مريضات سرطان الثدي في إدلب.. عزيمة وصبر لكن الإمكانيات الطبية محدودة
تعاني مريضات السرطان في إدلب من صعوبات عدة، تتمثل أولاها بنقص الإمكانيات الطبية، مع اقتصار العلاج على مركز واحد يتبع لـ”الجمعية الطبية السورية- الأمريكية” (سامز)، بالإضافة إلى الأوضاع المعيشية والأمنية الصعبة في المحافظة.
ورغم الصعوبات، تتمتع مريضات بالسرطان بعزيمة قوية للتغلب عليه، وهذه حال السيدة نجاح سرحان (44 عامًا)، الأم لأربعة أطفال، وتنحدر في الأصل من مدينة حلب شمالي سوريا.
أُصيبت نجاح بسرطان الثدي قبل عامين، وعرفت بمرضها بعد ظهور كتلة في منطقة الثدي الأيسر، وبدأت هذه الكتلة بالنمو بشكل سريع.
وقالت نجاح لعنب بلدي، “بعد إجراء الفحوص، أُخذت خزعة من الكتلة وطلب مني الطبيب الخضوع مباشرة لعمل جراحي بسبب سرعة انتشار المرض، وبالفعل خضعت لعملية استئصال الثدي كاملًا مع تجريف الغدد اللمفاوية، وبعد العملية تمت إحالتي إلى العلاج الكيماوي”.
تشعر النساء عادة بالقلق من هذا المرض وصعوبة علاجه، إلا أن حالة نجاح كانت مختلفة، ورغم الآلام التي وصفتها بـ”الشديدة التي لا تطاق”، بقيت نجاح متفائلة ولديها عزيمة وإصرار رغم ابتعادها عن أولادها المقيمين في منطقة جبل الزاوية بريف إدلب.
وتعرضت نجاح إلى ما يزيد على 30 جلسة أشعة سببت لها آلامًا شديدة، لكنها لم تضعف من عزيمتها.
مركز واحد في المحافظة
لا يوجد في جميع مناطق الشمال السوري الخارجة عن سيطرة النظام سوى مركز واحد لعلاج سرطان الثدي، وهو مركز الأورام في مستشفى “إدلب المركزي” (للجمعية الطبية السورية- الأمريكية “سامز”)، ويواجه صعوبات عدة، أهمها نقص بعض الأدوية، بالإضافة إلى غلاء ثمنها.
وقال مدير المشاريع والمسؤول المباشر عن المركز، يحيى رحال، لعنب بلدي، إنه وإضافة إلى غياب بعض الأدوية (منها دواء هيرستين الذي يعد علاجًا أساسيًا لمرضى سرطان الثدي)، لا يتوفر تشريح مرضي مجاني ولا علاج شعاعي، عدا عن التكلفة المرتفعة للتحاليل المرضية، رغم محاولة الجمعية تحمل هذه النفقات، ما يدفع ببعض المرضى للعلاج في محافظات أخرى تقع تحت سيطرة النظام السوري.
ويعد وجود مركز واحد لعلاج المرضى إحدى أكبر الصعوبات، خاصة للحالات التي تقطن في مناطق بعيدة.
وقالت السيدة آمنة الأحمد، وهي نازحة من محافظة حلب، لعنب بلدي، إنها تسكن في مدينة الأتارب، ويشكل بُعد المسافة عبئًا كبيرًا عليها، لكنه أفضل من الذهاب إلى مناطق النظام السوري، برأيها.
ووفقًا ليحيى رحال، هناك ثماني حالات جديدة لمرضى سرطان الثدي تُكتشف شهريًا، بينما قدم المركز العلاج لـ150 حالة منذ افتتاحه.
ويتكوّن المركز من عشرة أسرّة، ويغادر المريض إلى منزله بعد تلقي العلاج مباشرة.
وبسبب صعوبة الطرقات وبعد المسافات، قال رحال إن الجمعية ستفتتح مشروعًا ثانيًا في مدينة الباب، التابعة لريف محافظة حلب الشمالي.
ووفقًا لرحال، يعالج المركز، إلى جانب سرطان الثدي، ثلاثة أنواع من مرض السرطان، هي سرطان القولون وسرطان الدم لدى الأطفال وسرطان الغدد الليمفاوية.
ما هو سرطان الثدي
وفقًا لمنظمة الصحة العالمية، يعد سرطان الثدي أحد أكثر أنواع السرطان شيوعًا بين النساء في جميع أنحاء العالم.
وتشمل أعراض سرطان الثدي إفراز مادة شفافة أو مشابهة للدم من حلمة الثدي، وتراجع الحلمة أو تسننها.
كما يعد تغير حجم أو ملامح الثدي وتسطّح الجلد الذي يغطيه، وظهور احمرار أو ما يشبه الجلد المجعّد (يشبه قشرة البرتقال) أحد الأعراض، وفقًا لموقع “Web Teb” الطبي.
وبحسب الموقع، فإن نسبة 5 إلى 10% فقط من حالات الإصابة تكون بسبب الوراثة، بينما تشكل العيوب الجينية أحد الأسباب أيضًا.
حالات تنتظر العلاج في تركيا
رفضت نجاح سرحان تلقي العلاج في مناطق سيطرة النظام السوري، إذ إنها زوجة معتقل سابق، والطريق ليس آمنًا بالشكل الكافي لها، إضافة إلى خوفها من الاعتقال أو المضايقات، لذا فضلت الرحيل للعلاج في تركيا.
ولا يعد تلقي العلاج على الطرف الآخر من الحدود سهلًا، إذ اضطرت نجاح لمراجعة عيادات منطقة باب الهوى، التي يتبع لها المعبر الحدودي مع تركيا الذي يحمل الاسم نفسه، لشهر كامل حتى تمكنت في النهاية من الحصول على الموافقة.
وقال مدير مكتب العلاقات العامة والإعلام في معبر “باب الهوى”، مازن علوش، لعنب بلدي، إن 283 حالة مصابة بالسرطان دخلت إلى تركيا للعلاج، بينها 102 امرأة منذ مطلع العام الحالي وحتى آب الماضي.
ولا تتوفر إحصائيات دقيقة عن عدد مصابات سرطان الثدي اللواتي دخلن للعلاج في تركيا.
وتتطلب آلية تحويل المريض إلى تركيا مراجعة العيادات الخارجية لمستشفى “باب الهوى”، ثم الحصول على موافقة الطبيب بعد فحص المريض، مع امتلاك المكتب الطبي حق رفض الإحالة التي لا يراها مناسبة.
بعد الحصول على الموافقة، ينتظر المرضى في موعد سفرهم المحدد عند بوابة المعبر مع الأوراق الطبية والثبوتية، ثم يُنقلون إلى مركز “الأمنيات” (مركز الهجرة) في الجانب التركي، ومنه إلى مستشفى “الدولة” في مدينة الريحانية الحدودية.
وتعد آمنة أحمد إحدى المريضات اللواتي ينتظرن للذهاب إلى تركيا للحصول على العلاج الذي لا يتوفر في الداخل السوري.
حملات التوعية وأهمية الكشف المبكر
يعد الكشف المبكر أهم خطوة للتغلب على مرض سرطان الثدي.
وحول أهمية الكشف المبكر، قال مسؤول مركز الأورام في مستشفى “إدلب المركزي”، يحيى رحال، لعنب بلدي، إن اكتشاف الإصابة مبكرًا يسهم في تحديد نوع العلاج والتخلص من المرض.
وأوضح رحال أن نسبة نجاح العلاج مع الكشف المبكر تتجاوز الـ95% في حال كانت المريضة في المرحلة الأولى، أما إن كانت في المرحلة الأخيرة فلا تتجاوز النسبة الـ30%.
وأضاف أن سرطان الثدي في المرحلة الأولى يعني أن الورم لم ينتشر في الجسد والأنسجة.
وحددت منظمة الصحة العالمية شهر تشرين الأول شهرًا عالميًا لسرطان الثدي، لزيادة الاهتمام به وتقديم الدعم اللازم للتوعية بخطورته، والإبكار في الكشف عنه.
ووفقًا لأرقام المنظمة، تُصاب سنويًا حوالي المليون و380 ألف حالة جديدة بسرطان الثدي، يتوفى منها 458 ألف حالة.
وعن حملات التوعية في محافظة إدلب، قال رحال إنها تتركز في الصحة المجتمعية، وذلك عبر المنشورات في وسائل التواصل الاجتماعي، أو البرامج الإعلامية في الصحف والمحطات والإذاعات.
لكن هذه الحملات لا تعد كافية وفقًا لرحال، إذ إنه من المفترض أن تتطور لتشمل زيارات إلى البيوت وامتلاك نظام إحالة أفضل، وهو ما يرتبط بالصعوبات اللوجستية، المتمثلة بعدم توفر تشريح مرضي مجاني ولا علاج شعاعي، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار التحاليل الطبية للمرضى.
من جهتها، دعت نجاح سرحان، التي تأمل بالتخلص من السرطان قريبًا، كل النساء للالتزام بالفحوص الدورية والكشف المبكر، والتأكد من عدم إصابتهن بالمرض، كما دعت كل المصابات للتحلي بالشجاعة والصبر، والتفكير بقدرتهن على هزيمة سرطان الثدي.
المصدر : عنب بلدي