فنان سوري يستلهم براميل النفط في تجسيد فكرة الحواجز والحدود في ألمانيا
يقيم النحات السوري “مناف حلبوني” معرضه الجديد بعنوان “الحدود” داخل متحف Wilhelm Morgner Museum بمدينة soest – التابعة لولاية “دورتموند” الألمانية، مستلهماً البراميل الفارغة في تجسد فكرة الحواجز والحدود من خلال وضع العشرات منها إلى جانب بعضها البعض ووضع أكياس من الرمل فوقها لتشبه ما يعرف بالدشم في ظروف الحرب، محاكياً من خلال فكرته هذه الحدود المحظورة والحواجز المصطنعة والحدود الثقافية والنفسية التي نصنعها لأنفسنا.
ولجأ الفنان “حلبوني” في معرضه إلى تجزيء المتحف الصغير الموجود في مدينة “زوست”، وقام بسحب جدار من خارج المتحف إلى داخله بواسطة براميل فارغة، وهذا المشروع الفني هو نسخة طبق الأصل عما يعرف بـ”الخط الأخضر” وسط البلدة القديمة في العاصمة القبرصية “نيقوسيا”، وهو خط ترسيم وضعته إدارة السلام التابعة للأمم المتحدة ليفصل القبارصة عن الجزء التركي من الجزيرة، وظهر هذا التقسيم بعد دخول القوات التركية شمال قبرص عقب “عملية سلام 1974”.
ويقول الفنان “حلبوني” لـ”زمان الوصل” إنه دائم التفكير بموضوعات الحدود والحواجز وتأثيرها على الناس كما في معرضه السابق “حافلات حلب”، وأراد من خلال معرضه الجدي كما يقول أن يعطي للناس فكرة عن العالم فيما إذا كان هناك تجزيء وحدود مصطنعة.
وأردف أنه قام بتجزيء المتحف الذي ضم المعرض إلى جزئين وعندما يريد الزائر أن يرى ما بداخله عليه أن يخرج منه كلياً ويلتف حول الجدار الموضوع ليدخل من الجانب الآخر.
ولدى سؤاله عن علاقة معرضه بما يجري في سوريا أشار الفنان المقيم في مدينة “دريسدن” إلى أن معرضه الحالي لا علاقة مباشرة له بما يحصل في سوريا، ولكن له علاقة بموضوع التجزيء بشكل عام، والفكرة التي أراد إيصالها –حسب قوله– أن الحدود بين البلدان تتغير عبر التاريخ ولا شيء فيها “إلى الأبد” وأحياناً يقف الإنسان جانب جدار ولا يستطيع اجتيازه، ولكنه قد يكتشف طريقاً يلف من خلاله حول الجدار ويجتازه.
وتابع أن الناس يقفون أمام حاجز ما ولكن مع الوقت يكتشفون أن هذا الحاجز مجرد وهم يسكن دواخلهم وأفكارهم، ونوّه حلبوني إلى أن المجتمعات الغربية والعربية على حد سواء تعيش حالياً انقساماً عبر جدار وهمي غير مرئي في كل منطقة وكل طبقة اجتماعية.
ولفت النحات السوري الألماني إلى أن غايته من هذا المعرض التركيبي التركيز على معنى التجزئة، وسعي الإنسان لتخطيها، وإذا كان الألمان قد تخطوا جدار برلين، فإن هناك بلدان أخرى لم يتخطوا هذا الجدار مثل قبرص وجدارها الأخضر، وكذلك غزة التي تعاني من الجدار الذي وضعه الاحتلال الإسرائيلي ليفصلها عن العالم الخارجي ويحاصرها به، وكذلك الحدود الحادة الموجودة بين الكوريتين الشمالية والغربية وهي أيضاً بمثابة جدار يجزىء شعباً كان موحداً في الماضي.
وعن الصعوبات التي واجهته أثناء تنفيذ معرضه أشار “حلبوني” إلى أن هذه الصعوبات تمثلت في الإجراءات البيروقراطية، فالعمل منفذ داخل متحف رسمي وخارجه، وهذا تطلب الحصول على موافقات إدارية، وفي الأنظمة الألمانية لا يجوز قطع الطريق للسماح لسيارات الإسعاف أو الإطفاء بالدخول إلى المكان لذلك تعمد ترك مساحة من الجدار لدخول سيارات الإطفاء أو غيرها، وقام بوضع حائط وراءها وبدت المساحة المقصودة وكأنها مغلقة للوهلة كنوع من الخداع البصري.
وكشف “حلبوني” أنه استخدم في مشروعه الفني 200 برميل نفط فارغ ويمتد المشروع على مساحة 20 متراً وارتفاع 2 م مع أكياس الرمل، وتقصّد ترك البراميل المستخدمة في المشروع على لونها الطبيعي الأزرق مع لوغو براميل النفط حفاظاً على طبيعية المشهد وعفويته.
وحول صدى المشروع بين زوار المعرض أشار الفنان القادم من دمشق إلى أن حالة من الجدل سادت المعرض، وبعض الزوار استغربوا الفكرة وتساءلوا عن مغزاها، وجرت نقاشات مطولة عن هذا المشروع وماهية الجدار رغم أن الألمان معتادين على مثل هذه المعارض التركيبية.
وأردف الفنان الثلاثيني أنه اعتاد في أعماله التي تنتمي إلى الفن السياسي أن يضع نقطة جدل تدعو الناس إلى التفكير والعصف الذهني.
ويستمر معرض الحدود الذي تم افتتاحه بتاريخ 9/5/2021 حتى 18/7/2021 ومن المقرر أن يعرض بعدها في “مركز الفنون المضطهدة” في “سولينجن” خلال الفترة من 14 تشرين الثاني نوفمبر/2021 إلى 13 شباط فبراير/2022.
وولد “مناف حلبوني” ونشأ في دمشق ودرس في كلية الفنون الجميلة بين عامي 2005 و2008، لينتقل بعدها إلى مدينة “دريسدن” بألمانيا ويكمل دراسته في أكاديمية الفنون، وبعد دراسة امتدت لخمس سنوات حصل على ماجستير، وطوال فترة دراسته تلك عمل “حلبوني” على عدة مشاريع نحتية صغيرة تعكس ما يجري من تحولات في العالم وتحرّض المتلقي على أن يكون إيجابياً في عطائه وتأثيره.
ومنها مشروع “حافلات حلب” التي نصبها بشكل طولي في أحد ميادين مدينة “دريسدن الألمانية” وأمام كنيسة “Frauenkirche” كتعبير عن رغبة الحياة والتشبث بالبقاء لدى الحلبيين أثناء فترة الحصار