جوع وعطش.. قصة مؤلمة لمهاجر سوري علق في الغابات بين بيلاروسيا وبولندا
مثل أكثر من 6 آلاف لاجئ سبقوه منذ الصيف، حاول المغني السوري أحمد دندشي عبور بيلاروسيا وبولندا أملا في الوصول إلى ألمانيا.
في هذا التقرير الذي نشرته صحيفة “لاكروا” (La Croix) الفرنسية، يقول الكاتب جان بابتيست فرانسوا إن أحمد دندشي شاب سوري من محافظة حمص يبلغ من العمر 32 عاما بعث بعشرات رسائل الاستغاثة إلى المنظمات غير الحكومية، أحدها يعود إلى التاسع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، ورد فيها ما يلي “أنا على قيد الحياة لا بد من الخروج من هذه الغابة إلى مكان أكثر أمانا، وإذا ما اقتضت الحاجة أعود إلى لبنان. أنا لست على ما يرام”.
علق أحمد 20 يوما في الغابة التي تفصل بين بيلاروسيا وبودلاسيا في شمال شرق بولندا، وبقي في البرد ودون طعام محاصرا من قبل شرطة مينسك التي تمنعه من العودة أدراجه، ومن من قبل جنود وارسو الستة آلاف الذين تم نشرهم لدعم حرس الحدود من أجل منع تسلل اللاجئين.
وأعلنت بولندا حالة الطوارئ منذ الثاني من سبتمبر/أيلول الماضي في هذه المنطقة المغلقة أمام المنظمات غير الحكومية ولا يسمح بالوصول إليها إلا للسكان المحليين الذين يعاقبون في حال قدموا أي شكل من أشكال المساعدة للاجئين.
وفي الوقت الحالي، يعيش أحمد في مكان آمن في براندنبورغ شرق ألمانيا، وتحديدا معسكر أيزنهوتنشتات، منتظرا الحصول على إقامة دائمة.
وكان بحوزة أحمد في هذه الرحلة المضنية هاتف ذكي مكنه من إرسال الصور والرسائل الصوتية ومقاطع الفيديو والوثائق الطبية المؤرخة. ويعتبر أحمد شاهد عيان بالنسبة للمنظمات غير الحكومية خاصة أنه يتحدث اللغة الإنجليزية بطلاقة وعمل مع المجلس النرويجي للاجئين لمدة 7 سنوات في لبنان.
تقول أوليفيا دوراند -الباحثة الفرنسية البولندية في جامعة “أكسفورد” (Oxford) والتي كانت همزة الوصل بين أحمد ومنظمة “غروبا غرانيكا” (Grupa Granica)- إن “هذه المرة الأولى التي تتعامل فيها الجمعيات مع شخص تعرف سيرته الذاتية التفصيلية. كما سمح لنا بمشاركة الرسائل الصوتية التي أرسلها لي خلال الأسابيع القليلة الماضية، مما يعطينا فكرة جيدة عما يحدث”.
بعد تحصله على البكالوريوس في التصميم الداخلي، تابع أحمد دراسته كلاجئ في المعهد الوطني اللبناني. وقد كانت مواهبه في الغناء وتأليف الأغاني سببا في ظهوره عدة مرات على شاشات التلفزيون. لكن بعد الأحداث التي هزت لبنان، بما في ذلك انفجار مرفأ بيروت، فقد أحمد أمله في الاستقرار في لبنان.
وعند وصوله إلى بيلاروسيا في سبتمبر/أيلول الماضي، قضى أحمد 3 أيام صعبة قبل دخول الاتحاد الأوروبي والوصول إلى ألمانيا؛ حيث ينتظره أصدقاؤه. وكان يفترض أن يكون هذا الطريق الأسهل والأقل خطورة بعد أن أعلن الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو اعتزامه السماح للمهاجرين بالمرور إلى الاتحاد الأوروبي ردا على العقوبات الأوروبية المتخذة ضد نظامه.
نفاد مياه الشرب
في البداية، خطط أحمد لشراء تذكرة طائرة إلى مينسك مقابل بضع مئات من اليوروات، ثم ركوب سيارة أجرة تقله إلى غرودنو أو بريست في ضواحي بولندا؛ وبعد ذلك المشي لبضع ساعات في الغابة، وكان من المفترض أن تقله سيارة أجرة أخرى عبر الحدود إلى ألمانيا. لكن الواقع كان عكس ما خطط له، حيث وجد أحمد نفسه مجبرا على تحمل 20 يوما من الجوع والعطش وسوء المعاملة.
وذكر الكاتب أن أحد المهربين سلب أحمد أمواله دون أن يساعده في الوصول إلى الوجهة الموعودة، وسرعان ما نفد ما مع أحمد من مياه شرب وألواح البروتين. يقول “انتهى بي الأمر إلى شرب مياه المستنقع. تمكنت منظمة غير حكومية محلية من تحديد موقعي وزودتني بالطعام”.
وبفضل غروبا غرانيكا -التي تمولها مجموعات عبر الإنترنت- تمكن أحمد من إعادة شحن هاتفه لإرسال استغاثة نهائية في حالة الخطر.
رُمي وسط الغابة
في التاسع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، خارت قوى أحمد لدرجة طلب من رفاقه مواصلة الطريق من دونه. ويقول “تلقيت المساعدة من السكان المحليين الذين طلبوا سيارة إسعاف. لكن بعد حصولي على الرعاية اللازمة “جاء حرس الحدود بحثا عني، وسلبوني البطانية التي أعطيت لي ورموني في الغابة في منطقة معزولة”.
وتُظهر مقاطع الفيديو التي صورها أحمد المواجهة بين السلطات البولندية والبيلاروسية. وفي 12 أكتوبر/ تشرين الأول، صوّر أحمد مقطع فيديو تُسمع فيه رسالة بـ4 لغات؛ العربية والفارسية والإنجليزية والفرنسية، وتصدرها مكبرات الصوت في عربة دورية تقول “عبور الحدود في هذه المنطقة جريمة يعاقب عليها بالسجن 3 سنوات. بعد عبور الحدود، سيتم إعادتك إلى البلد الذي أتيت منه”.
التجربة الإنسانية
هذه المرة، لم يُترك أحمد في منطقة معزولة لا يعرفها، وتمكن من تحديد موقعه على نظام التموضع العالمي الذي أظهر له أنه على الحدود البولندية. كانت تفصله ساعات قليلة عن الوصول إلى ألمانيا ولقاء رفاقه في معسكر أيزنهوتنشتات. وتجدر الإشارة إلى أن حوالي 6 آلاف و100 مهاجر عبروا منذ الصيف الماضي نفس الطريق التي سلكها أحمد إلى ألمانيا، معظمهم من العراق وسوريا وإيران واليمن.
وإلى جانب رغبته في الاستفادة من خبرته في مجال الإغاثة -حيث بذل جهدا كبيرا لضمان حصول اللاجئين على المساعدة التي يحتاجونها- يتطلع أحمد إلى العودة إلى عالم الموسيقى.
المصدر : لاكروا