في إدلب.. أطفال رضع على قارعة الطريق
كان الجو ماطراً عندما لمح عمر الحسين (35عاماً)، وهو اسم مستعار لنازح في مدينة سلقين شمال غرب إدلب، طفلاً حديث الولادة مغطى بكيس نايلون ومرمياً على حافة الطريق في البلدة.
وعلى الرغم من قتامة المشهد إلا أن حرمان “الحسين” وزوجته من الإنجاب جعلاهما يتمسكان بالطفل، بعد أن يئسا من معرفة أي شيء عن ذويه.
لكن تدهور صحة الطفل الذي لم يكن قد مر على ولادته سوى ساعات، اضطراهما لنقله إلى قسم الحواضن في أحد المشافي التخصصية حتى استعاد عافيته بعد نحو أسبوع.
ومؤخراً، تزايدت حوادث التخلي عن الأطفال الرضع ورميهم على أرصفة الطرقات وأمام المساجد في العديد من المناطق شمال غربي البلاد.
وخلال العام الفائت، وثق المرصد السوري لحقوق الإنسان، نحو 70 حالة لأطفالٍ حديثي الولادة “مجهولي النسب” تم العثور عليهم في مناطق متفرقة في إدلب.
وتنتشر هذه المشكلة في منطقة إدلب بشكل عام، وفي المخيمات الحدودية بشكل خاص، حيث الكثافة السكانية العالية، وذلك في ظلِ ظروف معيشية صعبة يعيشها النازحون والمهجرون في المخيمات.
وبلغ عدد النازحين في هذه المخيمات، وفق إحصائيات لفريق “منسقو استجابة سوريا” نحو مليون و49 ألف نازح، موزعين على 1304 مخيمات.
ويرتبط انتشار الحالات ارتباطاً وثيقاً مع طول سنوات الحرب في سوريا، وما خلفته من أوضاع اقتصادية صعبة وفقر مدقع بات يحاصر الكثيرين وفقاً لحقوقيين.
وأجبر ذلك الحال العديد من السكان على التخلي عن أطفالهم لعدم قدرتهم على تحمل أعبائهم، بالإضافة لانتشار العلاقات “غير الشرعية”، التي ازدادت “بسبب الأوضاع المعيشية المأساوية وهو ما أدى لانتشار الأطفال اللقطاء”، بحسب هؤلاء.
ويعرف مجهول النسب بأنه الطفل الذي عثر عليه ولم يعرف والده، أو الأطفال الذين لم يثبت نسبهم وليس لديهم معيل.
اضطهاد مجتمعي
ويضطر ذوي الأطفال “مجهولي النسب” في معظم الأحيان لترك ورقة توضيحية مع الطفل يبرروا من خلالها سبب التخلي عن أطفالهم وغالباً ما يكون السبب “الفقر والحرمان والعوز.”
ويقوم بعض السكان ممن يجدون هؤلاء الأطفال بضمهم إلى رعايتهم وتبنيهم وتسجيلهم على نسبهم وقيودهم المدنية.
يقول مصعب الضاهر (42عاماً) وهو مرشد نفسي واجتماعي، إن هؤلاء الأطفال “يعيشون بعزلة تامة عن المجتمع من خلال الانطواء على أنفسهم نظراً لتبرئ المجتمع منهم.”
ويشير إلى أن نظرة المجتمع تدفع “الكثيرين منهم للتفكير بالانتحار أو إيذاء أنفسهم نظراً للظروف القاسية التي يمرون بها من خلال عدم الاعتراف بهم وتقبلهم من المجتمع المحيط.”
ولضرورة مواجهة الظاهرة، بحسب “الضاهر”، فإن على الجهات المعنية القيام بحملات توعوية للحد منها.
وانتشار الزواج المبكر كان أحد ركائز انتشار هذه الظاهرة، وخاصة زواج القاصرات السوريات من عناصر فصائل مسلحة وأجانب، بحسب ناشطين من مدينة إدلب.
وتضطر الأم لترك طفلها بعد مقتل زوجها أو انتقاله لمنطقة أخرى بحكم تنقله المستمر مع فصيله فضلاً عن عودته لوطنه الأصلي، تاركاً زوجته دون معيل أو سند.
نظرة قانونية
يقول نضال منصور وهو محامي من سكان إدلب، إن الأطفال “مجهولي النسب” سيحرمون من حياتهم الطبيعية بسبب عدم وجود ثبوتيات رسمية مسجلة في دوائر الحكومة السورية.
كما أن عدم قدرة السكان على تبني هؤلاء الأطفال وضمهم إلى نسبهم خوفاً من احتجازهم من قبل العناصر الأمنية التابعة لحكومة الإنقاذ على اعتبار أن “التبني حرام”، هو سبب آخر لحرمانهم مستقبلاً من أي خدمات تقدمها الحكومة السورية لهم.
ويُجرم قانون العقوبات السوري من يحاول التخلص من ولده بالسجن لمدة قد تصل لـ ١٥ عاماً، ويطلق على هذا النوع من الجرائم “اسم تسييب الأطفال”، فيما يخفف القانون الحكم عن أم الطفل إذا أقدمت على ذلك “مكرهة لصون شرفها في حال الحمل والإنجاب خارج إطار الزواج.”
ويحرم الطفل مع مرور الأيام من حق التعليم والرعاية الصحية، والهوية الشخصية وبالتالي يحرم من كافة حقوقه المدنية.
ويقول “المنصور” أن “حكومة الإنقاذ لم تتخذ أي تدابير من شأنها أن تحد من هذه الظاهرة، وتأمن مستقبل هؤلاء الأطفال.”
ويضيف: “سيصبحون فئة مهمشة ما لم تقدم لهم الرعاية الصحية والحياة الكريمة.”
المصدر : نورث برس