بين فوضى التعليم عن بُعد وخطر الإصابة بـ”كورونا”.. كيف نضبط أطفالنا
“كيف سأقنع ابني أنه مجبر على الالتزام بهذا الوضع، إن هذا عامه الأول في المدرسة، ويشعر بالملل من متابعة الدروس على القنوات التلفزيونية وعبر المواقع الإلكترونية، وأنا لا أستطيع إجباره على شيء”.
هكذا اشتكت نور عبد الله، وهي أم سورية في تركيا لطفل في السادسة من عمره، من انقطاع التعليم وجهًا لوجه في المدارس التركية، عدا يوم واحد في الأسبوع، وتأثير ذلك على ابنها.
ويعاني أهالي الأطفال السوريين في المدارس التركية من عدم انضباط أطفالهم والتزامهم بعملية التعليم عن بُعد، التي أطلقتها وزارة التربية التركية، في 23 من آذار الماضي، بديلًا عن التعليم وجهًا لوجه، في ظل انتشار فيروس “كورونا المستجد” (كوفيد- 19).
“لا يمكن ضبط طفلي في هذه المرحلة العمرية، هو صعب المراس ولا يحب الالتزام، وأعتمد اعتمادًا كليًا على ما يتلقاه من المدرّسين في يوم واحد من الدوام أسبوعيًا”، وصفت نور التعامل مع ابنها يوميًا.
وفي 21 من أيلول الماضي، بدأت المدارس في تركيا بالدوام وجهًا لوجه، مرة واحدة في الأسبوع، للمرحلة الابتدائية، وصفوف التعليم الأساسي، بحسب وزارة التربية التركية.
وقالت نور إن ابنها التزم بحضور البرامج التلفزيونية، التي تُعرض على القنوات التي خصصتها وزارة التربية التركية للتعليم عن بُعد، عبر القمر التركي “ترك سات” لمدة أسبوع، ثم بدأت مُدرّسته بإرسال رابط برنامج “EBA” أو “ZOOM” المخصص لحضور الدروس، على مجموعة المدرسة عبر تطبيق “واتساب”، لكنه لم يستمر بالمتابعة.
وأطلقت الوزارة، في 23 من آذار الماضي، شبكة “TRT- EBA” التلفزيونية، وتتضمن ثلاث قنوات بما يتناسب مع المراحل المدرسية، إضافة إلى موقع إلكتروني، كبديل عن التعليم المباشر الذي توقف التزامًا بالإجراءات الوقائية من فيروس “كورونا”.
توقعت عائشة كمال، وهي أم سورية في تركيا، أن طفلها الذي وصل إلى الصف الثالث الابتدائي، سيكون بحالة أفضل لو عادت المدارس لتفتح أبوابها من جديد، لأنه سيفرغ طاقته، ويتخلص من الملل الذي يصيبه في البيت، وضعف التركيز بسبب صغر سنه.
واشتكت عائشة من الضغط المفاجئ من المدرّسين، وقالت “إن كمية الوظائف التي تُعطى للطلاب غريبة، فبعد جلوس الطفل عدة ساعات يستمع إلى الدروس، يضطر بعدها لحل وظائفه، وهذا يشكل عبئًا على الطفل، ولو أنه يحتك بالأساتذة والطلاب بشكل مباشر، لشعر بجدية الأمر وأظهر الاهتمام”.
زينب رفعت، أم سورية لطالبتين في الصف الثامن والسادس، قالت إنه لا يتوفر في المنزل في أوقات عرض دروسهما إلا جهاز ذكي واحد، وتواجههم مشاكل كثيرة بسبب تضارب أوقات الدروس بينهما.
وقرر وزير التربية التركي، ضياء سلجوق، اليوم الثلاثاء 6 من تشرين الأول، توزيع 500 ألف جهاز لوحي على الطلاب، وقال إن عملية توزيع الأجهزة ستُنسق من قبل مديريات التربية، وتُسلم إلى الطلاب المحتاجين عن طريق المدارس.
تأثير عائق اللغة على العملية التعليمية
اعتمدت عائشة على مُدرّسة لإعطاء ابنها دروسًا خاصة في المنزل، بسبب عدم قدرتها على متابعته، لأن لغتها التركية لا تكفي، خاصة عندما يتعلق الأمر بالمصطلحات العلمية الدقيقة.
“يتهرب ابني من الدروس مستغلًا ضعف لغتي التركية، ويلتف دائمًا على مواعيد الدروس، وعندما ترسل المعلمة برنامج الحصص، يحاول التهرب من حضورها بإلهائي عن رؤية الرسائل”.
الاستشارية التربوية والنفسية فاتن عثمان، تحدثت لعنب بلدي عن مشكلة عدم إتقان الأمهات اللغة التركية، وقالت إن الطفل سيشعر حتمًا بهذه المشكلة، لكن يمكن تلافيها في الصفوف الأولى، بمتابعته بعد الدوام بشكل منتظم، وعدم إشعاره بضعف اللغة من خلال مشاركته بحل بعض التمارين والأنشطة.
لكن في الصفوف المتقدمة، سيكون من الصعب على الأم متابعة أطفالها، إذا كانت لغتها التركية ضعيفة، ويجب أن تحاول الإحاطة باللغة، ومتابعة الدروس مع ابنها، ويمكنها طلب ترجمة ما يصعب عليها فهمه منه، لتضعه بمكان المدرّس وتكون بمكان الطالب، وتسهل الأمور عليهما.
صعوبات تواجه المدرّسين
يواجه المدرّسون تحديات وصعوبات لضبط الطلاب عن بُعد، ويتعذر إيصال المعلومات بنفس الطرق التي اعتادوا عليها سابقًا، ما يتطلب منهم جهدًا وسعيًا أكبر.
لم يستوعب الأطفال في المرحلة العمرية بين 7 و10 سنوات بعد هذه الطريقة الجديدة، فعندما يسأل الأستاذ سؤالًا، يجيب جميع الطلاب مع بعضهم، ويرفعون أصابعهم تلقائيًا، وينسى بعضهم الضغط على زر مكبر الصوت، وغيرها الكثير من المشكلات التقنية التي تؤثر على سير العملية التعليمية، بحسب المدرّسة ميادة أندرون، وهي مدرّسة أطفال في معهد، تعطي دروسًا عبر الإنترنت.
وأضافت المدرّسة أن التعليم وجهًا لوجه أفضل من عدة نواحٍ، منها القدرة على ضبط الطفل والتحكم بسير الدروس كما يجب، وتسبب التعليم عن بُعد بكثير من المشاكل للأستاذ والطلاب، فمثلًا عندما يتغيب المدرّس عن موعده يبقى الأطفال على اتصال مع بعضهم في جو تسوده الفوضى والإزعاج.
إرشادات وحلول
في بداية العام الدراسي الحالي، تلقى الأهل خبر إغلاق المدارس في تركيا باستنكار واستصعاب، خاصة عندما بدأ التعليم عن بُعد، إذ كانت المدرسة تساعد الأطفال على قضاء وقتهم بشكل طبيعي مع أقرانهم، وتكوين علاقات اجتماعية، وتفريغ طاقتهم بالنشاطات الرياضية والبدنية، وكان من السهل ضبطهم بوجود مدرّس مسؤول عن ذلك، بحسب ما أوضحته الاستشارية التربوية والنفسية فاتن عثمان.
وأضافت الاستشارية أن الأطفال يفقدون عنصر المنافسة وغيره من العناصر التعليمية المهمة، وأخذوا موضوع التعليم عن بُعد بين الجد والهزل، ولم يتقبلوا هذه التجربة الجديدة، بالإضافة إلى شعور الأطفال بالملل، إذ لا يعرفون إلى متى سيستمر هذا الوضع، وحتى الأهل قد يصيبهم إحباط بسبب عدم خبرتهم بهذا الشكل من أشكال التعليم.
يجب أن نتحدث مع الطفل عن سبب بقائه في المنزل، وعدم ذهابه إلى المدرسة، ويمكننا توضيح أن هذا الوضع طارئ، وهذه القوانين تُطبق على الجميع وليس فقط عليه، وأن هذا النظام (التعليم عن بُعد) كان موجودًا سابقًا في كثير من الدول، ونحيي لدى الطفل روح المنافسة، التي فقدها مع انقطاع المدرسة.
وحذرت الاستشارية الأهالي من التوتر، فيمكن للأم مراقبة الطفل في أثناء قيامها بأعمال المنزل، وتشجيعه بمكافآت تحفيزية، وقالت إنه يجب الابتعاد عن الخوف والغضب، واستيعاب الوضع الراهن، بالإضافة إلى التواصل مع الأمهات الأخريات، للاستفادة من التجارب المختلفة.
وعلى الأم أن تكون صارمة عندما ينشغل طفلها بالألعاب في أثناء متابعة الدروس، مستغلًا وجود الجهاز الذكي معه، لكن دون أن تشعره بأنها تراقبه، بل مهتمة بأمره وبمتابعته حتى لا يلجأ إلى الكذب، وعليها تقدير أن هذا الأمر جديد على الطفل، فيجب استيعابه وتفهّم موقفه وشعوره.
وتحتل تركيا المرتبة الثانية بعد الصين في مجال التعليم عن بُعد، وفقًا لما نقلته وكالة “الأناضول” عن وزير التربية التركي.
وبلغ عدد الطلاب السوريين في المدارس التركية نحو 780 ألف طالب للعام الدراسي الحالي 2019- 2020، ويمثلون نحو 90% من الأطفال السوريين الموجودين في تركيا.
وطُلب من أكثر من 800 مليون شخص من 30 دولة حول العالم البقاء في منازلهم لتفادي انتقال عدوى “كورونا”، وفقًا لإحصاء أجرته وكالة الصحافة الفرنسية.
المصدر : عنب بلدي