بعد فقدان الأمل بالعودة.. مهجرو إدلب يبيعون عقاراتهم بربع ثمنها
تعلق مليونا مهجر سوري من أرياف حماة وإدلب بخيط رفيع من أمل العودة إلى منازلهم التي هجرهم منها النظام وحلفاؤه في النصف الثاني من 2019 ومطلع عام 2020، لحين انسحاب نقاط المراقبة التركية. وبعد فصلي شتاء وفصل صيف من إقامتهم في خيم قماش لا ترد برداً ولا حراً وارتفاع أسعار كل المواد الأساسية ومصاريف العيش بالحد الأدنى؛ لم يعد هنالك أي خيار أمام آلاف الأهالي سوى بيع ممتلكاتهم وأراضيهم التي هُجروا منها.
“أُجبرتُ على بيعها بأقل من ربع ثمنها كي أبني غرفتين في المخيم، فقد غرقنا لعامين على التوالي في الشتاء”. هذا السبب الذي دفع أبو أحمد النازح إلى مخيمات كللي لبيع أرضه في بلدة تلمنس شرقي إدلب.
تسارعت في الأشهر الأربعة الأخيرة وتيرة بيع المهجرين لعقاراتهم الواقعة في المناطق التي سيطر عليها نظام الأسد مدعوماً بحليفتيه روسيا وإيران نهاية عام 2019 ومطلع 2020 في أرياف حماة وحلب وإدلب.
شاكر الخطيب وهو مهجر من كفرنبل ويملك مكتباً عقارياً في إدلب، تحدث لتلفزيون سوريا عن حالات البيع والتي جرى مؤخراً تسع حالات منها في مكتبه، وكان هو أحد الذين باعوا عقارات تعود له أيضاً.
يقول الخطيب: “بعت أرضي في كفرنبل بمبلغ زهيد، كنت قد اشتريتها قبل تهجيرنا بأيام، حينها دفعت ثمن الدونم الواحد 4500 دولار أميركي، بينما قبضت ثمنه اليوم 1500 دولار”.
ويأمل الخطيب أن لا يضطر لبيع أرضٍ أخرى، إلا أنه يتوقع تكرار ذلك بسبب الأوضاع الصعبة بحسب وصفه.
أسباب البيع
أسباب عدة باتت تدفع المهجرين لبيع أراضيهم بأسعار بخسة أبرزها ضيق الأحوال المادية، فمعظم النازحين من المناطق التي سيطر عليها نظام الأسد مؤخراً كانوا يعتمدون في حياتهم على الزراعة ومواسم الأرض ونفدت مدخراتهم المالية خلال عامين من النزوح، نتيجة غلاء المعيشة وارتفاع أسعار إيجارات المنازل بشكل جنوني يفوق طاقتهم على الاستئجار، بينما لا يجدون في الخيام مساكن يمكن المكوث فيها طويلاً.
فضلاً عن ندرة فرص العمل وبطالة الشباب وتحول الأسر المنتجة سابقاً إلى مستهلكة بعد النزوح.
السبب الآخر والذي لا يقل أهمية عن سابقه هو انسحاب نقاط المراقبة التركية والتي كانت تشكل حدود اتفاق أستانا 2018 والذي كانت تركيا تهدد نظام الأسد بإعادته لخلفها، حيث أفقد الانسحاب التركي المهجرين أمل العودة إلى مناطقهم.
مَن يشتري هذه العقارات؟
في عموم ريف إدلب وخاصة المدن والبلدات التي تعتبر حالياً خطوط تماس بين قوات النظام وفصائل المعارضة فإن المشترين يكونون من المغتربين من أبناء هذه القرى، في دول الخليج وأوروبا، وبعض ميسوري الحال في الشمال السوري، ويجد هؤلاء في هذه الأراضي فرصاً لا تعوض لقلة ثمنها، فمحمود أحد المشترين يقول: “أنا اشتريت قطعة أرض، ولن يدوم نظام الأسد إلى الأبد، ولا شيء يستطيع الشبيحة تعفيشه منها، وإن أرادوا تعفيش التراب فلهم ذلك، لكني عائد ذات يوم وإن لم أكن أنا فإن ابني سيعود حتماً”.
في العموم فإن معظم عمليات البيع والشراء تتمحور حول الأراضي فقط، وذلك لأن الأبنية إما مدمرة أو آيلة للسقوط، وعند الحديث عن بيع محل تجاري في مكان ما فالقصد موقع المحل وأهميته لا بناؤه بحسب المتحدثين.
وبما أن البيع يكون بين شخصين لا يستطيعان الوصول للأرض، فتتم عمليات البيع عبر برامج الخرائط، فيحدد البائع أرضه على الخريطة ليبين موقعها ومساحتها ويزود المشتري بأرقام هاتف جيرانه في الأرض، ليتصل بهم ويتأكد من صحة المعلومات ودقة المساحة، ويتم إبراز الوثائق التي تتعلق بالأرض إن وجدت، ويتم كتابة عقد بيع بين الطرفين.
أما عندما نبتعد عن خطوط التماس إلى الجنوب أكثر فيظهر صنف ثانٍ من المشترين، وهم من الموالين للنظام مهمتهم شراء عقارات لصالح ميليشيات تابعة للنظام أو إيران.
وقالت مصادر محلية خاصة لموقع تلفزيون سوريا، إن عمليات شراء العقارات وخاصة الأراضي الزراعية تتركز في مدينة مورك بريف حماة الشمالي وذلك لوقوعها على الطريق الدولي حلب – دمشق، ولكون أراضيها مزروعة بالفستق الحلبي.
وأفاد المصدر بأن المتنفذين في الميليشيات المحلية الموالية للنظام المشرفين على صفقات البيع هذه للإيرانيين يقومون بتسهيل هذه الصفات واستخدام طرق غير قانونية لإتمامها، فنظام الأسد يحظر على أحد بيع عقار غيره بالنيابة عنه دون الحصول على وكالة خطية في المحاكم، وهو ما يتعذر في هذه الحالة لوجود البائع الأساسي خارج مناطق سيطرة نظام الأسد، لذلك يتم الالتفاف على القانون عن طريق المحامين وفي المحاكم بدفع الرشاوى.
هل تعتبر عمليات البيع هذه قانونية؟
من جهته يعتبر الشيخ أنس عيروط وهو عضو مجلس الإفتاء الأعلى وعميد كلية الشريعة والقانون في جامعة إدلب أن البيع صحيح، لحصول التراضي بين الطرفين (البائع والمشتري).
وأكد مدير المصالح العقارية في حكومة الإنقاذ عبد الباسط قيراطة قانونية عمليات البيع التي تحصل بين بائع ومشترٍ كلاهما يعيشان خارج مناطق سيطرة النظام، وذلك في حال تثبيت عملية البيع أو الشراء والتي تتمثل بحضور البائع والمشتري أو وكيل قانوني ينوب عن أي طرف منهما أمام رئيس مكتب التوثيق العقاري وإقرار العملية والقبول بها.
وأشار إلى أن معظم عمليات البيع من هذا النوع لا يتم تسجيلها في المصالح العقارية.
وأعرب ناشطون عن حزنهم وأسفهم على الأسباب القاهرة التي تدفع مئات آلاف المهجرين القابعين تحت الفقر وضيق الحال، لبيع منازلهم أو أراضيهم، وما يترتب على ذلك من مخاطر تغيير ديموغرافي أو انتشار لميليشيات إيرانية على مقربة من الطريق الدولي حلب – دمشق M5 كما حصل في محيط العاصمة دمشق
المصدر : تلفزيون سوريا