كاتي بومان.. رحلة نسائية لإكتشاف الكون
في صورة أظهرت هالة من الغبار والغاز على بعد خمسمئة مليون تريليون كيلومتر من الأرض تغوص في الظلام الدامس. ظل العلماء خلال مئة عام يرون أنه من المستحيل التقاطها إلا بتلسكوب بحجم كوكب الأرض، ولكن كاتي بومان فعلتها والتقطت الصورة.
بومان جزء من فريق دولي من علماء الفلك الذين صمموا أكبر تلسكوب في العالم لالتقاط أول صورة للثقب الأسود، بمساعدة فريق من مختبر علوم الحاسوب والذكاء الاصطناعي بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا ومركز هارفارد سميثسونيان للفيزياء الفلكية ومرصد معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا.
وقفت قبل ثلاث سنوات أمام الجمهور في برنامج تيد توكس TED TALKS لتقدم لمحة مختصرة عن حجم الجهد المبذول للحصول على هذه الصورة الأولى، وأخيرًا حققت إنجازًا على الرغم من أنها ليست فلكية فهي طالبة دراسات عليا في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، وتقوم بإجراء بحث في مختبر علوم الحاسوب بالمعهد، والذي يعمل على جعل أجهزة الحاسب الآلي ترى من خلال الصور والفيديو.
ما هو الثقب الأسود؟
منذ مئة عام، نشر ألبرت أينشتاين نظريته في النسبية العامة، وفي السنوات التي تلت ذلك قدم العلماء الكثير من الأدلة لدعمها، ولكن كان هناك شيء واحد تنبأت به النظرية، وهو وجود ثقوب سوداء في الكون، ولا يمكننا ملاحظتها مباشرة
وعلى الرغم من أن لدينا بعض الأفكار حول الشكل الذي يبدو عليه الثقب الأسود، فإننا لم نلتقط صورة واحدة له، إلا قبل يومين على يد بومان.
ففي قلب مجرتنا، درب التبانة، يوجد ثقب هائل يتغذى على قرص دوار من الغاز الملتهب الساطع، ويمتص أي شيء يغامر ويقترب منه، حتى الضوء
لم يتمكن أي من العلماء الذين تنبؤوا بوجوده من رؤيته من قبل، رغم أنه يلقي بظلاله مباشرة على حياتنا، وصورته التي رأيناها يمكن أن تساعد في الإجابة عن بعض الأسئلة المهمة حول الكون.
يقع الثقب بعيدًا تمامًا عن كوكبنا، وعن مجموعتنا الشمسية، وعن مجرتنا، فبعد تجاوز ملايين النجوم، أي 26 ألف سنة ضوئية، باتجاه قلب مجرة درب التبانة، سنصل في النهاية إلى مجموعة من النجوم في الوسط، تسبح في الغبار المجري. وقد استطاع العلماء رصدها قبل 16 عامًا، لكن ما لم يستطيعوا رؤيته ذلك الكائن غير المرئي الذي تدور هذه النجوم حوله
برتقالة على القمر
اعتاد العلماء على الاعتقاد بأن التقاط مثل هذه الصورة يتطلب تلسكوبا بحجم الأرض، حتى توصلت بومان وفريق من علماء الفلك إلى بديل ذكي.
فلم تستمع للنظريات التي ادعت أنه من المستحيل رؤية الثقب الأسود، خاصة وأن حجمنا بالنسبة له مثل حجم برتقالة على سطح القمر، وتوقعت أنها إن لم تستطع رؤيته فيمكنها رؤية حلقة الضوء الناتجة عن الغازات المشتعلة حوله. وبعبارة أخرى، ظلال الثقب الأسود على هذه الخلفية من المواد الساطعة المنتشرة في الظلام، حتى تكشف لنا هذه الحلقة الساطعة عن أفق الثقب الأسود.
حلت بومان معضلة التصوير بمعادلة بسيطة، معتمدة على وجود حدود أساسية لأصغر الأشياء التي يمكن أن نراها، وتقول هذه المعادلة إنه من أجل رؤية أصغر وأصغر، نحتاج إلى جعل التلسكوب أكبر وأكبر، ولكن حتى مع وجود أقوى التلسكوبات البصرية هنا على الأرض، لا يمكننا حتى الاقتراب من الدقة اللازمة.
كان التلسكوب الذي تحتاجه بومان لرؤية الثقب الأسود يشبه مقاييس تلسكوب يرى برتقالة على سطح القمر، على الرغم من أن أعلى الصور دقة لسطح القمر تم التقاطها من الأرض تحتوي على حوالي 13 ألف بكسل، ومع ذلك سيحتوي كل بكسل على أكثر من 1.5 مليون برتقالة، وبالتالي، وببعض الحسابات البسيطة ستحتاج بومان لتلسكوب بحجم الأرض لرصد برتقالة واحدة من بين كل هذا.
لا تعرف المستحيل
تعرف بومان أنه من المستحيل إنشاء تلسكوب أحادي الطبق بحجم كوكب الأرض، لكنها قامت بتوصيل عدد ضخم من التلسكوبات حول العالم، بتعاون دولي لإنشاء تلسكوب بحجم الأرض -حسابيًا فقط- وأطلقت على الاتحاد اسم إيفينت هورايزون تلسكوب Event Horizon Telescope، من أجل تلسكوب قادر على التقاط أفق أحداث الثقب الأسود.
في هذه الشبكة العالمية يعمل كل تلسكوب داخل الفريق، ومن أجل التقاط الصورة، وارتبط فريق من الباحثين في كل موقع من العالم بتوقيت دقيق بالساعات الذرية، وقاموا بتجميد الضوء من خلال جمع آلاف التيرابايتات من البيانات، ثم معالجة هذه البيانات في مختبر في ماساتشوستس.
قابلت بومان معضلة تجميع الضوء عبر تلسكوبات في مواقع مختلفة من الكوكب، لأنه حين تدور الأرض سنرى قياسات جديدة، وستنتج صور لا حصر لها من زوايا مختلفة، لذا طورت خوارزميات تصوير لتساعدها على سد الثغرات المفقودة في الصورة الكلية، تمامًا كما يستخدم فنان الطب الشرعي وصفًا محدودًا لتجميع صورة باستخدام معرفته ببنية الوجه البشري
وساعدت خوارزميات التصوير بومان في استخدام بيانات التلسكوبات لإرشادها إلى صورة تشبه أشياء في عالمنا أيضًا، وتجميع صورة من ملايين البيانات المتفرقة بناء على مدى ما تنتجه التلسكوبات من صور متشابهة.
زهراء مجدي-القاهرة
2019-04-12
المصدر: الجزيرة