في يوم اللغة العربية.. هوية وعادات سورية على محك الغربة
صادف امس ، 18 من كانون الأول، “ذكرى اليوم العالمي للغة العربية”، وهو اليوم الذي أصدرت فيه الجمعية العامة للأمم المتحدة قرار إدخال اللغة العربية ضمن اللغات الرسمية ولغات العمل في الأمم المتحدة في كانون الأول عام 1973.
اللغة العربية في المهجر.. حبل متين أم مجرد خيط؟
تبدد لغة التواصل وضياع هوية أبنائها كانا جل ما تتخوف منه أروى غلوان، التي لجأت إلى أمريكا منذ نحو عشر سنوات، حيث اصطدمت بواقع اللغة الأجنبية التي كانت شرطًا أساسيًا للاستمرار في بلد لا تنطق لغة الضاد.
وقالت أروى غلوان، لعنب بلدي، “عند وصولي إلى أمريكا كانت لدي ردة فعل من أولياء أمور الأطفال، عندما كانوا يتحدثون مع أطفالهم باللغة العربية ويكون الرد باللغة الإنجليزية، كان ينتابني شعور بالقلق بأنني لا أتمنى أن يكون أطفالي بهذا الشكل”.
تفكر أروى بعائلتها البعيدة دائمًا وكيف سيستطيع أطفالها التواصل معها، في حال لم يتداركوا أهمية اللغة العربية، فعدم وجود لغة مشتركة يؤثر على الروابط العائلية بشكل كبير.
وترى أن مهمة تعليم الأطفال اللغة يجب أن تلقى على عاتق الزوجين، إذ لا يكفي أن يلتزم أحد الطرفين بذلك فقط، وهو ما جعلها تمنع التحدث في البيت باللغة الإنجليزية منعًا باتًا، وجعل الحديث مقتصرًا على تحدث العربية، حتى أصبحت صديقاتها تسألها “شو جايبة ولادك من الشاغور؟”، لكنها تقول إنها سعيدة بذلك.
ولا تكتفي أروى بتحدث العربية، بل تواصل مشاهدة برامج الأطفال الناطقة باللغة العربية مع أطفالها، وتستعيد أجواء المسلسلات العائلية كـ”مريا” و”ليالي الصالحية” وغيرها التي نشأت عليها، وتترجم قصصًا من الإنجليزية للعربية لتدرب أطفالها على اللغة.
وأضافت أن هذه الخطوات أسهمت بتعلم أطفالها اللغة بشكل طبيعي، دون أن يشعروا بأنهم مرغمون على التعلم، وقناعتهم بأن المستقبل سيكون لهم بامتلاك العديد من اللغات في آن معًا.
الخيارات التي وجدتها أروى في تعليم أبنائها اللغة العربية لم تكن متاحة بالنسبة لكوثر العلي، فما تتطلبه الحياة الاجتماعية والعملية في ألمانيا من تعلم لغات غير الألمانية (كالإنجليزية) وفقدان جهة تعلم اللغة العربية حيث تقطن، كانت من أكبر العوائق التي منعت ابن كوثر تعلم اللغة العربية، بحسب ما قالته لعنب بلدي.
ومع ذلك، تحاول كوثر في بعض الأحيان مساعدة ابنها على كتابة الأحرف والكلمات باللغة العربية، وقالت، “في النهاية سيتعلم اللغة العربية لأنها لغتنا الأم ويجب الحفاظ عليها”.
وقابلت عنب بلدي عدة حالات في أمريكا تحاول جاهدة تعليم أبنائها اللغة العربية منذ الصغر في المهجر، فتنجح في بداية الأمر إلى أن يكبر الطفل قليلًا وينخرط في المجتمع والمدرسة لتتراجع لغته العربية خطوات كثيرة إلى الوراء.
وأشار بعض من قابلتهم عنب بلدي إلى أن التعصب الشديد للغة البلد الأم في المهجر يجبر الطفل على التحدث بهذه اللغة فقط، لتختفي لغته الأم شيئًا فشيئًا ويصبح تعلمها أمرًا صعبًا جدًا.
اللغة هوية
رغم إصرار العائلة على التمسك بأساسيات اللغة، يشكل الأصدقاء والمجتمع حاجزًا لوصول العائلة لأهدافها، حيث يلعب المجتمع دورًا مهمًا في تكوين شخصية الطفل ويؤثر على لغته وعاداته.
الباحث الاجتماعي محمد زعل السلوم، أوضح لعنب بلدي، أن من الطبيعي تشرب عادات المجتمع المحيط بنا حتى في اللاوعي، لمعرفة كيفية التعامل معه والانخراط فيه وللشعور بشيء من الاستقرار.
وأشار إلى أن السوريين الذين هاجروا إلى الدول البعيدة كأمريكا والبرازيل فقدوا هويتهم ولغتهم إلى حد ما، معتقدًا أن الجيلين الأول والثاني فقط استطاعا الحفاظ عليها، ولكن بعدها تراجع الأمر تدريجيًا، على عكس الدول الأوروبية لأنها أقرب للوطن العربي وسوريا، بحسب تعبيره.
وأردف الباحث الاجتماعي أن الكثيرين من الجيل الثاني أو الثالث يبحثون عن هويتهم، كالأتراك أو الباكستانيين المسلمين في بريطانيا وغيرها من الدول، الذين حافظوا على هويتهم الإسلامية وعاداتهم.
وأعطى مثالًا عن اللاعب التركي أوزيل، فرغم أنه من الجيل الثالث في ألمانيا، مازال محافظًا على انتمائه التركي، ومازال يدافع عن هويته الإسلامية.
وهذه القضية، بحسب سلوم، توضح أنه من الممكن أن يتمسك الإنسان بهويته الأصلية أكثر وينتمي إليها ومن الممكن من يحافظ على لغته بشكل أفضل.
أهم ما في الأمر أن تحافظ البيئة الحاضنة للطفل (المنزل)، على تذكيره بهويته الأصلية التي أتى منها ويعود لها في الأساس، من خلال ممارسة اللغة العربية باستمرار، والبحث عن مدى أهميتها على جميع الأصعدة.
وبالنهاية سيكون للطفل أصدقاء في المدرسة والجامعة وسيتغير بطبيعة الحال، لكن جوهره الأساسي سيبقى في منزله ليحافظ على هويته ولغته وعلى تفاعله مع مجتمعه، بحسب سلوم.
عوائق وتحديات تقطع “الحبل السري”
المتخصصة باللغة العربية والمعلمة في تركيا أسماء العبود قالت، لعنب بلدي، إن انشغال المهاجرين بتلبية متطلبات الحياة الجديدة التي تقتضي منهم الانخراط في المجتمع الجديد، على مستوى واسع ولساعات طويلة من يومهم هو إحدى العوائق التي يواجهها الأشخاص في بلاد الغربة.
وأضافت أن عدم وجود المتفرغين لتدريس اللغة العربية، وإن وجدوا ربما لا يكونوا بالكفاءة المطلوبة، واقتصار استعمال اللغة على مستوى العائلة الصغيرة في المنزل أو العائلة الكبيرة التي مهما اتسعت تبقى ضيقة النطاق، من بين العوامل المؤثرة سلبًا أيضًا.
أكد المتخصص باللغة العربية والمدرس في النمسا خلف رمضان، في حديث لعنب بلدي، ضرورة تمسك العرب بلغتهم الأم، فلم يبق شيئ يربط الجيل الذي ولد أو تربى في أوروبا أو الاثنين معًا سوى اللغة العربية، فبضياعها يضيع الرابط الأخير الذي يربط الإنسان العربي بعروبته.
ووصف اللغة بأنها كالحبل السري الذي يربط المرء العربي بأمته، مضيفًا أن في طيات ضياعها تضيع الثقافة والدين والفن والأدب وكل ما تحتويه هذه اللغة.
ومن زاوية أخرى، تقول المتخصصة باللغة العربية أسماء العبود، “لم يتمسك بها السوريون كلغة ضرورية، بل حتى استخدامهم لها خارج بيوتهم على استحياء وبشكل خفي إذا كان المجتمع المحيط بهم أعجميًا يستدل عليهم من لغتهم، فتكون سببًا لمضايقتهم والتضييق عليهم”.
كما أضافت رغم وجود المبادرات الكثيرة على المستويين العام والخاص، الفردي والجماعي، التطوعي والمأجور، تبقى هذه المبادرات محدودة وغير جادة وفعالة في معظمها لعدم اعتمادها مادة رسمية يلزم الطلاب بدراستها وتفعيلها في واقع الحياة المجتمعية والعملية.
طرق لإنقاذ لغة الضاد في المهجر
التمسك بالعربية يعني التمسك بالهوية والروابط الأخوية، ولذلك فإن الحفاظ عليها والحرص على تعليمها بحاجة إلى تضحية والعمل المنتظم، بحسب قول المتخصصة باللغة العربية السيدة أسماء العبود.
كما قال الباحث الاجتماعي محمد زعل السلوم إن البيئة الداعمة (الأسرة) هي التي تساعد في هذا الأمر من خلال سماع الطفل لهجة جده أو عمته أو أحد أقاربه، حتى ولو افتقد الحميمية لعائلته بسبب الحرب والهجرة سيبقى محافظًا على اللغة.
ومن زاوية أخرى، أكد المتخصص باللغة العربية خلف رمضان أهمية تثقيف المواطن العربي الذي أصبح لديه ردة فعل عن كل ما هو عربي حتى اللغة بسبب السياسات العربية فانسلخ منها بشكل سريع.
ولفت إلى أن هذا الأمر يحتاج إلى دعم دولي وشعبي وحكومي لنجاح اكتساب اللغة العربية في المهجر
المصدر : عنب بلدي