معاناة إنسانية يعيشها الفلسطينيون في قرية حيفا الكرمل بإدلب
وأنت تتجول بين أرجاء قرية “حيفا الكرمل” التي تؤوي عوائل فلسطينية مهجرة في منطقة كللي بريف إدلب الشمالي، لا تغيب عنك المعالم الفلسطينية، إضافة لاسم القرية ترى العلم الفلسطيني موجوداً في كل بيت، مع عبارات تمجد فلسطين والقدس، “وكأنك تعيش في فلسطين”.
تقع قرية حيفا الكرمل في منطقة جبل كللي شمال بلدة كللي بريف إدلب الشمالي بنحو 5 كم، وهي عبارة عن كتل سكنية بنيت من تبرعات الفلسطينيين الموجودين في الأراضي المحتلة في الضفة الغربية وعرب 48.
زارت وكالة سنا قرية حيفا الكرمل، واستطلعت آراء سكان القرية حول سكنهم الجديد بعد أن تم نقلهم من الخيم التي كانوا يقطنون بها في مخيمات دير بلوط بمنطقة عفرين شمالي غرب حلب.
الشراء بالدين
الرجل الستيني محمد رأفت قال لوكالة سنا إن معظم العوائل الفلسطينية من سكان قرية حيفا الكرمل، كانوا في مخيمات دير بلوط بمنطقة عفرين، وتم إنشاء كتل سكنية طابقية مخصصة للفلسطينيين في العام الماضي، بعد أن تبرع بإنشائها الأهالي الفلسطينيين في الأراضي المحتلة لفلسطينيي الشمال السوري.
وأضاف رأفت المهجر قسرياً من مخيم اليرموك في 2018 إلى الشمال السوري: كنا في مخيم دير بلوط -رغم رداءة الطرقات المؤدية للمخيم- نتلقى مساعدات إنسانية بشكل دوري ولدينا فسحة جيدة في الخيم التي بقينا فيها لعدة سنوات، وتم جلبنا منذ قرابة سنة للقرية السكنية في منطقة كللي بإدلب، أملاً بأن يكون الوضع الإنساني أفضل.
وأشار إلى أن القرية لم تتلق أي دعم إنساني منذ قرابة سنة، ويعيش معظم السكان أوضاعاً إنسانية صعبة، وقال بكلمات متعبة ” ما بعرف كيف عايشين، الله المعيش”، مضيفاً أن معظم سكان المخيم يعتمدون على الحوالات المالية “الخجولة” من أقاربهم أو بعض أصدقائهم، فأنا أتلقى شهرياً مبلغ 50 دولار أمريكي من أحد الأصدقاء، ولكنها لا تكفي لبضعة أيام في ظل الغلاء الكبير بالأسعار، فلدي عائلتي وعائلة ابنتي المطلقة.
وأفاد رأفت أن معظم السكان في المخيم، يشترون احتياجاتهم ” بالدين” من السوبر ماركت، والذي يدين الناس بعد وعود بقرب توزيع مبلغ من المال كمساعدات لأهالي المخيم منذ عدة أشهر، ولكننا نعلم أنه عندما تأتي ستذهب كلها كإيفاء للديون، على حد قوله.
لا مدرسة ولا مركز طبي
من جهته قال المهندس تيسير السعدي وهو أحد سكان قرية حيفا الكرمل، إن القرية تعيش أوضاعاً إنسانية صعبة، وتعاني من ضعف كبير في الخدمات الإنسانية، فمنذ أكثر من سنة ونحن في القرية ولا يوجد مدرسة فيها، ومعظم الأطفال مهددون بآفة الجهل، ومن لديه المال “وهم قلة” يرسل أولاده إلى أقرب مدرسة في المخيمات، وهذا أصعب ما يؤرقنا في القرية.
وأضاف: يوجد في القرية 106 أبنية سكنية تضم 614 شقة، ويشغل الفلسطينيون فيها 250 شقة، والمتبقون من المهجرين السوريين من مختلف مناطق سورية، مشيراً إلى أن القرية لا يوجد فيها صرف صحي ولا مركز طبي، سوى عيادة متنقلة تأتي كل فترة، إضافة لغياب المساعدات الإنسانية الغذائية أو التدفئة.
وأكد ذلك محمد رأفت وأغلب من التقت بهم وكالة سنا في القرية، وقال إن معظم الكتل السكنية بعد المنخفض الجوي الاخير تعاني من تسرب المياه إلى الداخل، خاصة الأبنية التي تأثرت بالزلزال الأخير في 6 شباط من العام الماضي والتي تعاني من تشققات، مشيراً إلى أن نوعية البناء الرديئة، فأنت تسمع صوت جارك بوضوح من خلف الجدران، ناهيك عن أن الكتلة السكنية ضيقة ولا تتجاوز 45 م2، وفق ما قال.
وأضاف رأفت، أن معاناتنا مضاعفة في فصل الشتاء، نتيجة ارتفاع تكلفة مواد التدفئة لهذا العام، اضافة لمشكلة مياه الشرب، فالمنهل يعتمد على الطاقة الشمسية وإذا عمل المنهل بشكل طبيعي فإنه يغطي في اليوم قطاع واحد من أصل أربعة قطاعات، فتضطر العوائل لشراء صهاريج المياه بأسعار مرتفعة عن طريق الصهاريج الخاصة.
غزة في قلوبنا
بحسب المهندس تيسير السعدي، فإن غزة وفلسطين حاضرة في قرية حيفا الكرمل، فلا يغيب عن ناظريك اللوحات المؤيدة للقدس وغزة، وعلم فلسطين موجود في كل منزل، كما أن أطفال القرية بحالة غناء شبه دائم بالأغاني الفلسطينية المؤيدة لغزة، ومن المقرر أن يتم تسمية شوارع القرية بأسماء المدن الفلسطيني مثل القدس ونابلس وغزة وبقية المدن الفلسطينية.
وأشار إلى أننا والشعب السوري واحد، ونستخدم كلمة فلسطيني” للتعريف” لا أكثر، ومصيرنا واحد في الشمال السوري، ونقف مع أهلنا المحاصرين في غزة، وكلنا أمل أن تتوقف آلة القتل الصهيونية عنهم.
الأونروا غائبة
يعيش فلسطينيو الشمال السوري ظروفاً إنسانية شبيهة بظروف المهجرين السوريين قسرياً من مختلف المناطق السورية، في ظل تخلي منظمة الأونروا (وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل لاجئي فلسطين في الشرق الأدنى) عنهم، وهي المعنية بمساعدة وحماية وكسب التأييد للاجئي فلسطين في الأردن ولبنان وسورية والأراضي الفلسطينية المحتلة، إلى أن يتم التوصل إلى حل لمعاناتهم.
وبحسب مسؤول الإعلام في مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سورية فايز أبو عيد، فإنه ومنذ بدء وصول
العائلات الفلسطينية إلى الشمال السوري عام 2016، ما تزال وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “أونروا” تحرم المهجرين الفلسطينيين إلى شمال سورية من خدماتها ومساعداتها الإنسانية الأساسية، بذريعة أنهم يتواجدون في منطقة تقع خارجة عن السيطرة وليس لديها مكاتب عمل هناك.
وقال أبو عيد إن مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سورية أصدرت بياناً صحفياً بمناسبة الذكرى الـ 75 لتأسيس وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا)، حيث أشادت بالدور الذي تقوم به الوكالة في تقديم الخدمات الإنسانية والتعليمية والصحية والحماية للاجئين الفلسطينيين في ظل الأزمة السورية المستمرة منذ عام 2011.
وأكدت المجموعة في بيانها على الأوضاع المأساوية التي يعيشها اللاجئون الفلسطينيون السوريون داخل وخارج سورية، مشيرة إلى أنهم يواجهون أزمات إنسانية ومعيشية واقتصادية واجتماعية خانقة، إضافة إلى انتهاكات قانونية وجسدية قاتلة، ومخاطر على حياتهم أثناء محاولاتهم اللجوء إلى دول أخرى.
وطالبت المجموعة الأونروا برفع مستوى الاستجابة لهذه الأوضاع الصعبة غير المسبوقة، واتخاذ خطوات عملية عاجلة للحد من الفقر الذي عصف باللاجئين الفلسطينيين من سورية، والاستمرار في برامجها التي تستهدفهم على مختلف الصعد، والوصول إليهم في كافة المناطق، وتوسيع مجال عملها ليشملهم في الدول التي لا تعتبرهم مضيفة.
كما ناشدت المجموعة المجتمع الدولي وخاصة الدول المانحة بزيادة التمويل المقدم للأونروا لضمان استمرار عملياتها، والوقوف ضد أي محاولات لإلغائها أو الحد من صلاحياتها، مؤكدة على حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى فلسطين وفق القرارات الدولية.
ويعيش في شمال غربي سورية نحو 175٠ عائلة فلسطينية، تتوزع على مناطق أعزاز والباب وعفرين وأطمة وكللي وسرمدا ومدينة إدلب، ومنهم من سكن المنطقة منذ التهجير الأول في عام 1948، ومعظمهم هُجر بفعل قوات الأسد والميليشيات الفلسطينية والايرانية المساندة لها، من مخيم حندارت والنيرب بحلب، ومخيم اليرموك وخان الشيح في جنوب دمشق.
المصدر: وكالة سنا