تحولات عظيمة وخسارات لاتقدر بثمن في عام ٢٠١٢
ريم زيدان
بين صمتين، صمت حين طافت بنا سفن الحرب نحو آفاق مجهولة المدى، وصمت حين تسائلنا عن السبب، نقف على أطلال حرب ما انتهت ولا عرفنا طعم السكينة من سنواتها الأولى.
جلسنا سنوات تحت صريخ الطائرات وتهاوي المنازل فوق رؤوسنا ودفنا بأيدينا أغلى من نملك، يعلو كل هذا الصخب مظلة الصمت العربي البالغ في القسوة في حين كنا نتجرع أنواع الشقاء وأنواع الموت.
كانت صرخة الإنسان فينا وليدة بلاد جاءت بنا إلى هذا العالم ولم تدرك خطورة الألم الذي سببه لنا الإنسان الشرير ، ولكن وطني ،وليس ككل الأوطان، كان يردد بلا رحمة ومن لم يمت بالسيف مات بغيره تعددت الأسباب والموت واحد.
تحولات عظيمة:
لم يكن سلخ أصحاب الأرض عن أرضهم أمرا عابراً، فأوهن النظر رؤية قوافل البشر في الباصات وهي تغادر أرضها مجبرة بالنار والحديد وسط صمت عالمي، توافدت الوحوش في الليالي على آلاف الجثث المتجففة من الجوع والمرمية نصف مدفونة، وكذا حلقت الكواسر في سماء بلادي وما كان ذلك منظراً مسبوقاً في سماء وطني، ودوت الصواريخ قبل أن تزلزل أحلام آلاف الرجال والشباب والعوائل، وصارت الهواء يدخل إلى المساجد من النوافذ المحطمة،والمآذن المهدمة..
ليتني ما سمعت بعدها بما يسمى “الهجرة” ولا تكاثرت الجروح فوق الجروح، لا أدري لم خيل إلي مشهد سفينة سيدنا نوح وسط الطوفان وكيف قضى الآلاف نحبهم غرقاً وآخرون شنقاً وآخرون حرقاً و آخرون بقوا أحياء أسابيع تحت المنازل والطوابق.. ثم التحقوا بالركب المودع.
الشيىء الوحيد الذي علق على طرف لساني هو سؤال لحوح كاد يقتلني، “لماذا بهذه السرعة؟”
وكيف جنوب الأرض صار شمالها وكيف غرب الأرض صار شرقها، وكيف الرضيع صار محارباً وكيف المسافر صار بحكم السجين المؤبد، وكيف صار القصر خيمة وكيف صارت البسمة ملطخة بالدماء والنحيب ..؟!
خسارات بملايين الدولارات امتزجت برائحة الموت والنسيان وسط مشهد حزين لا تصفه الكلمات وما سبق وأتى الزمان بمثله.
مسارات جديدة:
جاءت سنة ٢٠١٢ فجأة لتخبرنا أن للأقدار مفاجئات، فما وجدنا السماء التي لطالما انتظرناها زرقاء ولا العصافير عادت تزقزق، بل تلبدت السماء فجأة بالطائرات وتغلقت الدروب، التي كان من المفترض أن تتفتح لنا، بالدبابات
حينها.. تغيرت دروب وتغلقت أحلام وتلاشت نوايا وتوقفت ساعات، لا ننكر أننا ما استسلمنا من آنذاك إلى اليوم، لكن ذلك اليوم أتى كصرخة غيرت الكثير ..
فهذا طالب الطب الذي كان يخطط ويرسم مشفى خاص به أصبح مجاهداً من ثم شهيداً جميلاً حلق بين رفاقه الست بين مهندس ومعلم وتاجر وراعٍ وآخر امتنع عن الدراسة في مدارس النظام قبل انهاء الثانوية، كلهم صعدوا إلى السماء وتصاعد خلفهم نحيب زوجات ماكانت تعلم أنها ستترمل وأنها ستصبح رجل وأنثى في نفس الوقت وأنها ستعمل على تربية خمسة أولاد يتامى وصاروا أبناء الشهيد،
ما كانت تعرف تلك الفتاة الشابة التي صرخت بكلمة حق أنها ستقبع سنوات تحت الأرض في الزنازين وأنها ستحمل في أحشائها بقايا اغتصابها من غاشم،
تهدمت بيوت وتخربت مدن ليلاً وفي وضح النهار، وحين سأل ذاك الطفل أباه المسافر إلى الرباط لماذا يا أبي؟ أجابه:” من أجل العيش بكرامة”
وهل ثمن الكرامة أن تطحن المدن؟ وأن ترمى النساء في البراري وفي الخيام، وأن ينام أعزاء القوم على فراش غارق في الطين ، وأن يبكي العجوز فراق أولاده بعد هجرة مجهولة الأمد؟
هل تلاشى في بلادي طعم اللقاء؟ فلا الجار عاد يدري أخبار جاره إن كان حيا أو ميتا