لماذا يفتقر الشمال السوري إلى مشاريع سبل العيش؟
ما زالت مشاريع الإغاثة التقليدية المقدّمة من قبل المنظمات الإنسانيّة المانحة، تنشط وتتمدد على حساب مشاريع سبل العيش في مناطق الشمال السوري، في حين يتطلع سكان المنطقة مقيمون ومهجّرون، إلى زيادة فاعليتها في حقل النشاط الإنساني، لتوفير فرص عمل أكبر، وللهروب من طابور البطالة الطويل، أمام تغيرات اجتماعية طرأت على المجتمع من أبرزها غياب المعيل في الأسر السورية، إضافة إلى ضياع فرص عمل لدى كثير من “الموظفين الحكوميين” سابقاً.
كانت “عبير قطيني”، وهي مهجرة من مدينة خان شيخون جنوبي إدلب، واحدة من سيدات استفدن من مشروع “حياكة الصوف” الموجّه إلى السيدات المعيلات لأسرهنّ، بدعم من “مجموعة هذه حياتي التطوعية”، الناشطة في محافظة إدلب.
وتحصل “قطيني” على مبلغ دوري شهرياً من المشروع يتجاوز الـ 100 دولار أميركي، تعيل عائلتها بعد غياب ربّ الأسرة، وهو سبب رئيس يقف خلف أهميّة هذه المشاريع في منطقة شمال غربي سوريا شبه المنكوبة اقتصادياً، واجتماعياً وبنيوياً. وتعتبر أنّ المشروع ساعدها على تخطي محنة النزوح خلال إقامتها في مدينة إدلب، وما ترتب عليه من إيجارات ومصاريف جديدة.
وبعد أن فقدت زوجها، وباتت المعيلة لأسرتها، تمتلك الآن قطيني فرصة لتحسين وضعها المعيشي بناء على خبرتها في نسج الصوف وحياكته، وهي أنموذج حيّ لمعيلات أو معيلين لأسرهم غيرت مشاريعُ سبل العيش حياتَهم إلى الأفضل.
ما مشاريع سبل العيش؟
يجيب “فؤاد السيد عيسى” عضو مجلس إدارة منظمة بنفسج الناشطة في الشمال السوريّ، في حديث لموقع تلفزيون سوريا، عن السؤال، يقول: “مشاريع سبل العيش هي جميع المشاريع التي تتدخل في دعم الأفراد أو العوائل في إيجاد دورة اقتصادية تدعم حياتهم بمختلف أنواعها الزراعية والصناعية والتجارية”.
ويضيف: “تكمن أهمية مشاريع سبل العيش في تأمين دخل ثابت للعوائل وتقليل عدد العوائل التي تحتاج إلى المساعدات الدورية خاصة مع انخفاض التمويل وامتداد الأزمات وسوء الوضع الاقتصادي”.
وتختلف اهتمامات هذه المشاريع وتخصصاتها في المنطقة، ونستعرض بعضاً مما عملت عليه منظمة “بنفسج” بحسب محدثنا “السيد عيسى”، وهي “مشاريع الدعم الزراعي، والتدريب والمنح المهنية، والمال مقابل العمل لتشغيل العمال في مجال الخدمات، ومشاريع دعم الصناعيين والأعمال الصغيرة، والقروض الحسنة للأعمال الصغيرة”.
ويعتبر “السيد عيسى” أنّ هذه المشاريع ناجحة ويعود السبب لمهارة العامل السوري وجديته وقدرته على النجاح في مختلف المجالات والمشاريع.
مشاريع التدريب
تتصدر مشاريع التدريب المهني قائمة مشاريع سبل العيش، وبحسب تصنيف عاملين في الشأن الإنساني هي المشاريع الأكثر نجاعةً على اعتبارها تؤمن مهنة أو حرفة للمستفيد، وتضمن مبلغاً مالياً في نهاية المشروع لافتتاح مشروع صغير خاص، يؤمن قوت عائلته وفرصة عمل ثابتة نسبياً.
بالعودة إلى قصة “قطيني” إحدى المستفيدات من “مركز هذه حياتي للتدريب والتطوير”، تقول “علا دعبول” مديرة المركز: إنّ خطة المركز تصب على دعم المرأة السورية المستضعفة اقتصادياً، وتعزيز دورها في المجتمع لتعيل نفسها وأطفالها.
وتضيف لموقع تلفزيون سوريا، أنّ المركز يضم أيادي عاملة من زوجات الشهداء والمعتقلين، ينتجن من خلال ورش الصوف والخياطة ملابس أطفال توزّع على الأطفال الأيتام والمقيمين في مخيمات النزوح مجاناً، في حين يكفل المركز تقديم راتب شهري للعاملات.
ويرى محدثنا “السيد عيسى” أنّ مشاريع التدريبات المهنية المنتهية بقروض هي الأهم، بناءً على تجربة المنظمة العامل فيها، إذ إنها قادرة على إدارة مهن المستفيد يتبعها منحة لتجهيز العدة الأولية سواء آلة خياطة أو معدات تصنيع حلويات، ومن ثم تأمين دعم مستدام للعائلة أو المستفيد.
مشاريع خجولة.. لماذا؟
يوضح محمد حلاج مدير فريق منسقو الاستجابة في حديث لموقع تلفزيون سوريا، أنّ مشاريع سبل العيش تشغل قرابة 8% فقط من إجمالي النشاط الإنساني في سوريا.
ويتابع: “مشاريع سبل العيش تنزع عن المستفيد شرط الضعف على خلاف المشاريع الإغاثية التقليدية التي تستوجب شروط الضعف والحاجة لدى المستفيد حتى يحقق شرط الاستفادة وهذه نقطة إيجابية تحسب لها، في حين تعاني من جهة أخرى من سلبيات من أبرزها محدودية المدة الزمنية للمشروع.
يربط “حلاج” مسألة انتشار مشاريع سبل العيش ونشاطه بحالة الاستقرار، ويشير إلى أنّ المانحين يصبون اهتمامهم في منطقة شمال غربي سوريا على مشاريع الطوارئ في تأمين المأوى والغذاء، في حين تحل “سبل العيش” في أولويات لاحقة لأنّ مسألة الاستقرار غير متوافرة في المنطقة.
وغالبية هذا النوع من المشاريع، يأتي بدعم من البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة الـ(UNDP) وهو برنامج ضعيف النشاط في المنطقة مقارنةً بنشاطه في مناطق سيطرة النظام السوري، بسبب استقرارها النسبي من وجهة نظرهم، بحسب “حلّاج”.
وتعليقاً على حالة الاستقرار يلفت محدثنا “السيد عيسى”، إلى أنّ “الحالة الأمنية أدت إلى فشل كامل لأحد مشاريعنا للقروض الحسنة في معرة النعمان بعد تعرضها للهجوم وترك كل الأهالي لمشاريعهم”.
منتج لا مستهلك
يأمل المهجرون السوريون في إدلب أن يتوسع نشاط هذا النوع من المشاريع، بغية أن يتحولوا إلى عناصر منتجة في المجتمع لا مستهلكين فقط من مشاريع الإغاثة التي تقدم سلالاً غذائية أو مبالغ نقدية، وفقاً لـ “وائل الديك” المهجر من جنوبي إدلب والمقيم في مخيم “خير الشام” شمالي كللي.
بالمقابل يضع “وائل” ملاحظةً حول سير هذا النوع من المشاريع وخاصةً تلك التي تقدم قروضاً أو مبلغاً لافتتاح مشاريع، إذ إنه يدعو المشاريع أن تكون أكثر مرونةً بالتعامل مع المستفيد وتترك له حرية اختيار المهنة أو العمل الذي يرغب فيه.
ويعاني سكان منطقة شمال غربي سوريا من ظروف معيشية صعبة، في ظل تدهور الواقع الاقتصادي وغياب فرص العمل وارتفاع عام في الأسعار، إلى جانب تهجير آلاف السوريين من منازلهم بفعل هجمات النظام وروسيا.