بكل تغاضي واستهتار.. حلول فصل الشتاء يبدأ بإنهاك مخيمات النازحين .
محمد الحمود
يعيش آلاف النازحين داخل المخيمات ، بعد تهجيرهم من قبل همجية النظام السوري الذي باتت خروقاته تقتل وتشرد المدنيين من بيوتهم وأحيائهم ، ومنهم من بات هارباً خوفاً على عائلته من أي غارة تباغتهم.
تزداد المعاناة مع بداية فصل الشتاء المنهمرة بالأمطار الغزيرة ، التي تجعل من ساكني الخيم يغرقون في السيول الجارفة والمستنقعات الطينية ، ما يدفعهم في بعض الأحيان لسهر الليالي من أجل تدارك ما يستطيعون من تلك المأساة ، فإن أطفالهم كادوا أن يفقدوا إحساسهم من شدة البرد القارس لتبللهم بالمياه وعدم توفر المدفئة لتعديل الحرارة ، والبعض يصابون بالأمراض الالتهابية التي تأتي من مجاري المستنقعات العشوائية المليئة بالحشرات والمكروبات الضارة.
لتزداد المعاناة بغلاء المحروقات
إذ يرتفع سعر خزان برميل المازوت إلى 115$ ما يعادله في الليرة السورية 248 ألف ، ما يضع النازحين في حالة حرجة في ظل قلة العمل وازدياد البطالة ، الذي يجبرهم على إستخدام مواد أخرى لوقايتهم من قساوة الشتاء ، من حطب الأشجار و البيرين( مخلفات معاصر الزيتون )، وأيضا قشر الفستق و مخلفات النفط كالفحم ، على الرغم من غلاء أسعار هذه المواد
يذكر ، محمد الفارس الذي عاد إلى منزله في قرية إبديتا بعد التهجير الذي شبهه بالمأساه.
إن حلول فصل الشتاء و إرتفاع المحروقات أجبرني على العودة للتلجي تحت سقف منزلي اذ ” لا أستطيع مجارات فصل الشتاء خارج بلدتي ، لأنني أمتلك بعضا قليلا من الأشجار المثمرة التي تدر مدخولا محدودا على عائلتي ، أحتاج إلى 3 طن من الحطب لكي أتجاوز فصل الشتاء ، حيث أنني أحصل على نصفه من بقايا أشجاري التي أملكها ، اذ اني لا استطيع شراء المازوت لأن سعره مرتفع جداً”
البعض يلجئ إلى الأراضي الزراعية لتأمين ماتيسر من الأشجار التي باتت مريضة أو يابسة ، لتخزينها وإستخدامها للمدفئة في الشتاء ، أما عن الغالبية الذين لا يملكون الأراضي يلجأون إلى شرائها من مراكز بيعها وإن قلّت ولا يقف الغلاء عند المحروقات بل شمل المدافئ إذ أصبحت أسعارها مرتفعة
وهنا يخبرنا ابو حنين عن معاناته إذ قال ” نعاني من تلاعب كبير في الأسعار التي أصبحت تنهكنا لعدم توفر فرص العمل ، كنت أرغب بجلب قشرة الفستق مع الحطب ، ولكن سعر المدفئة ما يوازي نقديا طن من الفستق ، وتبقى حاجتي 2 طن في فصل الشتاء ، ويبقى ذالك على حسب أعداد أفراد أسرتي التي تتكون من طفلتين ”
ترتفع أسعار المواد بشكل عام يوميا ، لأن النظام السوري المدعوم من روسيا يحاصر محافظة إدلب التي يقطن بها ما يقارب 5 مليون نسمة ، فيما لا يوجد ممر لهم سوى من معبرين مع تركية ، ما يبقي وضع المدنيين سيئ جدا ويزداد مع تعدد خروقاته في قصف الأحياء السكنية.
تعايش النازحين
وسط المعاناة المستمرة وآلام المعذَّبين في مخيمات النزوح بين الشمال والجنوب، تعيش كل خيمة ألمها ومعاناتها بمعزل عن العالم الغربي والعربي الذي يتبجح بحقوق الإنسان وأولها حقه في الحياة ، ترسم وجوه أطفالهم وكبارهم قصص العذاب المريرة مع النزوح والغربة بعيداً عن ديارهم في مكان لا يجدون فيه أقل مقومات الحياة في العيش بسلام دون برد أو خوف أو معاناة في تأمين متطلبات الحياة ، كيف و إذ قدموا على فصل الشتاء الماطر الذي يحتاج إلى الدفئ اللازم ، ليحميهم من الموت والمرض المزمن.
حيث يبقى أحمد عبد الحميد الحمود مشتت في نزوحه الذي فرض عليه مع زوجته وأطفاله الأربعة ، عدم قدرته على توفير ما يقيه من البرد سوى جدران خيمته المهترئة.
يروي الحمود “كنت أحسب حساب فصل الشتاء وموعد حلوله ، و لم أستطع توفير حاجات أطفالي من ألبسة شتوية ، وإنه بالأمر الصعب توفير أي مادة لمدفئتي ، لأنني عانيت الكثير لكي أحصل على عمل ولكن للأسف لم أجد ” لا يقتصر الأمر على المحروقات للوقاية من الشتاء ، بل فقدانهم للدخل المنزلي كان الحاجة الأصعب.
المعاناة التي باتت محتومة على الآلاف من المدنيين في المخيمات العشوائية شمال سوريا إذ باتت حالة مصطفى الذي يسكن ضمن مخيم دير حسان في وضع سيء ، خصوصا بعد إصابته بفخذه اليمنى الشبه منقطعة بفعل طائرات النظام السوري ، ما جعله يبقى مقعدا لا يمكنه مساعدة عائلته ولا العمل لتلبية حاجاتهم.
كونه في وضع فائق القساوة يقول أبو عبدو ” قبل إصابتي وتهجيري من قريتي دير سنبل ، كنت أتمتع بالصحة الكاملة لإعانة عائلتي ، ولكن الآن أصبحت مقعد و حلول الشتاء زاد من معناتي الكثير ، لم أستطع أن أوفر اياً من مواد التدفئة إلا من بقايا النفايات والثياب المهترئة القابلة للإحتراق ، سأجعل من البطانيات غطائا لعله يدفئ أطفالي السبعة”..
يوماً بعد يوم تزداد معاناة آلاف النازحين السوريين في مخيمات النزوح في الشمال السوري ، حيث تفاقمت المعاناة خلال اليومين الماضيين بعد العاصفة المطرية التي ضربت المنطقة في ظل اقتراب حلول فصل الشتاء، إذ تساقطت الأمطار الغزيرة المترافقة مع رياح شديدة ، تسببت باقتلاع عشرات الخيم ، وترك أصحابها بدون مأوى أو ملاذ يقي أطفالهم وكبارهم البرد القارس ، كما تتسبب الأوحال بإعاقة التنقل بين الخيم ، إضافة للسيول الجارفة وتجمع مستنقعات كبيرة داخل المخيمات تسببت بغرق الخيم في المناطق المنخفضة.
هذه المعاناة ليست وليدة اليوم ، فمنذ اكثر من خمسة سنوات والمعاناة مستمرة وتتفاقم يوماً بعد يوم وفي كل بداية فصل شتاء تنطلق المناشدات لإنقاذ أهالي المخيمات ، واتخاذ التدابير اللازمة للحد من أثر العواصف والأمطار من خلال ترميم الخيم المهترئة بفعل عوامل الطقس ، وفرش طرقات المخيم وإنشاء قنوات لتصريف المياه