ما أهمية التمكين الاقتصادي للاجئين السوريين؟
تعتبر الحالة السورية أسوأ كارثة إنسانية شهدها العالم بعد الحرب العالمية الثانية. وذلك نظراً لعدد الضحايا المدنيين والمشرّدين وملايين اللاجئين. فالنّازحون تجاوزوا 6 ملايين. بينما اللاجئون بلغ عددهم 5.6 مليون لاجئ موزعون على مختلف دول العالم. ومع هذه الكارثة الإنسانية تبرز الحاجة إلى برامج التمكين الاقتصادي للاجئين. والسؤال هنا: ما أهمية التمكين الاقتصادي للاجئين السوريين؟
ما المقصود بالتمكين الاقتصادي؟ ما أهميته؟
في الحقيقة التمكين الاقتصادي منهج اجتماعي واقتصادي. يتم من خلاله منح الممكَّن لهم الصلاحيات والأدوات اللازمة لإحداث تغيير حقيقي وجوهري في واقعهم وواقع مجتمعهم الاقتصادي. فالتمكين الاقتصادي يتعارض مع تقديم المساعدات المباشرة. وهو يتقاطع مع القول الشهير “لا تعطني سمكة بل علمني كيف أصطاد”.
في الواقع تدل التجارب الدولية على قدرة عالية لبرامج التمكين الاقتصادي في إحداث تغييرات جذرية في المجتمعات المستهدفة. فعلى سبيل المثال عانت كوريا الجنوبية في نهاية الثورة الكورية في خمسينيات القرن الماضي من اقتصاد متردٍّ وشعب جائع. فالدخل السنوي الفردي لم يتعدَّ 80 دولاراً. وبعد تطبيق برامج التمكين الاقتصادي تغيَّر الاقتصاد الكوري بشكل مذهل. حيث تجاوز دخلها القومي السنوي 1,000 مليار دولار. وبات ترتيب اقتصاد كوريا الجنوبية الـ11 على مستوى العالم.
الإحصاءات المتعلقة بواقع اللاجئين الاقتصادي تشير وبشكل جلي لغياب برامج التمكين الاقتصادي عنهم بشكل شبه تام. فأكثر من11 مليون سوري في حاجة ماسة لمساعدات إنسانية عاجلة. كما أن 42% من اللاجئين يعيشون في مخيمات جماعية تفتقد لمقومات الحياة الضرورية. ناهيك عن نسب البطالة المرتفعة بين اللاجئين السوريين في لبنان حيث تبلغ نسبة البطالة بين اللاجئين السوريين 36%.
إن فلسفة التمكين الاقتصادي تقوم على توجيه الإنفاق من القطاعات الاستهلاكية إلى القطاعات التدريبية والإنتاجية. فالإنفاق الاستهلاكي يحقّق أثراً آنياً يزول بانقطاع الدعم. بينما الإنفاق على برامج التمكين ذو أثر دائم بعد توقف الدعم. فوفق برامج التمكين الاقتصادي يمكن تحويل اللاجئين السوريين من مستحقين للمساعدة لدافعي ضرائب.
تشكل الموارد المالية المخصصة للاجئين السوريين فرصة حقيقية لتطبيق التمكين الاقتصادي. إلا أن غالبية هذه الموارد وُجّهت للجانب الإنفاقي من خلال توزيع سلال غذائية أو إعانات مالية وعينية عليهم. وهذا يشكّل سوء إدارة للموارد المالية. لا سيما أنه ليس من المؤكد استمرار تدفّق الأموال لصالح المنظمات التي تعنى بشؤون اللاجئين.
تتلقَّى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين السوريين تمويلاً سنوياً يقدر بـ 1.5 مليار دولار. وتتلقى المنظمات الإنسانية المحلية ما يقارب من 500 مليون دولار سنوياً. فبحسبة بسيطة يمكن القول بأنه وخلال سنوات اللجوء العشرة خُصِّص للاجئين السوريين ما يقارب 20 مليار دولار. ناهيك عن الإنفاق الحكومي الذي قامت به حكومات الدول المضيفة للاجئين.
إن هذه المبالغ وُجّهت بكاملها للإنفاق الاستهلاكي. وهذا ما ساعد على استمرار بقاء اللاجئين تحت رحمة استمرار التمويل. ومن أسباب غلبة الجانب الاستهلاكي على جانب التمكين عدم وضوح مفهوم التمكين الاقتصادي لدى العديد من المنظمات والجهات المختصة بالشأن السوري. فغالباً ما يتم الخلط بين مفاهيم التمكين والتوظيف والتفويض وغيرها.
لا يمكن التفكير بتطبيق مفاهيم التمكين الاقتصادي للاجئين السوريين دون الفهم التام لقضية التمكين والفصل التام بينه وبين المفاهيم المرتبطة. ودون الاقتناع بأولية الإنفاق على برامج التمكين على حساب الإنفاق الاستهلاكي. ولذلك يمكن القول بأن أكبر خدمة يمكن أن تُوجّه للاجئين تتمثل بنقل الإنفاق من الجانب الاستهلاكي إلا جانب التمكين.
المصدر : ترندز للدراسات الإقتصادية