” بجائزة الأوسكار.
يرى المدير الإعلامي لمنظمة الخوذ البيضاء أيمن عقاد أن الثورة غيرت بشكل لافت وجه الشعب كلياً في سنوات قليلة، وكشف المجتمع بكافة فئاته سياسة النظام داخلياً والقائمة على تكريس مفهوم الخنوع والاستسلام للأمر الواقع وعدم التفوه بكلمة ” لا ” إطلاقاً.
ولفت في حديث للجزيرة نت إلى أن الشباب أثبت خلال السنوات الثماني الماضية أنه خلاق ومبتكر ومتفوق حين أتيحت له الفرصة ووجد من يقدّر إمكانياته ويقدم له الدعم، مشيراً إلى ضرورة الاهتمام بالشباب من الناحية الفكرية في المناطق المحررة من قبل منظمات المجتمع المدني.
يمان خطيب- إدلب
2019-03-14
المصدر : الجزيرة