مقالات

قتل معلن

نبيل محمد

عنف ضد الأطفال، وضد النساء، وضد النازخين واللاجئين. عنف ضد الإنسان، هي مقولة يريد فيلم “قتل معلن” من إخراج واحة الراهب قولها، وقد عُرض مؤخرًا بمدينة اسطنبول في صالة “كتاب سراي”.

مقولة يرددها الفيلم في كل تفاصيله مباشرة دون ترميز، ويكررها خلال الدقائق الـ17 التي تتجول فيها كاميرا الفيلم داخل خيمة أسرة سورية لاجئة، وبين الخيم، حيث تتبدى المآسي تباعًا، من عيون الأطفال إلى مكونات الحياة.

لاجئ سوري (مكسيم خليل) وزوجته الحامل (نجلاء الخمري) يسكنان في خيمة صغيرة يفترشان أرضها للنوم مع أربعة أطفال، تستيقظ الأسرة صباحًا لتتناول طعامها سريعًا وتتجه إلى الحقول حيث يعمل مجموعة من اللاجئين في ظروف قاسية، ويعودون مساء ليشربوا الشاي أمام أبواب خيمهم، فيتبادلون أطراف الحديث مع الجيران، ثم يستسلمون لقدر تزويج ابنتهم الكبرى، وهي طفلة صغيرة، لابن جارتهم (واحة الراهب) الذي يكبر الطفلة بـ25 عامًا، لتنتهي طفولتها بثوب أبيض لا تدرك تمامًا معناه، وتُنتهك في خيمة أخرى بعيدًا عن أهلها الذين سلموها لقدر لا يرحم. قبل بدء الحكاية، يبث الفيلم رسال سريعة عن العنف، من القصف الجوي للمناطق المدنية، إلى منع الطفلة من اللعب بالدراجة الهوائية التي يسمح للطفل الذكر باللعب فيها، إلى صورة “أبو بكر البغدادي”، فمشهد امرأة تتعرض للضرب.

كل تلك الصور تظهر في بركة ماء تُرمَى إليها الصخور واحدة فأخرى، فتتغيّر الصور المتبدية فيها. البركة التي تخرج منها الطفلة بثوب الزفاف إلى السماء على أنغام أغنية حزينة. يتضح في كل ما ورد في الفيلم المباشرة الواضحة التي اعتمد عليها في توجيه رسالته، وهو ما لا يُعيب الفيلم ربما، خاصة في قصص كهذه، ولكونه يندرج في إطار الأفلام التي تدعو إلى حماية الأطفال، وإلى لفت الأنظار إلى قضايا اللاجئين في المخيمات، إضافة إلى سبب آخر هو الفقر الإنتاجي الذي تمت الإشارة إليه في لقاء صحفي سابق مع مخرجة الفيلم. لا يمكن لمشاهد حضر هذا الفيلم، في رصيد مشاهدته عدة أفلام عن سوريا، أو عدة أفلام قصيرة عن أي موضوع كانت، إلا أن يقرّ بمدى ضعف الفيلم، وهو ضعف لا يمكن إحالته بمجمله إلى الفقر الإنتاجي، فأن يخرج فيلم من خلف كاميرا مخرجة غير حديثة العهد في الإخراج السينمائي على الأقل، وبحضور نجوم هم من نجوم الصف الأول في الدراما السورية، بهذا المستوى، فإن ذلك ينبئ بمشكلة ما.

ولو استُبدل اسم غير معروف باسم المخرجة، ليكن لناشط إعلامي هي تجربته الأولى أو الثانية في العمل، وبحضور ممثلين هو الظهور الأول أو الثاني لهم، لكان بالإمكان تقبّل النتيجة، وتشجيع الكادر على الاستمرار، مع المواظبة على التدريب وتلقي الملاحظات ممن هم أكثر خبرة منهم. لكن أن يكون الكادر بأغلبيته محترفًا فهي مشكلة لن توصف بأقل من “الرداءة” التي أنتجتها مكونات ضعيفة تكاملت لإنتاج فيلم ضعيف، حيث النص المباشر للغاية، الذي لم يتضمن أي لفتة مميزة أو رمز، بل وبدا متكلفًا كلاسيكيًا، خاصة في حوار الجارة مع جيرانها. ولعل المشاهد الخالية من أي حديث هي الأفضل في الفيلم، لأن دور التعبير اللغوي في الفيلم كان ينتقص منه.

كل ذلك إضافة إلى ضعف الصورة في مدخل الفيلم، حيث البركة التي تسقط فيها الأحجار، والتي لا بد أنها كانت بحاجة لمراجعة إنتاجية، وتنظيف و”فلترة”، وهو ما لا تخلو خاتمة الفيلم منه، تلك الصورة المكررة لخروج العروس من المياه إلى السماء. بوضع كل مشكلات الفيلم الفنية على الهامش، لعل أي محاولة فنية لدعم قضايا اللاجئين السوريين، هي عمل يصب في المصلحة العامة وفي دعم قضايا الإنسان، وفي إيصال صورة أبناء مأساة هي الكبرى في الأرض اليوم. لكن العمل المتكامل فنيًا بالتأكيد سيكون الأقدر على إيصال تلك الرسالة على أقل تقدير. ولعلها رسالة سهلة التوجيه، فبمجرد محاكاة حياة اللاجئين في الخيم سيكون في كل تفصيل من تفاصيل تلك المحاكاة ما يحكي قصة مأساة متكاملة البناء، ولعل التقارير التلفزيونية أو الفيديوهات المتناثرة عبر الشبكة، أو حتى الأفلام الوثائقية رصدت وترصد هذه المكونات بطريقة أدق كونها راصدة للواقع، ومن هنا يتبدى الضغعف في بنية الفيلم

المصدر : عنب بلدي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى