التحقيقات

لماذا ظهر الأسد ؟ .. التوقيت والرسائل

إياد الجعفري

أخيراً، قرر رأس النظام في دمشق الظهور، والحديث عن الأوضاع الداخلية في البلاد، في ظل وباء “كورونا”، وتداعياته الصحية والاقتصادية والمعيشية. لكنه تأخر عن نظرائه في مختلف دول العالم قاطبةً، أسابيع عديدة، ربما تيمناً بزعيم كوريا الشمالية، الذي اعتزل في منتجع داخل بلاده، وتجنب الاختلاط تماماً، خشية الإصابة بالوباء.

ظهر الأسد خلال الأسابيع الثمانية الماضية، في صور وتسجيلات محدودة، أبرزها مرتين، صورة له وهو وراء مجهر طبي، حينما كان الحديث عن “كورونا” وتفشيه في سوريا، ما يزال خارج الإطار الرسمي.

والمرة الثانية، حينما استقبل محمد جواد ظريف، وزير خارجية إيران، في 20 نيسان/أبريل الفائت، وهما يرتديان الكمامة، وكان النقاش، حينها، يستهدف إشعال جبهة إدلب مجدداً، قبل أن يتعرض الطرفان، “الأسدي” والإيراني، لضغوط روسية، للامتناع عن ذلك، حسب تقييم فريق واسعٍ من المراقبين.

ظهور الأسد،الإثنين، كان مختلفاً، فالرجل الذي تجاهل من يُفترض أنه شعبه، طوال الأسابيع الخمسة الماضية، التي فُرضت خلالها الإجراءات الاحترازية، والحظر الجزئي، وما رافقها من ضغوط نفسية ومعيشية هائلة على السوريين، قرر في اليوم التالي، للفيديو الثاني لابن خاله، رامي مخلوف، أن يخرج على السوريين، ليقول بأنه يُمسك بزمام الأمور.

فيديو مخلوف الثاني، والذي تضمن تهديدات مبطنة، رافقتها تلميحات إلى أن الأسد مغيبٌ لصالح حلقة تحيط به، كان كفيلاً بأن يظهر الأسد، سريعاً، ليستعيد صورة “الرئيس” المُطلع على كل شيء، والذي يتابع كل صغيرة وكبيرة، تخص مؤسسات الدولة، التي يقودها، ويمثل رأس السلطة التنفيذية فيها.

فمن قرأ التفريغ الذي نشرته وكالة “سانا”، لحديث الأسد المطول إلى المجموعة الحكومية المعنية بمواجهة جائحة كورونا، والذي تجاوز 6 آلاف كلمة، أو تابع التسجيل عبر وسائل إعلام النظام، لوجد أن محور أحاديث الأسد، تركز، بصورة غير معتادة، وبنسبة تقارب الـ 100%، على الشأن الداخلي، بعيداً عن أحاديث المؤامرات والتحديات الخارجية التي شكلت محور أحاديث الأسد طوال السنوات التسع الماضية.

التركيز على الشأن الداخلي، بذريعة “كورونا” وتداعياتها، كان متأخراً جداً، مقارنة بالفترة الزمنية التي بدأ معها هذا التحدي، بالتفاقم، بصورة دفعت حكومة النظام إلى البدء بفرض الإجراءات الاحترازية، منذ 24 آذار/مارس الفائت.. مما يعزز فرضية أن توقيت خروج الأسد المطوّل على السوريين، يرتبط بفيديوهات رامي مخلوف، التي شكلت مادة دسمة للاهتمام الشعبي، خلال الأيام الأخيرة.

وإن كان توقيت ظهور الأسد مرتبط ببعض رسائل رامي مخلوف المبطنة، فإن مضمون الظهور حمل بدوره رسائل أخرى، لا تخفى على المراقبين. أبرزها، كان دفاع الأسد عن البطاقة الذكية، ذلك الإجراء الذي تعرّض لانتقادات كبيرة من جمهور الموالين، وبكثافة، في الآونة الأخيرة.

ومع ما نشرته وسائل إعلام معارضة، أبرزها موقع “اقتصاد. مال وأعمال السوريين”، عن صلة الشركة المشغلة لهذه البطاقة، بزوجة الأسد، أسماء الأخرس، يبدو دفاع رأس النظام عن هذه القضية، وكأنه يدعم النظرية الرائجة التي تقول إن “السيدة الأولى” تؤسس لامبراطورية فساد بديلة عن تلك التي يجري العمل على تفكيكها الآن، والتي أسسها منذ عقدين، آل مخلوف. امبراطورية فساد، ستكون دون شك، واجهة لرأس النظام، وخدمةً لأجنداته، وأبرزها، سيناريو التوريث، الذي سيراهن عليه الأسد خلال العقد المقبل، إن بقي على كرسي الحكم.

ومن أبرز الرسائل التي احتواها حديث الأسد المطوّل، تحميل السوريين مسؤولية وقوع كارثة صحية كبرى في سوريا، خلال الفترة القادمة، بعد أن قامت “الدولة” بدورها، عبر الإجراءات الاحترازية، والتي بات من الضروري التخفيف منها، خوفاً على الوضع الاقتصادي من الانهيار. فالسوريون هم المسؤولون الآن، وفق الأسد، عن مواجهة خطر تفشي كبير لوباء “كورونا”، عبر التقيد بإجراءات السلامة، في بلدٍ تكتظ فيه وسائل النقل، والمؤسسات الحكومية، والأسواق، بطالبي الرزق بحثاً عن الكفاف، وسط مستويات غير مسبوقة من انهيار القوة الشرائية، والسقوط الشاقولي لقيمة الليرة السورية.

وهكذا وجد بشار الأسد، “كورونا”، التي وصف مواجهتها بأنها “حرب”، أفضل غطاءٍ للرد على ابن خاله رامي مخلوف. إذ يمكن اختصار الـ 6 آلاف كلمة التي قالها الأسد يوم الاثنين، بعبارة واحدة، أراد الأسد توجيهها للمعنيين: “أنا مسيطر”.

المصدر : زمان الوصل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى