التحقيقات

كيف يموت المعتقلون في سجون الأسد؟

نشر موقع Vice الكندي، بنسخته العربية، تحقيقاً مطوَّلاً بعنوان “تزوير الموت في السجون العسكرية السورية… القتل مرتين” من إعداد: علي الإبراهيم. ويكشف التحقيق القصة الكاملة لقتل وإخفاء جثث المعتقلين في سجون ومقرات احتجاز عسكرية، وبطريقة ممنهجة.

في الآتي ننقل فصلاً مهماً، من هذا التحقيق المطوَّل، يحكي عن كيفية موت (قتل) المعتقلين في سجون الأسد:

غالبية الذين قضوا في السجون والمعتقلات السورية في عمر الشباب، وأسباب الموت التي تذكرها شهادات الوفاة والتقارير الطبية عادة لا تؤدي لوفاة الشباب”، هذا ما أكده وزير الصحة في الحكومة السورية المؤقتة فراس الجندي، مضيفًا: “يُصدر النظام ومؤسساته الطبية والأمنية تقاريرَ طبيةً تقول إن سبب الوفاة هو نتيجة لتوقف القلب، أو التنفس، لكن كما هو معروف أن معظم المعتقلين من الشباب، وليس من المعتاد أن يموت شاب بسبب توقف في القلب أو جلطة. ما نعرفه أن المعتقلين يتوفون نتيجة سوء التغذية والإهمال الطبي والتعذيب الشديد الذي يتعرضون له في السجون والأفرع الأمنية”.

وحتى نتمكن من الوقوف على السبب الحقيقي لوفيات المعتقلين السابقين، جمعنا شهادات وفاة لمعتقلين قضوا في السجون من داخل أفرع ومستشفيات عسكرية، بشكل حصري، لا يتم إظهار هذه الشهادات للعائلات لكن يتم الاستناد إليها في تحرير إفادة مدنية بالوفاة. كما حصلنا على صور لجثث الضحايا من تسريبات قيصر وعرضناها على طبيبين شرعيين، فضلًا عن التواصل مع أهالي معتقلين ظهرت جثث أبناءهم ضمن التسريبات أو تلقوا وثائقًا رسمية تفيد وفاتهم خلال اعتقالهم، لنتمكن فيما بعد من مطابقة هذه الشهادات مع محتجزين سابقين ومنشقين عن النظام السوري من أطباء وضباط عملوا في هذه الأفرع الأمنية والمشافي والسجون والتي كانت كلها تؤكد أن المعتقلين توفوا نتيجة التعذيب أو ظروف الاحتجاز في السجون أو الأفرع الأمنية.

مئات الصور المسرّبة عبر المصوّر العسكري المنشق “قيصر” توثق لعشرات الجثث المكدسة على الأرض، تم التعرف عليها من قبل عائلات المعتقلين عن طريق الوجوه والعلامات للأجساد، بحسب شهادات الأهالي. تتبعنا عشرات الصور والتقينا مع عائلاتهم، ومن بينهم صورة الطبيب أيهم غزول، والذي توفي قيد الاعتقال في التاسع من نوفمبر 2012 بعد مرور أربعة أيام على توقيفه داخل حرم جامعة دمشق.

في العاصمة الألمانية برلين التقينا السيدة مريم الحلاق، والدة الطبيب أيهم، تحدّثنا معها عن ملابسات ما حدث مع الطبيب الشاب، فقالت: “اُعتقل ابني من حرم جامعة دمشق في كلية طب الأسنان، حيث كان يشرف على طلبة الصفوف الثالث والرابع بالكلية، خلال تحضيره رسالة الماجستير، وحين خروجه من المدرج مع طلبته تقدم عدة شبان من المنتمين لما يسمى “اتحاد طلبة سوريا” واعتقلوه.” تتابع السيدة: “جروه إلى غرفة إدارية في كلية الطب البشري وكبلوا يديه وبدأوا بضربه على بطنه ورأسه واقتلعوا أظافره من قدميه ثم نقلوه إلى جهة غير معلومة”.

هذه المعلومات أخبرها بها طالب من كلية الآداب كان شاهداً على ما جرى كما تقول مريم: “أكد لنا أن أيهم فقد الوعي فصبوا عليه ماءً مغلياً، ثم جاءت سيارة الأمن التابعة لسرية المداهمة 215 وأخذته”.

تختم مريم حديثها: “بقيت حوالى سنة ونصف لا أصدّق ما قيل لي، هل هو فعلاً استشهد أم لا؟ أين جثمانه؟ وأين دفن؟ بعدها تمكنت من الحصول على شهادة وفاة مدنية رغم إصدارها من مستشفى تشرين العسكري، توضح أن أيهم توفي نتيجة توقف في القلب والتنفس”.

زوَّدتنا والدة أيهم بشهادة الوفاة التي تسلّمتها، والتي تبيّن أن الطبيب الشاب توفي نتيجة “سكتة قلبية” بينما تظهره الصور المسربة من قبل قيصر، الطبيب وهو جثة هامدة تحمل رقم 320 لصالح الفرع 215 وآثار التعذيب واضحة على النصف العلوي من جسده (بعد ذلك توقفت المستشفيات العسكرية عن منح عائلات المتوفين أي وثائق تفيد وفاتهم داخل مقار الاحتجاز أو المستشفيات العسكرية).

الفرع 215 هو جهاز أمني يتبع للمخابرات العسكريّة وهو معروف أيضاً باسم (سرية المداهمة والاقتحام)، ويقع في حي كفر سوسة بالعاصمة دمشق. وأفادت عدة شهادات لناجين من الاعتقال في الفرع 215 بحوادث يومية للموت بسبب التعذيب، تصل في بعض الأحيان إلى 25 حالة وفاة، ما يجعله الفرع رقم واحد في حالات الموت بسبب التعذيب بين جميع الأفرع الأمنية في سوريا.

وفي شهادة المصوّر قيصر التي قدّمها أمام الكونغرس الأميركي قال: “لم أكن قد رأيت أياً من هذا مسبقاً. قبل الثورة، كان رجال النظام يعذبون المعتقلين من أجل الحصول على معلومات، لكنهم اليوم يقومون بذلك من أجل القتل. رأيت آثار شمع، ومرة رأيت علامة دائرية خاصة بالموقد الصغير – أي ذاك الذي يستخدم في صنع الشاي – وقد حرق وجه وشعر أحدهم. كان لدى بعض الأشخاص جروح غائرة، وعيون مقلوعة، وأسنان مكسورة، وآثار ضربات بكابلات كهربائية من تلك التي تستخدم لتشغيل بطاريات السيارات. كانت هناك جروح مليئة بالقيح، كما لو أنها لم تعالج منذ زمن وتعرضت للالتهاب. أحياناً، كانت الأجساد مغطاة بالدماء، لكنها دماء طازجة. كانوا قد توفوا منذ مدة قصيرة.”

أكّد على التفاصيل ذاتها الطبيب عبد التواب شحرور، رئيس الأطباء الشرعيين في حلب سابقاً، الذي انشق عن النظام السوري نهاية 2013 والمتواجد حالياً في ألمانيا. وقال شحرور في إفادته لنا حول الجثث التي كانت ترسل إليه من الأفرع الأمنية والسجون: “كانت جثث المعتقلين تصل إلينا من السجون والأفرع الأمنية وعليها آثار التعذيب، ومنهم من يصل إلينا بعدما تم تصفيته بطلق ناري أو بطعنة سكين، لكن الضباط المتواجدين كانوا يطلبون من الطبيب المناوب كتابة تقرير طبي يُفيد بأن وفاة المعتقل كانت طبيعية مثل (احتشاء عضلة قلبية) أو (توقف قلب وتنفس) وهو مغاير لطريقة الوفاة الحقيقية التي كانت بسبب التعذيب وظروف الاحتجاز أو القتل المباشر”.

سَلَّم النظام السوري خلال إحدى الفترات مئات الوثائق وشهادات وفاة طبية تفيد بأن المعتقلين قضوا نتيجة أسباب طبيعية، وقال مروان العش، أمين سر اللجنة السورية للمعتقلين والمعتقلات – وهي منظمة مستقلة غير حكومية تعمل على توثيق حالات الاعتقال وبيان مصيرهم ودعمهم وأسرهم من ألمانيا حيث يُقيم – “أن النظام السوري سلَّم أهالي المعتقلين شهادات وفاة طبية تفيد بوفاة المعتقل بـ(سكتة قلبية)، في محاولة لإخفاء طريقة وفاتهم الحقيقة وطمس معالم جريمة القتل الفردية والجماعية التي ينتهجها النظام مع المعتقلين من خلال تعذيبهم وقتلهم في المعتقلات، وذلك بهدف حماية مسؤولي النظام وقياداته العسكرية من أي ملاحقة قانونية محتملة مستقبلاً”.

منذ حزيران 2018 بدأت دوائر الشؤون المدنية في المحافظات خارج دمشق بتقييد المعتقلين الذين توفوا في سجون النظام على أنهم موتى في شهادات وفاة رسمية، وطُلب من ذويهم القدوم لتسلُّم هذه الشهادات.

في الغوطة الغربية بمدينة المعضمية (قرب العاصمة دمشق)، تلقت دائرة الشؤون المدنية في 25 من حزيران 2018، قوائمَ تضم أسماء 165 مدنياً معتقلاً في سجون النظام، من مجمل 700 معتقل من أبناء المدينة، بنسبة تقترب من ربع إجمالي عدد المعتقلين.

وفي مدينة حماة وسط سوريا، تسلّمت دائرة الشؤون المدنية مطلع شهر تموز 2018، قوائمَ بـ120 معتقلاً، توفوا في سجون النظام، في حين أرفقت مخابرات النظام بجانب قوائم أسماء الضحايا، عبارة تفيد بأن سبب الوفاة “أزمات قلبية حادة”.

وفي الحسكة شرقي سوريا، وصلت قوائم إلى دائرة الشؤون المدنية أيضاً تضم أسماء نحو 500 معتقل، ماتوا في سجون العاصمة دمشق، في أعقاب نقلهم إليها.

كما تم توثيق أسماء 68 شخصاً تسلم ذويهم وثائقَ تؤكد وفاتهم في سجون النظام من مدينة داريا.

روى لنا أحد المعتقلين السابقين تفاصيل عمليات الضرب المرعبة للمعتقلين في السجون والأفرع الأمنية السورية ومن بينها فرع فلسطين والمزة وسجن صيدنايا وغيرها بالقول: “كنا نسمع أصواتًا مرعبة منذ غياب الشمس وحتى الساعة الثانية عشرة ليلاً، كنا نسمع الصراخ والصياح يأتيان من تحتنا لم يكن صوتًا طبيعياً… لم يكن عادياً. يبدو الأمر كما لو أنهم يُسلخون وهم أحياء.”

في أحد مخيّمات اللجوء التركية وعلى الحدود مع سوريا يعيش ضابط سوري، هرب من عمله في الأفرع الأمنية وبحوزته وثائق وأدلة حول ما نبحث عنه، بعد محاولات واتصالات متتالية وافق الضابط المنشق فهد الحميد، على كشف قوائم بأسماء 131 معتقلاً قتلوا تحت التعذيب في كل من “مستشفى المزة العسكري” أو ما يُعرف بـ”مشفى 601″ ومستشفى حرستا، مستشفى تشرين العسكري، ومستشفى المواساة.

كانت هذه المستشفيات الموجودة في دمشق تُصدر شهادات وفاة مغايرة لطريقة وفاة المعتقل من خلال تقارير طبية تسلم لأهالي المعتقلين وتفيد بأن المعتقل توفي نتيجة “ألم صدري أو سكتة قلبية” بحسب ما يقول الضابط المنشق.

وبعد العودة للتدقيق وقراءة كافة الوثائق الرسمية الموجودة بحوزة الضابط المنشق، اتضح وجود تقارير طبية صادرة من مستشفيات عسكرية موقعة ومختومة من الكادر الطبي، تفيد بأن المعتقلين توفوا داخل المستشفى نتيجة سكتة قلبية دون أي إشارة إلى طريقة الوفاة الحقيقية، وهو مغاير لحال الضحايا وفقاً لصور الجثث وشهادات معتقلين سابقين تؤكد أن هؤلاء قضوا تحت التعذيب وليس بسكتة قلبية.

يكشف تقرير لـ“الشبكة السورية لحقوق الإنسان” أرقاماً حول أعداد المعتقلين والمختفين إضافة للمتوفيين في السجون السورية، حيث وثق تقرير للشبكة مقتل 13.197 من المدنيين في سوريا بسبب التعذيب، منذ آذار 2011 وحتى حزيران 2018.

ووفقاً للتقرير فإن من بين الضحايا هناك 167 طفلاً و59 سيّدة، في حين لا يزال ما لا يقل عن 121,829 شخصاً قيد الاعتقال التعسفي أو الاختفاء القسري منذ آذار 2011، قرابة 87 % منهم لدى النظام، ويُرجّح حقوقين أن “يكون مصير الآلاف من الموثقين على أنهم قيد الاعتقال التعسفي أو الاختفاء القسري قد قتلوا تحت التعذيب و في السجون والفروع الأمنية”.

من هؤلاء الضحايا، عبد الرحمن كمون، في العقد الرابع من عمره من مدينة داريا بريف دمشق، واعتقل في الحادي والثلاثين من كانون الأول 2012 على حاجز للفرقة الرابعة التي يتولاها ماهر الأسد، شقيق الرئيس السوري قرب مدينة المعضمية. تقول زوجة عبد الرحمن: “زوجي المعتقل انقطعت كل أخباره بشكل كامل في 2012، ثم بدأت الأخبار تتوالى منذ بداية شهر شباط 2014 من معتقلين سابقين أفادوا بوفاته تحت التعذيب في مطار المزة العسكري. وبعد ذلك التاريخ تمكنت والدته من مراجعة مقر الشرطة العسكرية في القابون حيث أخبروها بحدوث الوفاة ولكن دون أي وثائق أو أدلة. ظل الوضع على ما هو عليه حتى تشرين الأول 2014 حيث استطعنا الحصول على أغراضه الشخصية، وورقة موقعة من مستشفى تشرين العسكري، حيث كان محتجزًا في آخر أيامه، تعزي سبب الوفاة إلى توقف القلب والتنفس”.

الطبيب محمد زكريا النداف، 52 عاماً، وهو من أبناء مدينة الكسوة بريف دمشق والذي اعتقل مع عائلته بداية العام 2014 بتهمة ممارسة نشاط معارض، وتم الإفراج عن زوجته بعد ستة أشهر من الاعتقال بعد صفقة تبادل مع جندي أسير. بعد عام من اعتقاله يرن هاتف زوجة الطبيب محمد وبصوت منخفض يخبر المتصل السيدة أنه هناك صورة لجثة زوجها المعتقل ظهرت بين الصور المسربة. تظهر الصور آثار وعلامات تعذيب على جثة زكريا، فيما أفادت عائلته إنها تسلمت بلاغ شفهي من مشفى 601 يفيد بوفاته نتيجة “توقف قلب وتنفّس.”

وفي الجزيرة السورية شرقي سوريا تلقت عائلة لاعب كرة القدم الكابتن محمود العلي، وهو لاعب الجناح الأيمن في منتخب سوريا سابقاً، بلاغاً من السجل المدني في محافظة الحسكة يُفيد بوفاة ابنهم. وأكدت عائلة اللاعب أن ابنها محمود اعتقل في العاصمة دمشق في 8 تشرين الأول عام 2014، من قبل فرع أمن الدولة، وتلقوا خبر وفاته من خلال بلاغ شفهي من السجلات المدنية في المدينة. ووثقت الهيئة السورية للرياضة التابعة للمعارضة السورية عدد ضحايا قوات النظام من الرياضيين السوريين بأكثر من 390 رياضياً منذ انطلاق الثورة في سوريا حتى نهاية تشرين الثاني 2016.

ومن بين هؤلاء ممن قضوا في المعتقلات: بطل سوريا بسباق الدراجات أحمد لحلح، ولاعب كرة السلة في نادي الوحدة وائل وليد كاني، ولاعب كرة السلة في نادي الكرامة والجيش رودين عجك، وبطل الجمهورية في المصارعة مالك خليل الحاج حمد.

الشاب نيراز سعيد، اعتقل من قبل قوات النظام السوري من منزله في أواخر 2015. نيراز هو مصوّر صحافي في العقد الثالث من عمره، فلسطيني سوري من أبناء مخيم اليرموك، وثّق معاناة أهالي مخيم اليرموك خلال الحصار الذي فُرض عليهم سابقاً.

عائلة الشاب قالت لمعدّ التحقيق إنها تسلمت بلاغاً شفهياً يفيد بوفاة ابنهم نتيجة “سكتة قلبية”.

وكانت مجموعة “العمل من أجل فلسطينيي سوريا“، وهي مجموعة مقرها في العاصمة البريطانية لندن وتعمل على توثيق أوضاع لاجئي فلسطينيي سوريا، أكَّدت أن 3,825 فلسطينياً قُتلوا في سجون النظام -بينهم نساء- على مدى سنوات الثورة السورية، وأن هناك نحو 1,680 معتقل محتجز في سجون النظام السوري لليوم، إضافة الى مئات المفقودين.

تتطابق الشهادة التي حصلنا عليها مع إفادات تلقيناها خلال مقابلات أجريت مع عائلات ضحايا التعذيب في معتقلات النظام السوري، والذين شكلوا “رابطة عائلات قيصر” وهي العائلات التي ظهرت صور جثث أولادهم في الصور المسربة بهدف تعريف العالم بما يحدث في معتقلات سوريا وعن الشباب الذين يقضون تحت التعذيب والتجويع والضرب المبرح.

في محاولة للتحقق من صحة الصور تمكننا من الوصول إلى طبيب شرعي كان يخدم في المستشفيات العسكرية بدمشق لأكثر من 14 سنة برتبة ضابط مقدم قبل أن يفرّ منذ عامين خارج الحدود.

رفض الطبيب الحديث معنا مرات عدة خوفاً على سلامته، إلا أنه وبعد محاولات متكررة وبعد عرضنا عليه الصور وبعض الوثائق التي بحوزتنا من شهادات وفاة وتقارير طبية قبل الحديث معنا

يقول الطبيب في شهادته وبعد التدقيق في الصور واستناداً لخبرة طبية: “إن الجثث تعرضت لكدمات وضرب بأدوات حادة، كما أن أثار التعذيب واضحة عليها”، مشيراً إلى أنه شاهد وعاين أكثر من ألف جثة معتقل في مشفى 601 أو ما يعرف بـ”مستشفى المزة العسكري”.

تتنافس أجهزة المخابرات السورية والأفرع الامنية على إبراز وحشيتها في تعذيب المعتقلين، حيث يصل في بعض الأيام عدد المدنيين الذين يقتلون تحت التعذيب إلى ما لا يقل 15 شخص يتوفون في السجون والفروع الأمنية في اليوم الواحد” يقول الطبيب، ويضيف: “تصل هذه الجثث إلى المشافي ومن ثم يتم إصدار شهادات وفاة مغايرة لحقيقة وفاة الموقوفين، كي يتم اخفاء طريقة الوفاة الحقيقة جراء التعذيب وظروف الاعتقال، وبالتالي يتم اخفاء طريقة الوفاة والتعذيب من خلال شهادة الوفاة التي يسلم بعضها لأهالي المعتقلين”.

وفي شهادة مطابقة يقول أحد الأطباء الذين عملوا في مستشفى 601 (رفض الكشف عن اسمه) خلال لقائنا به في العاصمة الأردنية عمَّان: “كان الموقوفين يأتون إلى المستشفى أحياءً ويموتون تحت التعذيب في المستشفى ايضاً. كنا نستقبل جثثاً هامدة في المستشفى كذلك”. وأوضح الطبيب أن غالبية المعتقلين سواء كانوا أحياء أو جثث فارقوا الحياة لأسباب عدة أولها الفشل الكلوي الناتج عن ضرب الموقوف على منطقة الكلى، مما يسبب فشلاً وظيفياً في عملها وبالتالي عدم قدرة الجسم على تصريف السموم.

تحققنا من صحة الصور ومقاطع الفيديو التي حصلنا عليها بالتعاون مع الخبير المتخصص هادي الخطيب، والذي يعمل مع الأرشيف السوري على التحقق الرقمي والتحليل مفتوح المصدر منذ عام 2011، في جمع البيانات والتحقق منها والتحقيق فيها كدليل على انتهاكات حقوق الإنسان.

أكَّد الخطيب الذي يمتلك خبرة في توثيق هذا النوع من البيانات المتعلقة بالوضع في سوريا، أن الصور التي بحوزتنا صحيحة وتعود إلى مواقع عسكرية في عدة مناطق بسوريا، وخاصة تلك الملتقطة في مرأب السيارات (واحدة من صور قيصر المسرَّبة) وذلك عن طريق مقارنة النقاط المرجعية (المباني وتضاريس الجبال والشاحنات والسيارة البيضاء) مع صور القمر الصناعي من Google Earth، وDigital Globe، وكذلك من خلال مطابقتها مع الخرائط الجغرافية والعلامات الأرضية.

كما تحقَّقنا من الصور المسرّبة من خلال الأزياء العسكرية وبيانات وهويات المجنّدين الذين ظهروا في الصور، وهم عناصر لدى قوات النظام السوري في المستشفى العسكري بالمزة، أو ما يُعرف بـ”مستشفى 601″ ومتخصصين بنقل الجثث وتغليفها.

مختارات سورية

2019-04-09

المصدر: موقع Vice عربية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى